أصدرت الدائرة الجنائية "أ" – بمحكمة النقض – حكما في منتهى الأهمية، يتصدى للتقارير الطبية الملفقة التي تكون سببا في إدامة الكثيرين، رسخت فيه لمبدأ قضائيا في غاية الخطورة، قالت فيه: "التقارير الطبية لا تدل بذاتها على نسبة إحداث الإصابات إلى المتهم، والاستناد إليها كدليل مؤيد لأقوال الشاهد"، وتوضح متى تعرض المحكمة عن شهادة شهود النفى.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 11199 لسنة 88 قضائية، برئاسة المستشار بدر خليفه، وعضوية المستشارين الأسمر نظير، وممدوح فزاع، وهاني صبحي، ومصطفى سيد.
الوقائع.. نزاع قضائي بين شخص ورجل ضبط قضائى بسبب سحب الرخصة
اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية الجناية رقم "..." لسنة 2017 قسم الرمل ثان - والمقيدة بالجدول الكلي برقم "..." لسنة 2017 - بأنه في يوم الأول من أكتوبر سنة 2017 بدائرة قسم الرمل أول - محافظة الإسكندرية، استعمل القوة والعنف مع موظف عام وهو النقيب "....." ضابط مرور بقطاع أبيس، وذلك لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته وهو سحب رخص تسيير الدراجة الآلية رقم "..." لسير قائدها بدون رخصة قيادة بأن تعدى عليه بالضرب محدثاً إصابته الواردة، بالتقرير الطبي المرفق بالأوراق محاولاً منعه بالقوة من تحرير المخالفة ولم يبلغ بذلك مقصده بأن تم تحريرها وضبطه على النحو المبين بالتحقيقات، وأهان بالقوة موظف عام هو النقيب "..." ضابط مرور بقطاع أبيس أثناء وبسبب تأدية وظيفته بأن وجه إليه ألفاظ السباب على نحو يحط من قدره وكرامته على النحو المبين بالتحقيقات.
محكمة الجنايات تقضى على المتهم بالحبس 6 أشهر.. والأخير يطعن
وفى تلك الأثناء، أحالته إلى محكمة جنايات الإسكندرية لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً في 3 من فبراير سنة 2018 عملاً بالمادتين 133، 137 مكرر أ /1 من قانون العقوبات، مع إعمال المادة 32 من القانون ذاته، بمعاقبته بالحبس لمدة 6 أشهر، فطعن محاميه بصفته وكيلاً عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في الأول من إبريل سنة 2018، وبذات التاريخ أودعت مذكرة بأسباب الطعن عن المحكوم عليه موقعاً عليها من محاميه.
مذكرة الطعن تستند على أن التقرير الطبي دليل إصابة وليس دليل إدانة
استندت مذكرة الطعن على عدة أسباب، حيث قالت إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي استعمال القوة والعنف مع موظف عام لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته، ولم يبلغ مقصده والتعدي عليه بالقول، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، وانطوى على الإخلال بحق الدفاع؛ ذلك بأن خلا من بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دانه بها، وبيان الأدلة التي استخلصت منها المحكمة الإدانة ومؤداها، وجاءت أسبابه مقتصرة مما يدل على أن المحكمة حين استعراضها لأدلة الدعوى لم تمحصها التمحيص الكافي، ولم تلم بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، ولم يستظهر أركان جريمة استعمال القوة بركنيها المادي والمعنوي ملتفتاً عن دفع الطاعن بانتقائها.
هذا وقد خلت الأوراق من ثمة دليل مادي على ارتكابه للواقعة، واستند الحكم إلى أقوال ضابط الواقعة – المجني عليه - واعتنق تصويره لها رغم عدم معقوليتها وتلفيقها، بدلالة الإصابات التي بالطاعن والمثبتة بالتقرير الطبي والتي أغفلها الحكم، كما عول على أقوال شهود الإثبات رغم تناقضها بعضها مع البعض، وقد اتخذ من تحريات الشرطة دليلاً على إدانة الطاعن رغم أنها جاءت منقولة من مصادر مجهولة وتعتبر من قبيل الشهادة السماعية، كما أنها لا تصلح دليلاً لأنها لا تعبر إلا عن رأي صاحبها، كما اتخذ من التقرير الطبي دليلاً رغم كونه دليل إصابة وليس دليل إدانة، ولم تستمع المحكمة لأقوال شهود الإثبات والمصدر السري للتحريات للتأكد من جديتها، والتفتت عن قاله شهود النفي، كما أن الحكم أغفل تناول دفع الطاعن بعدم معقولية الواقعة وكيدية الاتهام وتلفيقه بالرد، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد بيَّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، وساق الحكم على صحة الواقعة وإسنادها إلى الطاعن أدلة استقاها من أقوال شهود الإثبات ومما ثبت من تقرير الطبي الخاص بالمجني عليه.
نص المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إنه - لما كان ذلك - وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت المحكمة منها ثبوت الواقعة، وكان يبين مما سطره الحكم أنه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي استعمال القوة والعنف مع موظف عمومي لحمله بغير حق على الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته، ولم يبلغ مقصده والتعدي عليه بالقول وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة.
وبحسب "المحكمة": وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً أو نمطاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما ورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة، فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، ومن ثم فإن منعي الطاعن بالقصور لا يكون له محل.
لما كان ذلك - وكان المقرر أن الركن الأدبي في الجناية المنصوص عليها في المادة 137 مكرر " أ " من قانون العقوبات لا يتحقق إلا إذا توافرت لدى الجاني نية خاصة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام تتمثل في انتوائه الحصول من الموظف المعتدى عليه على نتيجة معينة هي أن يؤدي عملاً لا يحل له أن يؤديه أو أن يستجيب لرغبة المعتدي، فيمتنع عن أداء عمل كلف بأدائه، وأن الشارع قد أطلق حكم هذه المادة لينال بالعقاب كل من يستعمل القوة أو العنف أو التهديد مع الموظف العام أو الشخص المُكلف بخدمة عامة على قضاء أمر غير حق أو اجتناب أداء عمله المُكلف به، ويستوى في ذلك أن يقع الاعتداء أو التهديد أثناء قيام الموظف بعمله لمنعه من المضي في تنفيذه أو في غير فترة قيامه به لمنعه من أدائه في المستقبل.
ما هو دور التقارير الطبية في أي نزاع قضائى؟
لما كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أورد من وقائع الاعتداء الحاصل من الطاعن ما يكفي لتوافر الركن المادي للجناية المذكورة وقد استظهر استظهاراً سليماً من ظروف الواقعة أن نية الطاعن مما وقع منه من أعمال مادية صوب الضابط قد انصرفت إلى منع الضابط – شاهد الإثبات الأول – من أداء أعمال وظيفته لعدم تمكينه من تحرير إيصال سحب الرخصة ولم يبلغ الطاعن مقصده، فإن جناية استعمال القوة والعنف تكون متوافرة الأركان ولا على الحكم إن هو لم يعرض لدفاع الطاعن بانتفاء أركان الجريمة.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت عن التقارير الطبية - لما كان ذلك - وكان من المقرر أن التقارير الطبية وإن كانت لا تدل بذاتها على نسبة إحداث الإصابات إلى المتهم، إلا أنها تصلح كدليل مؤيد لأقوال الشهود في هذا الخصوص، فلا يعيب الحكم استناده إليها، ومن ثم فإن مجادلة الطاعن في أن المحكمة عولت على التقرير الطبي في نسبة إحداث إصابة المجني عليه إليه لا يكون لها محل - لما كان ذلك - وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة الأخيرة أن المدافع عن الطاعن قد اختتم مرافعته بطلب الحكم ببراءته مما أسند إليه دون التمسك بسماع شهادة شهود الإثبات أو المصدر السرى أو أي من طلبات التحقيق التي أثارها في طعنه، فلا على المحكمة إن هي التفتت عنها، لما هو مقرر من أن الطلب الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذي يصر عليه مقدمه، ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه في طلباته الختامية، فإن منعاه في هذا الصدد لا يكون سديداً.
متى تعرض محكمة الموضوع عن شهادة شهود النفى؟
ووفقا لـ"المحكمة": لما كان ذلك - وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق فيما شهدوا به، وهى غير ملزمة بالإشارة إلى أقواله ما دامت لم تستند إليها، وفي قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لم تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فأطرحتها، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير مقبول - لما كان ذلك - وكان من المقرر أن الدفع بتلفيق الاتهام وكيديته، وبعدم معقولية تصوير الواقعة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل من المحكمة رداً صريحاً ما دام الرد يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزيئات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها.
وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ما تقدم، فإن الطعن – برمته – يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة