"نفسي أطلع ضابط زي بابا".. بهذه الكلمات تحدث أبناء شهداء الشرطة فى فيلم تم عرضه باحتفالية عيد الشرطة بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتحدث أبناء الأبطال عن آخر مشاهد شاهدوا خلالها آبائهم، مؤكدين أنهم افتقدوا الجلوس معهم، وأنهم يدخلون غرفهم ويتحدثون لصورهم، لكنهم يعلمون أنهم فى مكان أفضل.
ووجه أبناء الشهداء رسائل مؤثرة، قائلين: "وحشتونا أوى"، وقال أحد أبناء الشهداء:" نفسى أقولك عملت أيه في المدرسة.. نفسي أشوفك وأقولك بحبك.. يارب تكون مبسوط في الجنة.. نفسي أحضنك".
"أبويا ما ماتش شهيد في جنته حي".. هكذا غنى أبناء الشهداء أمام الرئيس السيسي في حفل عيد الشرطة، حيث شهدت الاحتفالية تأثر الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الاستماع إلى كلمات أبناء الشهداء، حيث استعرضت الاحتفالية ذكريات عدد من أبناء الشهداء مع ذويهم قبل الاستشهاد.
وبدوره، قال الضابط عماد حسين طه، إن الضباط الذين يعملون في سيناء يتمتعون بأخوة ومحبة كبيرة، وهناك "عهد بينا اللي يستشهد أخوه يجيب حقه"، وأقسمنا ما يدخلوها أبدًا، وذلك على هامش حفل عيد الشرطة في ذكرى معركة الإسماعيلية بحضور الرئيس السيسي.
وشارك أبطال مسلسل الاختيار 2 فى حفل عيد الشرطة بحضور الرئيس السيسي، مؤكدين على جهود الشرطة وتضحياتهم العظيمة من أجل هذا الوطن، مؤكدين على دور الفن في نقل جهود الشرطة، وأن الاختيار لم يكن مجرد اسم بل واقع، مؤكدين أنهم اختاروا مصر.
وبدأت قصة معركة الشرطة فى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952، حيث استدعى القائد البريطانى بمنطقة القناة "البريجادير أكسهام" ضابط الاتصال المصرى، وسلمه إنذارا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن منطقة القناة، وتنسحب إلى القاهرة، فما كان من المحافظة إلا أن رفضت الإنذار البريطانى وأبلغت فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى هذا الوقت، والذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
وكانت هذه الحادثة أهم الأسباب فى اندلاع العصيان لدى قوات الشرطة، التى كان يطلق عليها بلوكات النظام وقتها، وهو ما جعل إكسهام وقواته يحاصران المدينة.
هذه الأسباب ليست فقط ما أدت لاندلاع المعركة، بل كانت هناك أسبابا أخرى.. بعد إلغاء معاهدة 36 فى 8 أكتوبر 1951 غضبت بريطانيا غضبا شديدا واعتبرت إلغاء المعاهدة بداية لإشعال الحرب على المصريين ومعه إحكام قبضة المستعمر الإنجليزى على المدن المصرية ومنها مدن القناة، والتى كانت مركزا رئيسيا لمعسكرات الإنجليز، وبدأت أولى حلقات النضال ضد المستعمر وبدأت المظاهرات العارمة للمطالبة بجلاء الإنجليز.
وفى 16 أكتوبر 1951 بدأت أولى شرارة التمرد ضد وجود المستعمر بحرق النافى، وهو مستودع تموين وأغذية بحرية للإنجليز كان مقره بميدان عرابى وسط مدينة الإسماعيلية، وتم إحراقه بعد مظاهرات من العمال والطلبة والقضاء عليه تماما، لترتفع قبضة الإنجليز على أبناء البلد وتزيد الخناق عليهم، فقرروا تنظيم جهودهم لمحاربة الانجليز فكانت أحداث 25 يناير 1952.
وبدأت المجزرة الوحشية الساعة السابعة صباحا وانطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلا ومدافع الدبابات (السنتوريون) الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقة أو رحمة، وبعد أن تهدمت الجدران وسالت الدماء أنهارا، أمر الجنرال إكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة، لكى يعلن على رجال الشرطة المحاصرين فى الداخل إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعى الأيدى وبدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.
وتملكت الدهشة القائد البريطانى المتعجرف حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية، وهو النقيب مصطفى رفعت، فقد صرخ فى وجهه فى شجاعة وثبات: لن تتسلمونا إلا جثثا هامدة. واستأنف البريطانيون المذبحة الشائنة، فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المبانى حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت فى أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة.
وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين فى مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لى إنفيلد) ضد أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم، وسقط منهم فى المعركة 56 شهيدا و80 جريحا، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا، وأسر البريطانيون من بقى منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف ولم يفرج عنهم إلا فى فبراير 1952.
ولم يستطع الجنرال إكسهام أن يخفى إعجابه بشجاعة المصريين فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال: لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا. وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم وحتى تظل بطولات الشهداء من رجال الشرطة المصرية فى معركتهم ضد الاحتلال الإنجليزى ماثلة فى الأذهان ليحفظها ويتغنى بها الكبار والشباب وتعيها ذاكرة الطفل المصرى وتحتفى بها.