دخلت المريضة جوليا عبدالسيد، إلى مستشفى معهد البحوث الطبية بالإسكندرية، للعلاج من التهاب حاد فى كليتيها، وتطورت حالتها حتى أصيبت بتسمم فى البولينا، وبدأ الأطباء يعالجونها بالأدوية لاستخدام الكلية الصناعية التى قد تمنحها الحياة فترة لا تزيد على 6 أشهر، حسبما ذكرت جريدتا «الأخبار» و «الأهرام» يوم 17 يناير، 1966.
كانت الأقدار فى صف هذه السيدة (42 عاما)، حيث أجريت لها جراحة زرع كلى طبيعية من متبرع فى 15 يناير 1966، ونجحت العملية لتكون بذلك صاحبة أول جراحة من هذا النوع فى الشرق الأوسط كله، وفقا لتأكيد «الأخبار» و»الأهرام».
تذكر «الأهرام» و»الأخبار» تفاصيل هذه القصة المثيرة، نقلا عن المؤتمر الصحفى للدكتور محيى الدين الخرادلى مدير معهد البحوث الطبية بالإسكندرية فى 16 يناير، مثل هذا اليوم، 1966، قائلا، إن المتبرع بإحدى كليتيه اسمه محمد محروس، ويعمل موزعا للبريد بمديرية التربية والتعليم بالإسكندرية، وعمره 37 عاما ولديه 5 أطفال، وأقدم على خطوته من باب الإنسانية، وأخفى الأمر عن أسرته وأولاده حتى موعد إجراء العملية، أما الذى أجراها فهو الجراح الأمريكى صمويل كوينز، رئيس قسم الجراحة بجامعة ستانفورد، بأمريكا، وكان معارا إلى مصر لمدة ثلاثة أشهر من «هيئة فولبرايت»، وأجرى تسع عمليات مماثلة منذ عام 1959.
مع تفاقم حالة المريضة جوليا عبدالسيد، أرسل معهد البحوث الطبية خطابا إلى الدكتور صمويل كوينز، يشرح له حالته ويدعوه إلى الحضور للإسكندرية، فلبى الجراح العالمى الدعوة وأجرى الكشف عليها، وقرر أنها تصلح لإجراء عملية استبدال إحدى الكليتين إذا وجدت متبرعا ويفضل أن يكون من أقاربها، وأمام هذه الأمل دار البحث عن متطوع بين أفراد عائلتها، وفيما تذكر «الأخبار» أنه تبين أن لا أحد منهم يصلح، تذكر «الأهرام»: «اعتذر أهلها عن أن يتطوع أحدهم بالتبرع بإحدى كليتيه».
تذكر «الأخبار» أن الأمل ظهر فى بنك الدم بمعهد البحوث حيث اعتاد «محمد محروس» التردد عليه للتبرع بدمه، تضيف: «على غير ميعاد التقى الطبيب الأمريكى بمحمد محروس، وسأله: «هل يستطيع الذى يجود بدمه أن يتبرع بإحدى كليتيه؟ تطلق الأخبار وصف «البطل» على «محروس»، وتقول: «تردد أول الأمر، وفى صباح اليوم التالى عاد إلى المعهد، وانتظر المدير ليعرف منه المزيد عن تفاصيل العملية، ومدى خطورتها، وهل يستطيع الحياة بعدها بكلية واحدة؟ جاء رد الدكتور كوينز: لا خطر من العملية وأنه أجرى بنفسه 9 عمليات مشابهة، وكل إنسان يستطيع الحياة بكلية واحدة دون التأثر بأى مرض أومضاعفات، وشركات التأمين لا تفرق بين من يملك كلية واحدة أوكليتين، اقتنع محروس، وكتب إقرارا على نفسه، وأجريت عليه الأبحاث، وثبت أنه سليم قوى وكليتاه سليمتان، وقواه العقلية سليمة، وبعد 4 أيام أجريت العملية، ونجحت كأول عملية من هذا النوع تجرى فى الشرق الأوسط».
يوضح الدكتور «الخرادلى» طريقة إجراء العملية، قائلا، إنها بدأت فى الساعة العاشرة صباح الجمعة 15 يناير 1966، واستغرقت 5 ساعات، وتم نقل الكلية من المتبرع إلى المريضة فى بضع ثوان حتى تكون حية، وبدأت العمليتان فى وقت واحد، وقبلها تم حقن المريضة بمحاليل خاصة قبلها للتأكد من قابلية جسمها للكلية الجديدة، وأجريت العملية لكل منهما فى غرفة مستقلة بينهما ممر صغير، ولم يسمح لأحد بالدخول إلا للأطباء المباشرين للعملية، ولم يتم تصويرها لأنها أجريت فى سرية تامة، وكان هناك أطباء مصريون مساعدون هم، الدكتور محمد الخرادلى كبير جراحى المعهد القومى للبحوث، والدكتور هاشم نصار رئيس قسم التخدير بطب الإسكندرية، والدكتور عادل أبوالعينين رئيس قسم الجراحة، والدكاترة على أبوالعطا، وأحمد دسوقي، ومحمد درويش.
أكد «الخرادلى» أن المريضة تستطيع الخروج الآن سيرا على قدميها، وأرفقت «الأخبار» مع تقريرها صور لمحمد محروس وهو يتلقى قبلة من ابنه «محمد» الذى يفخر بوالده، وكذلك المريضة «جوليا» وهى تطبع قبلة شكر وعرفان على جبين «محروس» الذى أنقذ حياتها، واستحق لقب «البطل» الذى أطلقته «الأخبار» عليه، ويا ترى، ماذا فعلت الحياة بهما بعد ذلك؟
فى عام 1976 أجرى الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى فى مصر عملية زراعة فى المنصورة لمريضة كانت تقوم بغسيل كل ثلاث مرات أسبوعيا، وفقا لحديثه مع الإعلامى حمدى رزق، على قناة «صدى البلد» ونشرت جريدة «الوطن» مقتطفا منه يوم 12 أبريل 2019..يذكر: «هذه العملية كانت أول عملية زراعة كلى فى الشرق الأوسط، وتمت لأول مرة باحترافية عالية، وبشكل نموذجى رغم صغر عمرنا آنذاك فى عام 1976».
ولأن هناك عملية سبقت عملية الدكتور غنيم بعشر سنوات، أتوقع أن الطبيب الرائد كان يقصد الأولى فى الشرق الأوسط بأيد مصرية خالصة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة