تمتلئ الحياة بالعديد من القصص الواقعية المؤثرة والمحفزة، فكل قصة تعد حياة وتجربة عاشها صاحبها بحلوها ومرها، من بين تلك القصص تتبعناها قصة "فتحى" الشاب الذي سقط في بئر الإدمان منذ طفولته، عاش مأساة مليئة بالألم والعذاب لأكثر من 16 عامًا، كان يموت ويحيا في يومه مئة مرة حتى كاد يفقد عقله، لكن كتب الله له النجاة وتحوَّل من "مدمن" إلى "معالج" متخصص.
لمعرفة القصة نعود للخلف قبل 27 عامًا وبالتحديد في محافظة الإسكندرية؛ لنرى طفلا في الحادية عشر من عُمره مات والده فدللته أمه أكثر من اللازم ولم تعلمه تحمل المسؤولية، وبسبب رفقاء السوء أدمن التدخين ثم الحشيش ومع مرور السنين يزداد غرقًا وتورطًا في عالم المخدرات حتى وصل للمادة الأساسية بالنسبة له "الهيروين"، حتى جاءته اللحظة الفارقة والفرصة التي أمسك بها وتحدى مأساته مع الإدمان، واتخذ خطوة جادة في العودة للحياة.
فتحى متعافي إدمان
فتحى يروى قصته
الآن .. يقف "فتحي" وسط زملائه في أحد مراكز علاج الإدمان بصفته معالج، يقول بصوت متحمس ممزوج بنبرة حنان "عيش مبطل أحسن ما تبطل تعيش" حكمة يهبها لمن يمرون بمأساته، ويروى "فتحى" قصته لـ"اليوم السابع" قائلًا: كنت أشعر دومًا أن هناك شيئا ينقصنى، رغم أني كنت مدللا للغاية، بدأت ماساتي مع الإدمان بسلوك سيئ كنت أسرق أقلام زملائي وأعتدى عليهم بالضرب وأهرب من المدرسة وأدمنت التدخين في سن صغيرة، كنت أشعر بالسعادة حين أكون محور حديث الجميع، مهما كان نوع هذا الحديث سلبيا أو إيجابيا.
فتحى متعافي إدمان
بداية السعادة الكاذبة
كبر الطفل وكانت تنمو معه تلك السلوكيات السيئة فكان من تلقاء نفسه يتجه إلى أصدقاء وأصحاب يفعلوا سلوكه ويفتعلوا مشاكل داخل مجتمعهم، يقول فتحي: رغم أنى كنت أجد نفسي وسط هذا المجتمع السيئ، لكني كنت أشعر دومًا أني ضعيف وبداخلي خوف شديد، بالإضافة إلى رد فعل أسرتي الخاطئ في معالجة سلوكي كان يجعلني أتمسك بما أفعل، كان الضرب سلاحهم ونتيجته كانت عكسية، دخلت في طريق المخدرات بعد السجائر والحشيش، أول مرة أتناول فيها المخدر كان الحبوب وصلت بشعور السعادة إلى منتهاه، جعلتني أشعر بشخصيتي اجتماعي أتحدث بلا خوف، أعبر عن مشاعري العاطفية بمنتهى الجرأة، أعمل بتركيز، ولكن كل هذا كان إحساسا كاذبا وسعادة كاذبة، فأي سعادة تلك التي تهبها حباية مخدر.
فتحى متعافي إدمان
بيع المخدرات والمشاكل القضائية
كبر الشاب والتحق بكلية السياحة والفنادق الخاصة؛ بعد رسوبه في دراسة الثانوية العامة أكثر من مرة بسبب إدمانه المخدرات، وأثناء الدراسة عمل في أحد مطاعم بالإسكندرية، كان يشعر بالخزى بين أقاربه أصحاب المراكز المرموقة، فانطوى على نفسه واكتفي برفقاء السوء وبدأ يتمادى في أفعاله، يقول فتحى: المخدرات تحتاج أموالا كثيرة، وأنا لا أملك هذا المال، فبدأت أسرق مكان عملى "أضرب أوردرات" سرقت أمى وأهلي، ثم اتجهت لبيع المخدرات، وحدثت لي مشاكل قضائية عديدة وكبيرة، تم حبسي أكثر من مرة وفي كل مرة كنت أخرج أبحث عن المخدرات وأتعاطى.
يكمل "فتحي" حديثه: أهنت أمى كثيرًا عرضتها لدخول أقسام الشرطة، نكست رأسها داخل العائلة وبين الجيرانها، الجميع تنصل منى أهلي أخواتي خسرت عملي وتركت دراستى، عشت في الشوارع نمت على الأرصفة، أصبحت وحيدًا لا توجد غير صحبة الشارع والمخدرات، أثناء ذلك كنت أتألم من داخلي للوضع السيئ الذى كنت عليه حاولت أكثر من مرة أتعافي، ولكنى كنت أعود سريعًا ولا أستطيع استكمال الطريق، خاصة أننى كنت لا أثق في الآخرين، تعرضت لمشاكل صحية بسبب تناول المخدرات بالحقن، ومشاكل صحية في الرئة بسبب الهيروين.
فتحى متعافي إدمان
الإدمان دمر حياتى
يتابع الشاب: كنت أكره المواجهة ولا أستطيع أن أسمع كلمة "أنت مدمن" علمًا بأنى هكذا، "المدمن وهو بيشرب إنسان ميت" حاولت الانتحار أكثر مرة، ولكنى لا أستطيع فعل ذلك "أنا أجبن من أن أعمل كده"، أكثر أصحابي توفوا أثناء التعاطى وغيرهم انتحروا، ومنهم سُجنوا ودُمرت حياتهم، قرار التعافي صعب يحتاج معجزة كبيرة كى تستطيع التوقف عن الإدمان، وتحتاج يد العون التي تشدني من مستنقع الإدمان، لقد وصلت إلى نقطة الكره "أنا كرهت فتحى، كان نفسي أشوفنى إنسان كويس محترم زى الباقين أرحم دموع أمى اللى كانت بتحرق قلبي كل ما أشوفها، لحد ما خلاص أنا تعبت ورفعت إيدى وسلمت، أنا عملت كل الموبقات ودمرت حياتى وحياة أقرب الأقربين مني".
فتحى متعافي إدمان
2 مليون جنيه ثمن الهيروين في 15 سنة إدمان
يقول فتحى:"الفلوس اللي صرفتها على المخدرات كتيرة جدًا، كنت ممكن أصرف من 4000 إلى 5000 جنيه في الشهر، وبعد الهيروين ماكنش بيكفيني 25 أو 35 ألف جنيه في الشهر، يعنى في السنة كنت بدخل في 350 ألف جنيه، أنا تعاطيت الهيروين ما يقرب من 13 إلى 15 سنة، يعنى المبلغ إلى صرفته على المخدرات أكبر من مليون ونص أو 2 مليون جنيه".
فتحى متعافي إدمان
بداية جديدة ورحلة تعافي من المخدرات
واستطرد فتحى: "عاوز أقول لكل مدمن اِلحق رجع حياتك بدل ما حياتك كلها تنتهي، اليوم اللي أخدت فيه القرار كنت واخد مخدرات بكميات كبيرة، راحت عليا نومة وصحيت لاقيت نفسي في الشارع في مكان ماعرفوش وحوليا ناس كتير، روحت البيت ورفعتلهم إيدى وقلت عاوز أتعالج خدونى في نفس الوقت لأحد المراكز وبدأت رحلة التعافي، في البداية قعدت 10 أيام انسحاب المخدر من الجسم، وبعدها لاقيت ناس بتهتم بيا، بتكلمي، بتشجعنى، بتقولي إحنا معاك وأنت هتقدر، بقيت أتكلم وعبر عن اللي جوايا وأقول أنا خايف وماتكسفش، وبعد مرور كل شهر كنت بأحتفل، حبيت شخصية فتحى الجديدة".
وتابع: فترة التعافي كانت صعبة جدا، ولكنى أحببت نفسي ووثقت فيها، الآن أعمل في مكان محترم تدرجت فيه حتى أصبحت مدير مركز لعلاج الإدمان، تزوجت من زوجة صالحة أحبّتني كما أنا بالماضي المؤلم، ومستقبل بنيناه سويا ووقفت بجانبي تساعدني كثيرًا، أصبحت دنيتي من إنسان فاشل يتعاطى المخدرات يؤذى الغير وأقرب الأقربين إلى إنسان منتج ومسئول ومقبول وسط المجتمع له هدف 180 درجة فرق، أصبحت لي كلمة ورأى داخل أسرتى ومشورتى الأهم داخل أحداث العائلة.
فتحى متعافي إدمان
السعادة الحقيقة
واستكمل فتحى المتعافي من الإدمان حديثه لـ"اليوم السابع": الآن لي 6 سنوات ونصف بدون مخدر حصلت فيها على دبلومتين في علاج سلوكيات الإدمان، واكتشفت أن الإدمان مرض ممكن أن يكون أي شيء بخلاف المخدرات ممكن يكون جنس أو سرقة أو مال، الآن أصبحت لا أخاف المجتمع أسير في الشارع رافع رأسي اكتسبت قوتى من قدرتى على تخطى صعاب المخدرات والتعافي أنا فخور بنفسي لا أخجل من جملة "أنا مدمن متعافي"، "أخيرًا لقيت "فتحى" والسعادة الحقيقة ومن غير مخدرات".
فتحى متعافي إدمان
فتحى متعافي إدمان
فتحى متعافي إدمان
فتحى متعافي إدمان
فتحى متعافي إدمان
فتحى متعافي إدمان
فتحى متعافي إدمان
فتحى متعافي إدمان