تحتفل اليوم الكنيسة المصرية بيوم القديس أنطونيوس الكبير، الذى رحل فى 17 يناير عام 356م، وهو راهب مسيحى من مصر، تم تبجيله منذ وفاته كقديس. ويتميز عن غيره من القديسين الذين يُدعون أنطونيوس مثل أنطونيو اللشبوني، لأهميته بين آباء الصحراء ولجميع الرهبنة المسيحية اللاحقة، ويعتبره العالم "أب الأسرة الرهبانية" ومؤسس الحركة الرهبانية في العالم كله بالرغم من وجود حركات رهبانية سابقة له.
وبحسب موقع "الانبا تكلا" وُلد القديس في بلدة قمن العروس التابعة لبني سويف حوالي عام 251 م. من والدين غنيين. مات والده فوقف أمام الجثمان يتأمل زوال هذا العالم، فالتهب قلبه نحو الأبدية. وفي عام 269 م. إذ دخل ذات يوم الكنيسة سمع الإنجيل يقول: "إن أردت أن تكون كاملًا اذهب وبع كل مالك ووزعه على الفقراء، وتعال اتبعني" فشعر أنها رسالة شخصية تمس حياته. عاد إلى أخته الشابة ديوس يعلن لها رغبته في بيع نصيبه وتوزيعه على الفقراء ليتفرغ للعبادة بزهد، فأصرت ألا يتركها حتى يسلمها لبيت العذارى بالإسكندرية.
سكن الشاب أنطونيوس بجوار النيل، وكان يقضي كل وقته في الصلوات بنسك شديد، لكن إذ هاجمته أفكار الملل والضجر صار يصرخ إلى الله، فظهر له ملاك على شكل إنسان يلبس رداءً طويلًا متوشحًا بزنار صليب مثل الإسكيم وعلى رأسه قلنسوة، وكان يجلس يضفر الخوص. قام الملاك ليصلي ثم عاد للعمل وتكرر الأمر. وفي النهاية، قال الملاك له: "اعمل هذا وأنت تستريح. صار هذا الزي هو زي الرهبنة، وأصبح العمل اليدوي من أساسيات الحياة الرهبانية حتى لا يسقط الراهب في الملل.
اشتهر مار أنطونيوس بانتصاراته على الشيطان وكان لحياته أكبر وأعمق تأثير في نفوس وحياة الناس، فتجمع نحوه عدد لا يستهان به من المؤمنين يطلبون ارشاداته. فتتلمذ له عدد من هؤلاء حتى امتلأت البرية بالنساك كما وأنه عاش مدة طويلة في قداسة وطهارة كناسك في الصحراء.
حياته في هذه الدنيا كانت بداية حياة رهبانية جماعية اتخذت مثالا شرقا وغربًا وأصبح أبًا للرهبان أجمع. عاش مار أنطونيوس حياة الوحدة وكان يحارب بالملل والضجر وتثبيت العزيمة. وعندما كانت روحه تمتلىء بالضجر والتشكيك كان يصلي. كان يقضي وقته في خدمة المظلومين والمعذبين والمتألمين في السجون. ولما شعر القديس أنطونيوس بقرب نياحته، أمر أولاده (الرهبان) أن يخفوا جسده، وأن يعطوا عكازه لمقاريوس، والفروة لأثناسيوس، والملوطة الجلد لسرابيون تلميذه. ثم رقد ممددا على الأرض وأسلم الروح في 17ك2 سنة 356 وله من العمر مائة وخمس سنين فتلقتها صفوف الملائكة والقديسين، وحملتها إلى موضع النياح الدائم، وقبل وفاته قال لتلاميذه:
"يا أولادي إني مغادركم. غير اني لا أنفك عن محبتكم. مارسوا دائما أعمالكم المقدّسة ولا تتراخوا أبدا".
في سنة 311 ثار الاضطهاد بشدة على المسيحيين، فهبَّت نار الغيرة في قلب أنطونيوس فسار إلى الإسكندرية يشدد عزائم الشهداء ويرافق المسيحيين إلى المحاكم ويشجّعهم على الثبات في الايمان. ولما خمدت نار الاضطهاد، عاد إلى صومعته يتابع حياته النسكية.
ومنَّ الله عليه بموهبة شفاء الأمراض وطرد الشياطين، فتقاطر الناس اليه افواجًا فخاف من روح الكبرياء، فهرب إلى برِّية تيبايس العليا. وبعد ان عثر رهبانه عليه زار ادياره وحثَّ الرؤساء والرهبان على مواصلة السير في طريق الكمال، وعاد إلى خلوته. ثم زار القديس بولا اول النساك كما ذكرنا في ترجمة هذا القديس.
وفي السنة 325 ازدات هرطقة الاريوسيين تفشيًا في الإسكندرية، فدعاه القديس اتناسيوس اليها فلبَّى أنطونيوس الدعوة، رغم كبر سنه، فخرجت المدينة لاستقباله. فأخذ يحذرَّهم من الهرطقة الاريوسية، ويبَّين لهم انَّ المسيح اله حق وإنسان حق. ثم عاد إلى جبله. وكانت له المنزلة الكبرى لدى العظماء والملوك، لا سيما الملك قسطنطين الكبير الذي كتب اليه يطلب صلاته وشفاعته.
في المرحلة الاخيرة من حياته، زار اديرة رهبانه محرِّضًا الجميع على الثبات في طريق الكمال. ورقد بسلام من تركته الروحية سبع رسائل شهيرة كان قد وجهها إلى بعض اديرة المشرق.
وقد نقلت من القبطية إلى اليونانية واللاتينية وطبعت مندمجة بين تآليف الاباء. وحسبنا ان نذكر المناسك والنساك الكثر الذين اقتدوا به متخذين طريقته في لبنان. وما وادي قاديشا، ودير مار أنطونيوس قزحيا التاريخي الشهير بمعجزاته في طرد الشياطين الا دليل على ما لهذا القديس من الشفاعة لدى الله ومن الثقة والكرامة ولذلك حق له ان يدعى "كوكب البرية" ومجد الحياة الرهبانية وشفيع الجماعات والافراد في كل مكان وزمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة