تمر، اليوم، ذكرى تولى الخديوى إسماعيل حكم مصر فى 18 يناير 1863 بعد وفاة عمه الوالى سعيد، ويومها وقعت قصة شهيرة تعد أشهر خدعة فى ذلك الزمن، وقد رصدته كتب كثيرة منها "القاهرة وما فيها" لـ الراحل مكاوى سعيد، كما نشر عنها من قبل الأستاذ سعيد الشحات.
كتب سعيد الشحات فى عموده اليومى "ذات يوم" قصة طريفة كان إسماعيل "ولى العهد" طرفا فى هذه القضية وفيها "شعر إسماعيل باشا أن عمه الوالى سعيد يرقد رقدته الأخيرة فى الإسكندرية، وأن موته بات قريبا، فانتظر خبر الموت وهو فى القاهرة كى يأخذ مكان العم والجد محمد على باشا فى حكم مصر، وحسب كتاب "تاريخ مصر فى عهد الخديوى إسماعيل باشا" تأليف "إلياس الأيوبى"، الصادر عن "دار المعارف - القاهرة"، فإن العادة جرت على أن ينعم الوالى الجديد بلقب "بك" إلى من يأتى إليه بخبر اعتلائه العرش، وإذا كان حامل هذا الخبر من "البكوات" فينعم عليه الوالى بلقب "باشا"، وعلى هذا الأساس شهدت قصة موت سعيد، وصعود إسماعيل إلى الحكم تدبيرا ومؤامرة وكان طرفها "بسى بك" مدير المخابرات التلغرافية.
ووفقاً لما يذكره "الأيوبى" فإن "بسى بك" لم يغادر عمله ثمانى وأربعين ساعة ليحمل خبر وفاة "سعيد باشا" الذى سيكون بشرى لـ"إسماعيل باشا" كى يصعد إلى سدة حكم مصر، غير أن النوم غلبه بعد يقظته الكاملة طوال الـ48 ساعة، فاستدعى أحد صغار موظفى مصلحته، وأمره بالجلوس إلى جانب عدة التلغراف حتى ينام قليلاً، وشدد عليه أن يقوم بإيقاظه فور تلقيه إشارة من الإسكندرية تفيد بانتقال سعيد باشا إلى "دار البقاء"، ووعده بجائزة قدرها خمسمائة فرنك مقابل ذلك، فأظهر الموظف الصغير انصياعه إلى أوامر رئيسه، وذهب "بسى بك" إلى النوم بملابس العمل وهو مطمئن إلى مخططه.
كان الموظف يعلم تماماً مقدار الجائزة التى ستعود على من يحمل الخبر الذى ينتظره "إسماعيل باشا"، ولهذا دبر أمره وعقد عزمه على أن يفوز هو بها، وطبقا لـ"الأيوبى"، فإنه فى منتصف الليل بين اليوم السابع عشر والثامن عشر "مثل هذا اليوم" من شهر يناير عام 1863 "وردت من الإسكندرية الإشارة البرقية المنتظرة حاملة خبر وفاة "سعيد باشا" فحملها الموظف الصغير مسرعا إلى سراى الأمير "إسماعيل" وطلب المثول بين يديه، وكان إسماعيل جالساً فى قاعة استقباله، يحيط به رجاله وتسامره هواجسه، فلما رفع إليه طلب ذلك الموظف أمر بإدخاله حالا، فدخل وأحدقت به أنظار الجميع".
ويصف "الأيوبى" المشهد فى السراى فور دخول الموظف: "جثا الرجل أمام إسماعيل باشا، وسلمه الإشارة البرقية الواردة، فقرأها إسماعيل، وما إن اطلع على ما فيها، إلا ونهض والفرح منتشر على محياه، فوقعت الإشارة من يده، وشكر الله بصوت عالٍ على ما أنعم به عليه من رفعة إلى سدة مصر السنية، ثم ترحم على عمه سعيد باشا ترحما طويلاً، فشاركه رجاله المحيطون به فى فرحه، وتصاعدت دعواتهم له بطول البقاء ودوام العز وأخذوا يهنئونه، ويهنئ بعضهم بعضا".
انتظر "الموظف الصغير" النعمة التى سيحصل عليها، وحسب "الأيوبى": "نظر إسماعيل إلى الموظف الجاثى أمامه والذى كان قد التقط الإشارة البرقية حالما وقعت من يد مولاه، ووضعها فى جيبه وتبسم وقال: انهض يا بك، وبعد أن حباه نفحة من المال أذن له بالانصراف".
يضيف كتاب "القاهرة وما فيها" لـ مكاوى سعيد، أن الموظف عاد مسرعا وأيقظ "بسى بك" وأخبره بأن البرقية وصلت، فقام "بسى بك" بمنح الرجل الموظف الـ500 فرانك، وهو لا يعلم ما حدث، وأسرع إلى إسماعيل، ليجد أمامه المفاجأة، ويعرف أنه تعرض لخدعة كبرى.