لازالت الدولة المصرية تسير نحو مستقبل أفضل في مواجهة عملية التمييز ضد المرأة، وذلك من خلال تحقيق خطوات هامة نحو تحقيق المساواة في الحقوق، وهو ما اتضح جليا في القضاء على ظاهرة حرمان الإناث من الميراث الشرعي، وبالأخص المنتشر بمحافظات الصعيد وبعض مدن الدلتا، حيث تعد جرائم الميراث من المشكلات الاجتماعية الصعبة التى تواجه المجتمع وتتسبب فى تفتيت وتفكك الأسر، لذلك حرص المشرع على التصدي لهذه القضية ومعالجتها، وكان آخر الإجراءات المتخذة تعديل البرلمان للقانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، للتصدى لجريمة منع تسليم الميراث للورثة.
بتاريخ 30 ديسمبر 2017 نشرت الجريدة الرسمية تعديل قانون المواريث 77 لسنة 1943 والذي وافق عليه البرلمان المصري في 5 ديسمبر 2017 ويضيف التعديل إلى القانون المادة 49 التي تنص على معاقبة كل من امتنع عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة قد تصل إلى 100 ألف جنيه، كما تعاقب كل من حجب أو امتنع عن تسليم مستند يثبت ميراثاً بالحبس 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه.
كيفية تصدى المشرع لجريمة الامتناع عن تسليم الإرث
وفى حقيقة الأمر – عملية التحرك لمواجهة "التمييز ضد المرأة" جاءت تلبية لرغبة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي هاجم الموروثات الثقافية – الخاطئة - التي تحرم المرأة المصرية من ميراثها في إحدى المؤتمرات قائلاً: "لا بد من تغيير هذه الموروثات، ويجب أن يكون هناك برنامج متكامل لإعادة رسم الصورة الحقيقية للمرأة لكي تحصل على مكانتها"، وهو الأمر الذي لاقى ترحيباَ كبيراَ لدى المرأة المصرية الذين وصفوا تدخل الرئيس الحاسم في قضايا المرأة بـ"المنصف الحقيقى".
القانون السابق - الصادر عام 1943، يخلو من أية عقوبة جزاء الحرمان من الميراث، إلا أن المشاريع والمقترحات القانونية التي قدمت في عام 2016 إلى مجلس النواب من قبل مجلس الوزراء، والمجلس القومي للمرأة، والجمعيات الأهلية والنسائية بتعديل القانون أتت ثمارها في عام 2017، حيث جاء التعديل المُقر في إطار تطبيق المادة 11 من الدستور المصري التي ألزمت الدولة بتحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بجانب حماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وكذلك القضاء على التمييز ضد المرأة في ما يخص حصولها على الميراث وفقاً للمادة 53 من الدستور التي تنص على مكافحة كافة أشكال التمييز.
التقاليد والأعراف تؤكد: الإرث للذكور فقط
وتعليقا على هذا الأمر – تقول الخبير القانوني والمحامية المتخصصة في الشأن الأسرى – أشجان البخارى – الكثير من العائلات المصرية خاصة في صعيد مصر تستخدم ما يطلق عليه بالعرف "الرضوى"، هو عبارة عن ترضية الأنثى بمبلغ مادي عوضاً عن الميراث، وكان في السابق 95% من نساء الصعيد لا يرثن وفق العرف والتقاليد التي لا تحبذ توريث المرأة خوفاً من استيلاء زوجها وأبنائها على الميراث، وبالتالي ينتقل الميراث إلى أشخاص أغراب عن العائلة وأن الفتاة لا يحق لها أي ميراث بعدما قام والدها بتعليمها وتجهيزها بكل شيء أثناء الزواج.
وبحسب "البخارى" في تصريح لـ"اليوم السابع" – وفى كثير من الأحيان يلجأ بعض الآباء والأشقاء لحيل لمنع شقيقاتهم وبناتهم من الحصول على الميراث، فقد يخططون لبيع ممتلكاتهم لشخص صورياً، أو يسرق بعضهم بصمة أصابع الأب على فراش الموت أو بعد وفاته ليبيع لنفسه أو لأشقائه الذكور كل ممتلكات والدهم، أو تزوير مستندات رسمية تثبت البيع، ولكن العامل الأهم الذى يعود له استمرار هذه الظاهرة هو جهل المرأة بحقوقها الشرعية والقانونية والذي يجعلها تعتبر أن حرمانها من الإرث هو حق للرجل، كما أن أغلب حالات الحرمان يأتي من خوف النساء من فقدان الترابط الأسري مع عائلتهن وأشقائهن، يجعلهن يمتنعن عن المطالبة بالميراث.
مدى فاعلية القانون في مواجهة التمييز ضد المرأة
وعن مدى فاعلية القانون في مواجهة التمييز ضد المرأة – تقول الخبير القانوني والمحامية هبه علام – التعديلات الجديدة في قوانين المواريث تكفل للمرة الأولى قوة ردع قانوني بوجود عقوبة لمن يحرمها من ميراثها الشرعي، وذلك في محاولة أن تكون إحدى المحطات الهامة لحقوق المرأة المصرية والعربية في الحد من حرمانها لعقود طويلة منه خاصة بالصعيد، إلا أن هناك انتقادات عديدة لذلك التعديل لعدم تغليظه العقوبة المقررة الذى نرجو أن يتم تغليظه في الخطوة القادمة.
ووفقا لـ"علام" في تصريحات صحفية – فإن ضمن الأمور التي فيها نظر بشأن التعديل أنه نص على امكانية الصلح بين المرأة وغاصب الارث في أية حالة كانت عليها الدعوى، وبه تنتهى الدعوى الجنائية، وهو ما قد تجبر عليه المرأة لاعتبارات الحفاظ على العائلة مقابل ترضيتها بمبالغ مادية للتنازل عن ميراثها في الأراضي والعقارات التي تكون قيمتها أضعاف تلك المبالغ، وفى الحقيقة لا يمكن للقانون وحده مواجهة هذه الأنماط والعقائد السائدة، مما يجعل المرأة نفسها تتخوف من المطالبة بحقوقها وترضى بالأمر الواقع، خاصة في ظل غياب جهات يمكن للمرأة المظلومة أن تتوجه إليها لطلب المساعدة، وبالتالي تستخدم التعديل كأداة للحصول على حقوقها دون قضاء العديد من السنوات بين أروقة المحاكم من دون نتيجة.
كيف تسترد المرأة ميراثها المنهوب من أقرب الناس إليها؟
وعن كيفية استرداد المرأة ميراثها المنهوب من أقرب الناس إليها – يقول الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى – عبد المجيد جابر - يتسبب الميراث فى الكثير من الجرائم، والقضايا أمام المحاكم المختلفة، فهناك أنواع مختلفة من جرائم الحرمان من الميراث، وعقوبتها، من المعروف إن قضايا الميراث تشكل جزء من الحياة الخاصة بالمواطنين، وينبثق منها العديد والعديد من القضايا تتمثل فى الآتى:
شروط جريمة الامتناع عن تسليم حصة الميراث
1-وجود تركة مملوكة للموروث.
2-أن تكون التركة "الميراث" تحت يد أحد الورثة "فى حيازته".
3-امتناع حائز الميراث عن التسليم لمن له حق الإرث.
المستندات والأوراق المطلوبة
1- إعلام شرعى للمورث.
2- سندات ملكية المورث.
3- ما يفيد حيازة الممتنع.
4- حكم ريع أو فرز وتجنيب
5- تقرير الخبير
6-إثبات امتناع حائز التركة عن إعطاء الميراث للمستحقين، ويثبت عن طريق إنذار المتضرر لواضع اليد على التركة وهو غير وجوبي، لكن الافضل صدور حكم مدنى بالفرز أو الريع ويجب أن توضح الحصة الميراثية المطالب بها فى الإنذار وعريضة الجنحة المباشرة.
الجرائم المعاقب عليها
أولاَ:
جريمة الامتناع العمد عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، ومفاد هذه الجريمة وركنها الأساسي هو توافر القصد الجنائي للمتهم بحيث يكون قاصد منع الوارث من استحقاق نصيبه.
ثانياَ:
جريمة حجب السندات التي تؤكد نصيب الورثة كاحتجاز عقود ملكية المورث وخلافه.
ثالثاَ:
جريمة الامتناع عن تسليم المستندات الدالة على استحقاق الميراث، وفى هذه الجريمة قد اشترط المشرع قبل تحريك الدعوى الجنائية أن يكون الوريث قد طالب من تحت يده المستند، وامتنع عن تسليمه ويتحقق الطلب والعلم اليقيني هنا إما بتوجيه إنذار رسمي على يد محضر، أو بخطاب مسجل بعلم الوصول، كما أنه في حالة العود تغلظ عقوبة الحبس بحيث لا تقل عن سنة.
أ- الحبس عقوبة إخفاء المستندات
ويضيف "جابر" في تصريحات خاصة - تضمنت التعديلات أيضًا إضافة باب تاسع بعنوان "العقوبات"، يتضمن مادة جديدة برقم 49، تنص على أنه "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، أن تكون العقوبة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 100 ألف جنيه أو إحدى العقوبتين، لكل من امتنع عمداً تسليم الورثة نصيبه الشرعى من الميراث أو حجب سنداً يؤكد نصيباً للوارث، أو امتنع عن تسليم السند حال طلبه من أى من الورثة الشرعيين، وترتفع العقوبة لمدة سنة فى حالة العودة لأى من الأفعال السابقة.
ب- الصلح
تم النص وإقراره ضمن التعديلات التي أدخلت على القانون بعد اقتراحه من قبل هيئة كبار علماء الأزهر، حيث طالبت بأن يتضمن المشروع نصاً يجيز الصلح فى جميع مراحل التقاضى حتى بعد صدور الحكم النهائى البات، أو أثناء تنفيذ العقوبة المقضى بها، وذلك حفاظاً على صلة الرحم
وبحسب المادة "يجوز الصلح فى أية حالة كانت عليها الدعوى، وبعد صيرورة الحكم باتا، ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية، ولو كانت مرفوعة بطريق الإدعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح أثناء تنفيذها، ولا أثر للصلح على حقوق المضرور من الجريمة".
نموذج جنحة الامتناع عن تسليم الميراث الشرعى