قصة بطلها الحقيقى الإرادة والعزيمة التى لم توقفها الظروف، لم يقدر عليها شلل الأطفال فكان الكرسى المتحرك حلا للسعى، ولم تقدر عليها الأمية والحرمان من التعليم فكان الالتحاق بفصول محو الأمية حلا للعلم، ولم يقدر عليها إحباط المجتمع فكان الوصول للدكتوراه هو النجاح الأكبر هذه الإرادة بطلها الدكتور محمد كيلانى ابن محافظة الفيوم الذى استطاع أن يتكيف مع إعاقته ووصل من محو الأمية إلى الدكتوراه فى النحو والصرف ليعطى درسا لجميع من يتحججون بالظروف بأن الإرادة تصنع المستحيل.
وقال محمد كيلانى محمود أخصائى شئون تعليم بجامعة الفيوم 46 سنة، لـ"اليوم السابع"، إنه لم يلتحق بالتعليم، نظرًا لإصابته بشلل فى قدميه ورأت أسرته أنه من الأفضل ألا يلتحق بالمدرسة، حتى لا يسخر منه زملاؤه ويضايقونه، وقرروا أن يتعلم حرفة يدوية ولكن محمد لم يتعلم شيئا ولم يلتحق بالتعليم حتى أصبح عمره 20 عاما، وكان خلالها يحاول تعلم أى حرفة يدوية ولكنه لم يوفق.
وأضاف محمد، أنه كان يجلس بجوار أشقائه الصغار أثناء مذاكرتهم بالمنزل ويتعلم منهم القراءة والكتابة، وبالفعل تعلم وبدأ فى شراء مجلات الأطفال لقراءتها.
وأشار محمد إلى أنه تم تعيينه عامل خدمات معاونة بمديرية الطب البيطرى عام 1993، حيث حصل على شهادة تأهيل مهنى عن عمل السجاد والكليم اليدوى، واستطاع بهذه الشهادة أن يحصل على الوظيفة، وبدأ أثناء وظيفته يقرأ ويكتب جيدا فألحقوه بالأرشيف وعمل بها 9 سنوات وبدأ يعرف أنه كلما حصل على مؤهل دراسى أعلى سيترقى فى وظيفته فبدأ التقدم فى الحصول على الشهادة وحصل على محو الأمية وعمل تسوية للابتدائية والتحق بالإعدادية بنظام التعليم من المنازل وحصل على الإعدادية ثم الثانوية العامة والتحق بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم عام 2000.
وأكد محمد: كنت أوفق بين وظيفتى ومحاضراتى بالجامعة وفى السنة الثالثة بالجامعة استطعت أن أنقل وظيفتى للجامعة وأكمل دراستى وحصلت على البكالوريوس ثم الماجستير فى النحو والصرف بتقدير امتياز عام 2009 وفى عام 2017 ناقشت رسالة الدكتوراه وحصلت على المنح ودرجة الدكتوراه فى 2018 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وأكد أن حلمه الآن التدريس بالجامعة.
ولفت الدكتور محمد إلى أن الإعاقة مع الأمية مثل المطرقة والسندان كليهما يضغطان على الشخص ويؤثران على حالته النفسية، وشىء واحد منهما يكفى أن يعيش الإنسان محاصرا بالمشاكل والهموم، ولذلك كان لابد أن يتخلص من الأمية.
وعن أسرته أكد الدكتور محمد أنه متزوج ولديه 3 بنات ويعمل بالجامعة ويحاول عمل دخل خاص من خلال مراجعة الأبحاث ورسائل الدكتوراه، وذلك ليتمكن من زيادة دخله والإنفاق على بناته.
وعن أصعب المواقف التى مر بها الدكتور محمد قال إنه فى اليوم الأول له بالجامعة ذهب بالكرسى المتحرك، ووجد أن كلية دار العلوم بالدور الرابع ووقف مكانه بالدور الأرضى لا يدرى ماذا يفعل هل يتراجع عن طريقه أم يكمل، إلى أن تبرع زملاؤه بمساعدته وحمله بالسلم حتى الدور الرابع وظل على هذا الوضع على مدار 4 سنوات.
ووجه محمد رسالة لأولياء الأمور الذين لديهم أطفال معاقين، مؤكدا أن هناك دمجا حقيقيا لذوى الإعاقة فى المجتمع واهتماما كبيرا من الدولة بهم، ولابد أن تجعل طفلك يندمج مع المجتمع بإعاقته ويرى إمكانياته ويهتم بتنميتها ويراقبه من بعيد ويكون دعمه وسنده وصديقه لأنه للأسف يعتقد ولى الأمر أنه يحمى ابنه بأن يغلق عليه لأنه يجعله فريسة سهلة فى أول احتكاك له مع المجتمع ويكون فريسة للتنمر ولابد أن يكون الأب نموذجا جيدا فى حياة ابنه المعاق ولا يكون عامل هدم له.