جاء ذلك فى كلمة ألقاها اليوم الأحد خلال افتتاح الدورة العاشرة من المنتدى الدولى للاتصال الحكومى، الذى ينظمه المركز الدولى للاتصال الحكومى، التابع للمكتب الإعلامى لحكومة الشارقة، فى مركز إكسبو الشارقة، على مدار يومين تحت شعار "دروس الماضى، تطلعات المستقبل".
وأكد الشيخ سلطان بن أحمد القاسمى، أن بناء الإنسان هو قيمة نبيلة، لا تتحقق بتوفير الشروط المادية للعيش فحسب، بل بتكريس الفكر المستنير وصقل العقل والوجدان، وقد تبنت الشارقة هذا النهج منذ ثمانينات القرن الماضى، عندما كانت المنطقة تمر بمرحلة ما بعد اكتشاف النفط، والاندفاع الشديد نحو البناء والمعمار، أطلق حينها حاكم الشارقة، عبارته الشهيرة: "كفانا من ثورة الكونكريت، ولنبدأ فى بناء الإنسان"، ومنذ ذاك الحين وإلى يومنا هذا والشارقة تسير على ذات النهج، الذى يؤسس لفكرة أن الإنسان هو أولًا، وثانيًا، وثالثًا.
وتابع:" انطلاقًا من هذه الرؤية التى أرساها قائدٌ مثقف حكيم، تتحرك الشارقة فى مسارات متعددة ومتناغمة تكمل بعضها البعض لصياغة مكونات الفرد الواعى الذى يسعى لبناء ذاته ووطنه، وها نحن بعد مضى عقد من الزمان على انطلاق المنتدى، الذى كان شاهدًا على إثرائنا بالعديد من التجارب والخبرات العلمية والعملية استفدنا منها فى تطوير منظومة العمل والاتصال الحكومى فى إمارة الشارقة، اعتقد البعض بأننا وصلنا مرحلة من الخبرة تشعرنا بالاكتفاء، إلا أننا بحضوركم والاستماع إلى تجاربكم وممارساتكم المتنوعة حتمًا سوف نستفيد من دروس الماضى، ونتطلع إلى المستقبل".
ولفت رئيس مجلس الشارقة للإعلام، إلى أن المنتدى الدولى للاتصال الحكومى حدث يتجاوز فى وظيفته مجرد البحث فى الخطاب الرسمى الموجه للجمهور، ليغوص عميقًا فى أصل العلاقات البشرية، حيث فكرة التواصل والاتصال، من خلال الاتصال تتوثق العلاقات، وتصان القيم، وتحمى المبادئ، وتنهض الأمم.
كما تحدث الأمير تركى الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ضيف شرف المنتدى عن تجربة إمارة الشارقة الحضارية وما يقوده الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من مشروع تنموى شامل، بقوله: "لا يفوتنى أن أعبر عن مدى التقدير الذى أكنه لسموه لما امتاز به من علم وثقافة وحكمة وحسن إدارة جعلت من إمارة الشارقة نموذجًا وصرحًا يشار له بالبنان فى إطار اتحاد عربى ناجح متمثلًا بدولة الإمارات العربية المتحدة وما تشهده من رخاء وتقدم وازدهار".
وقال الأمير تركى الفيصل: إننا نعيش فى عالم واحد رغم كل ما واجهته البشرية من ويلات، مضيفا أن هذه الحقيقة متجسدة بشكل جلى فى ما يعيشه عالمنا اليوم من تقدم فى مختلف المجالات وفى ظل عولمة اقتصادية ومالية وإعلامية فرضت تشابك مصالح العالم وتداخل فضاءاته المختلفة حتى أصبح عالمًا واحدًا، وليس أدل على ذلك أكثر مما أكدته جائحة كورونا التى لم تميّز بين البشر والدول والقارات ولم تعترف بالحدود السياسية والطبيعية القائمة بين الدول، مستطردا: أن وحدانية عالمنا تحتم علينا، أن نسعى دائمًا إلى العمل على أن يكون تقدم عالمنا وتواصلنا محكوم بما يحقق مصلحة الإنسان الذى هو غاية بنفسها.
ونوه الفيصل إلى أن التحدى الأكبر اليوم أمام العالم هو إدارة التحولات الجارية فى النظام الدولى القائم بهدف صياغة نظام دولى جديد، وإعادة هيكلته ليعبر عن موازين القوى الدولية القائمة، ويستوعب المتغيرات العالمية فى المستويات كافة، بما يستجيب لتطلعات دول العالم فى إيجاد نظام دولى عادل يوفر بيئة استراتيجية للدول لتكيف سياساتها بما يحفظ مصالحها الخاصة، ويوجد عالم يسوده الأمن والاستقرار.
وأشار رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، إلى أن الفشل فى مواجهة هذا التحدى سيقود إلى صراعات دولية، العالم فى غنى عنها، وتهدد ما أنجزته البشرية خلال العقود الماضية من إنجازات فى كافة المجالات بما فى ذلك مستقبل العولمة، متابعا: "ونحن اليوم على حافة تحول قد يعيدنا إلى الصراع بين الدول العظمى يهدد إنجازاتنا البشرية".
ومن جانبه، قال أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية: "لقد انطلق المنتدى فى عام 2012 بفضل رؤية حكيمة وجهود مدروسة، لكى يشكل حلقة مهمة فى مسار التغيير الذى ننشده جميعًا، وأظن أن هذا التاريخ له دلالة مهمة، فمن بعد الأحداث العاصفة فى 2011، التى أفضت إلى ما أفضت إليه من أزمات ما زلنا نعانى منها إلى اليوم فى أكثر من مكان بعالمنا العربى، أقول أن هذه الأحداث مثلت دافعًا لإعادة النظر والتفكير، فجزء كبيرٌ من المشكلات كان ناجمًا عن حالة غير صحيّة من الانفصال بين الحكومات والشعوب".
وأضاف أبو الغيط أن إشراك الشعوب يبدأ بإشاعة المعرفة بحجم التحديات وعمق المشكلات التى يواجهها المجتمع، وليس صحيحًا أن هذه المعرفة تشيع اليأس أو تضعف من شعبية الحكومات، بل الصحيح أنها تضع الناس والحكومات فى قاربٍ واحد، وتعيد تشكيل الخطاب السياسى على أساس من الواقع القائم، وليس الوعى الزائف أو الشعارات الكاذبة.
وحول تأثير الأزمة الصحية العالمية على مكانة ودور الاتصال الحكومى، قال أمين عام جامعة الدول العربية: "لقد رأينا جميعًا ما كشفت عنه تجربة كوفيد-19 فى العامين الماضيين من تأثير الاتصال الحكومى الناجح فى أداء الحكومات فى وقت الأزمة، فقد صار واضحًا أن الحكومات التى تتمتع بقنوات مفتوحة مع شعوبها، وثقة متبادلة بينها وبين الجمهور، تمكنت من إدارة الأزمة على نحوٍ أفضل، ومن قراءة الواقع بصورة أكثر دقة، ومن القيام بواجبها فى التوجيه والضبط والتوعية على نحو أسرع وأكثر كفاءة ".
فيما أكد الدكتور نايف الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن التواصل الحكومى الفعال لا يمكن أن تتحقق أهدافه بدون أن يكون الإعلام الخاص رافدًا له ومساندًا فى إيصال رسالته، فالأهداف الوطنية الكبرى وتحقيقها وحمايتها هى مسؤولية الجميع، والوقوف فى وجه المشككين والمثبطين بأهمية الاتصال الحكومى ودوره البنّاء هى مسؤولية وطنية للذود عن ثوابت ومقدرات أى مجتمع، ولا يمكن لذلك أن يتحقق بدون وجود ميثاق يحكم الفضاء المفتوح، وينظم ما يحتويه من أخبار ومعلومات اختلط فيه الغث والسمين، وأصبح المتلقى فى حيرة من يصدق.
وأردف الحجرف: "لعل لنا فى جائحة كورونا وما مر به العالم خلال العام 2020 خير عبرة ودليل، فما بين مشكك ومتربص وما بين مسوق لنظرية المؤامرة ومؤمن بها، ضاعت جهود حكومات دول العالم وهى تكافح هذا الوباء، وتم التقليل من جهود العاملين فى الصفوف الأمامية من قبل أصوات استغلت الفضاء المفتوح غير المنظم، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، بحيث أصبح الفضاء المفتوح غير المنظم مصدر المعلومة الموثوق لدى عدد كبير جدًا من المتلقين والعامة، ولا يقل تأثيره أيضًا على النخب والمطلعين، الأمر الذى فرض على الجهات الرسمية والمؤسسات الكبرى إنشاء حسابات فى منصات التواصل الاجتماعى للتفاعل مع ما يطرح من خلالها بل والعمل على مدار الساعة لمتابعتها ".
ولفت طارق سعيد علاى، مدير عام المكتب الإعلامى لحكومة الشارقة، إلى أن الدورة الحالية للمنتدى تنعقد بعد أزمة صحية عالمية سببت تحولات حادة فى شكل الحياة الذى اعتدنا عليها، ووضعت أكثر من 4 مليار إنسان حول العالم فى الحجر المنزلى نهاية العام الماضى، وغيرت أنماط العمل والتعليم وشكل الترفيه وصناعة المحتوى وطبيعة العلاقة بين الأفراد والمؤسسات والمجتمعات، مؤكدًا أن هذه الحقائق تضع الاتصال الحكومى أمام أسئلة جوهريّة تطرحها منصة المنتدى الدولى للاتصال الحكومي.
وأوضح علاى أهمية استثمار التجارب الحيّة المختلفة من أجل الوصول إلى أفضل النتائج مستعرضًا تجربة دولة الإمارات الرائدة قائلًا:" خلال أقل من خمسين عامًا وصلنا إلى مراكز متقدمة على المؤشرات التنموية العالمية، وفى المدة نفسها وصل مشروع الشارقة للعالمية، وترك آثاره فى مسيرة المنطقة وشعوب العالم أجمع، وكل هذه المنجزات تعود للكثير من العوامل، ومن أبرزها التعلم من التجربة الحيّة، وهو العامل الذى تستند إليه الدورة العاشرة للمنتدى".
وأوضح مدير عام المكتب الإعلامى لحكومة الشارقة أن شعار المنتدى "دروس الماضى وتطلعات المستقبل"، يضع الحاضرَ فى محور الفعل والاهتمام، لأنَ دروس الماضى تقاس بأثرها فى الحاضر، وتطلعاتَ المستقبل تصنَع الآن فى هذه اللحظة الحاضرة.
وتخلل حفل الافتتاح عرض فيلم مرئى يعكس أهمية الاتصال الحكومى ودوره فى نقل كافة الصور والأحداث المتنوعة فى مشاعر الفرح والحزن والتضامن وغيرها من الأحداث التى أثرت فى العالم كافة.
وتجول الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمى نائب حاكم الشارقة، والحضور بعد حفل الافتتاح فى أروقة المنتدى، مطلعًا على الفعاليات المصاحبة، متفقدًا أجنحة عدد من الجهات والمؤسسات والدوائر المشاركة.
وتجمع الدورة العاشرة للمنتدى 79 خبيرًا فى الاتصال من 11 دولة عربية وأجنبية، يشاركون فى 31 فعالية تتوزع بين 7 جلسات حوارية و5 خطابات ملهمة و7 ورش تدريبية و12منصة تفاعلية، بهدف مناقشة آليات إدارة الأزمات بأساليب اتصال مبتكرة ومعاصرة، وتحديد مستقبل خطاب الحكومات للجمهور وحجم الشراكة التى تجمعهم فى صناعة القرار، والتركيز على التجارب التاريخية فى الاتصال الحكومى، وأهم المحطات الماضية وصولًا إلى الحاضر وما رافقه من تحولات ليستشرف المنتدى بعد 10 أعوام على انعقاده مستقبل الاتصال الحكومى إقليميًا وعالميًا.
ويعقد المنتدى بالشراكة مع عدد من المؤسسات الوطنية والدولية، وهى، غرفة تجارة وصناعة الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، ومدينة الشارقة للإعلام (شمس)، وهيئة الإنماء التجارى والسياحى فى الشارقة، ومركز إكسبو الشارقة، والشارقة لإدارة الأصول، و"طيران الإمارات"، وإينكس العالمية، وسكاى نيوز عربية، ووكالة أنباء الإمارات، ودار الخليج، ومؤسسة دبى للإعلام، وصحيفة الاتحاد، ومؤسسة دبى للإعلام، وقناة دبي.
حضر حفل افتتاح الدورة العاشرة للمنتدى الدولى للاتصال الحكومى كل من الشيخ خالد بن عصام القاسمى رئيس دائرة الطيران المدنى، والشيخ فاهم بن سلطان القاسمى رئيس دائرة العلاقات الحكومية، والشيخ خالد بن أحمد القاسمى مدير عام دائرة الحكومة الإلكترونية، والشيخ ماجد بن سلطان القاسمى مدير دائرة شؤون الضواحى والقرى، وعدد من رؤساء الدوائر الحكومية أعضاء المجلس التنفيذى، وكبار المسؤولين وممثلى الهيئات والمنظمات والبعثات الدبلوماسية، وحشد من الإعلاميين والأكاديميين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة