قال مرصد الأزهر في تقرير له، إن معضلة الإرهاب الأسود في القارة الإفريقية على وجه الخصوص أصبحت من التحديات الجسيمة التي تواجه تلك القارة التي تشهد صراعات، تحت وطأة الفقر والجوع والبطالة وانعدام الأمن والصراعات القبلية وغير ذلك من الأمور التي ساعدت في تنامي ظاهرة الإرهاب التي تسارعت وتيرتها خلال العام المنصرم 2021 مقارنة بالعام السابق له 2020 بنسبة 13.7%؛ حيث شهدت القارة 735 عملية إرهابية، معظمها اتخذ نمطين أساسيين وهما:
المواجهات المسلحة وتفجير العبوات الناسفة - التي أصبحت من الأساليب الرئيسية التي تعتمد عليها تلك التنظيمات في تنفيذ عملياتها الإرهابية؛ لأنها تعتبر بمثابة مقاتل لا يحمل أسلحةً ظاهرة ولا يخطئ هدفه، بل يحدث أضرارًا بالغة ويصيب ضحاياه دون تمييز مما يجعل عملية المواجهة صعبة للغاية، فضلًا عن التفجيرات الانتحارية التي تأتي خطوةً استباقية للمواجهات المسلحة إضافة إلى عمليات الاغتيال التي تستهدف الشخصيات البارزة، والتي وقع معظمها في الصومال، وقد أسفرت تلك العمليات عن اختطاف نحو 1210 معظمهم من المدنيين وخاصة من النساء والأطفال، وقد زادت عمليات الاختطاف خلال 2021 م زيادةً مضطردةً مقارنة بعام 2020 م بنسبة 56.9%؛ لأن تلك التنظيمات تتخذ من تلك العمليات مصدر تمويل لها، فضلًا عن تجنيد المختطفين بعد غسل أدمغتهم.
كما أنها تستخدم النساء في إنجاب عناصر جديدة، وعلى الرغم من زيادة تلك العمليات الإرهابية خلال العام المنصرم إلا أن ضحايا تلك العمليات تراجع قليلًا مقارنة بعام 2020 بنسبة 1.9%؛ حيث أسفرت تلك العمليات عن مقتل أكثر من 4320 بين مدني وعسكري، وإصابة نحو 1970 آخرين، وبالنظر إلى ذلك يبدوا أن هدف تلك التنظيمات لم يكن إيقاع أكبر عدد من القتلى بقدر ما تحمله دلالات تلك العمليات من إيصال رسائل بأنها ما زالت موجودة وأنها لم تنته بعد، بل تعمل على إعادة ترتيب صفوفها من جديد، الأمر الذي تنبأ به مرصد الأزهر مسبقًا وحذر ولا يزال يحذر من ذلك.
أيضًا من الأسباب التي أدت إلى تراجع ضحايا تلك العمليات رغم زيادتها عددًا، هو أن غالبية تلك الهجمات نفذتها حركة الشباب الصومالية، التي تحاول أن تُظهر نفسها عن طريق تنفيذ أكبر عدد من العمليات الإرهابية بصرف النظر عما تحققه تلك العمليات.
أيضًا تغيير استراتيجية التنظيمات الإرهابية في غرب القارة الإفريقية من الأسباب التي أدت إلى تراجع عدد الضحايا؛ حيث كانت تنفذ عملياتها بشكل عشوائي، وكانت تستهدف المدنيين والعسكريين على حد سواء عن طريق عمليات انتحارية، كانت تحصد في العملية الواحدة عشرات القتلى والمصابين.
أما الآن، فأكثر عملياتها تستهدف العسكريين. ورغم ذلك تظل جماعة «بوكو حرام» والأذرع التابعة لها هي الأكثر دموية في القارة الإفريقية خلال تلك المدة.
وعن أسباب ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية فمرجعه في المقام الأول إلى استمرار انتقال عناصر"داعش" إلى القارة، مما أدى إلى اتساع رقعة المناطق المستهدفة؛ حيث استهدفت تلك التنظيمات دولًا كانت بمنأى عن التهديدات الإرهابية وفي مقدمتها أوغندا وبنين وتوجو.
كما أن الأوضاع الأمنية التي تشهدها دولة الصومال أثرت بشكل كبير في نمو نشاط حركة الشباب المدعومة من قبل تنظيم القاعدة.
وفي هذا السياق، حذرت صحيفة "الفايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها من تدهور الأوضاع الأمنية في الصومال، والتي من المتوقع أن تتدنى خاصة بعد الانسحاب المتوقع للقوات الأمريكية وقرب انتهاء مدة تمديد قوات "الأميصوم" التابعة للاتحاد الأفريقي. ويأتي ذلك التصعيد في أنشطة الحركة بالتزامن مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تسعى الحركة بكل ما أوتيت من قوة إلى عرقلة هذه الانتخابات من خلال تكثيف النشاط العملياتي للحركة من جانب، ومن جانب آخر تطلق الحركة من الحين للآخر تحذيرات للشعب الصومالي وعلى رأسهم شيوخ القبائل من المشاركة في تلك الانتخابات التي وصفتها بأنها "كفرٌ وردة".
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الحركة في إصدار من ضمن الإصدارات: "أين الشيوخ الذين كانوا قبلكم؟ ماذا فعلت لهم الحكومة التي ساهموا في تشكيلها؟ لقد قتل بعضهم ولا يجد البعض الآخر مكانًا يعيشون فيه".
كل هذه العوامل وغيرها جعلت الصومال هي أكثر البلدان الإفريقية تضررًا جراء تلك العمليات، بواقع 254 عملية إرهابية، زيادة بنسبة 14.1%.
وأسفرت عن مقتل أكثر من 750 وإصابة 790 آخرين من المدنيين والعسكريين، في تطور واضح لتلك الحركة التي ترنو إلى بسط نفوذها وجعل أهدافها السياسية والاجتماعية والدينية أمرًا مفروضًا على الشعب الصومالي.
إلا أن أفكار الحركة دفعت العشرات من قادتها إلى الاستسلام للحكومة الصومالية بعدما عرفوا زيف ادعاءاتهم ورأوا جرائمها عن قرب، وأن تلك المدينة الفاضلة التي يدعون الشباب إليها موجودة فقط في شعاراتهم الخداعة؛ لأنهم لا يرون إلا سفك دماء الأبرياء ونهب أموال الضعفاء تحت ما يسمونه الزكاة، وتطبيق الشريعة، والإسلام بريء منهم ومن أفعالهم.
كما أن تلك الحركة تحاول من حين للآخر أن تنفذ عمليات إرهابية في دولة الجوار كينيا؛ حيث نفذت الحركة 25 عملية إرهابية أسفرت عن سقوط 145 بين قتيل وجريح؛ حيث تحاول الحركة من خلال تلك العمليات أن توسع نطاق نفوذها لتخرج من كونها تنظيما محليًّا، أيضًا تحاول أن تجعل في كينيا موطئ قدم لها تفر إليه، في حال تضييق الخناق عليها من قبل الحكومة الصومالية التي لم تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة ذلك التنظيم المتغطرس، بل كثفت عملياتها العسكرية من أجل تقويض أنشطة تلك الحركة، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 2070 عنصرًا إرهابيًّا واعتقال نحو 200 آخرين.
ومن «الشباب» الصومالية إلى «الشباب» الموزمبيقية؛ حيث تتفق الأسماء وتختلف الولاءات لكنها تفضي في النهاية إلى إراقة دماء الأبرياء وهتك أعراضهم وسلب أموالهم؛ حيث يحاول تنظيم داعش الإرهابي من خلال ذلك التنظيم الذي ينشط حاليًا في موزمبيق أن يجد لنفسه موطئ قدم في ذلك البلد، من أجل السيطرة على الأماكن النفطية والأماكن الغنية بالثروات المعدنية لنهب تلك الثروات وتمويل عملياتهم الإرهابية من جانب، ومن جانب آخر ستؤدي تلك العمليات إلى طرد الاستثمار من تلك البلدان، ويعيد هذا إلى أذهاننا ما حدث في سوريا من سيطرة "داعش" على حقول النفط وبيعه في السوق السوداء، وقد جنوا من وراء ذلك أموالًا طائلة مولوا بها أعمالهم الدموية.
ونفذ ذلك التنظيم خلال العام المنصرم 15 عملية إرهابية، وهو تقريبًا عدد مماثل لعدد العمليات التي نفذت العام الذي يسبقه 2020، إلا أن عدد القتلى والمصابين تراجع قليلًا في صفوف المدنيين؛ حيث أسفرت تلك العمليات عن مقتل أكثر من 100 وإصابة العشرات، كما تراجع أيضًا عدد قتلى التنظيمات الإرهابية مقارنة بعام 2020؛ حيث قتل ما يزيد عن 50 عنصرًا إرهابيًّا.
ولم يتوقف الأمر عند تلك الدول التي اعتادت تلك التنظيمات الإرهابية أن تقوم بعمليات فيها؛ بل حاولت أن توسع من عملياتها ليمتد ويصل إلى أوغندا قادمًا من الكونغو، وفي ذلك دلالة واضحة أن تنظيم داعش الإرهابي يحاول بشدة أن يوجد لنفسه مكانًا في معظم البلدان الإفريقية عن طريق خلايا صغيرة، بصرف النظر عما تستطيع تحقيقه، وذلك كي يوهم المجتمع الدولي أنه ما زال موجودًا وقادرًا على التوسع والانتشار وبسط النفوذ من جانب، ومن جانب آخر يحاول أن يرهب القوى الإقليمية التي يواجهها.
ونفذ ذلك التنظيم في أوغندا 5 عمليات إرهابية أسفرت عن مقتل أكثر من 10 أشخاص وإصابة العشرات، وفي المقابل أسفرت العمليات العسكرية والملاحقات الأمنية عن مقتل العشرات من العناصر الإرهابية واعتقال أكثر من 15 آخرين.
ورغم كل الجهود المبذولة من أجل تقويض أنشطة التنظيمات الإرهابية في منطقة شرق القارة، إلا أن تلك التنظيمات استطاعت أن تتشكل وأن يكون لها وجوهٌ خبيثة وعديدة منتشرة، وذلك من خلال الإرهاب السيبراني الذي تتخذه تلك التنظيمات أداةً سهلة وسريعة لنشر أفكارها المتطرفة من أجل التأثير على العقول وتوجيهها نحو اتجاهات فكرية هدامة؛ وقد تمكن أصحاب هذا الفكر الظلامي من خلال الفضاء الإلكتروني من التأثير على عدد كبير من الشباب، ومن بينهم ذلك الشاب الذي نفذ هجومًا إرهابيًّا بالقرب من السفارة الفرنسية في دار السلام بتنزانيا، وقد أظهرت التحقيقات أن ذلك الشاب تأثر بأفكار حركة «الشباب» التابعة لتنظيم القاعدة عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي.
ومن شرق القارة إلى غربها؛ حيث تتباعد المسافات وتتفق الأيديولوجيات لكن العنصر الحاضر بينهما هم المدنيون الذين كتب لهم أن يدفعوا الثمن إثر كل هجمة إرهابية هنا أو هناك، إلا أن غرب القارة يختلف عن شرقها لوجود جماعة «بوكو حرام» الإرهابية التي تعد أشد فتكًا ودمويةً في القارة الإفريقية، وقد ظهرت تلك الجماعة في نيجيريا عام 2002، وبدأت عملياتها المسلحة عام 2009، وانتشرت شيئَا فشيئًا لتتسع دائرة عملياتها نحو النيجر وتشاد والكاميرون.
إلا أن الأمر اختلف كثيرًا بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا؛ حيث سارعت تلك الجماعة إلى إعلان ولائها لذلك التنظيم بقيادة زعيمها الأسبق أبو بكر شيكاو لتصبح ولاية غرب إفريقيا، لكن بعد مدة قام التنظيم بتغيير قيادة تلك الجماعة، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل شيكاو ومعه عدد كبير من أفراد التنظيم، الأمر الذي تسبب في حدوث أكبر انشقاق في تاريخ الجماعة.
ومنذ هذه اللحظة بدأت حرب ضروس بين زعيم الجماعة شيكاو ومعه مجموعه كبيرة من أنصاره تحت اسم «بوكو حرام» وبين القائد الجديد لولاية غرب إفريقيا أبو مصعب البرناوي ابن مؤسس الجماعة محمد يوسف، وانتهت تلك الحرب بمقتل شيكاو في إحدى تلك المواجهات مما تسبب في خفوت نجم بوكو حرام؛ حيث تواجه حربًا طاحنة من أجل البقاء خاصة في ظل وجود تنظيم داعش الذي أصبح يسيطر بشكل مطرد على فصائل بوكو حرام، بل ويقتلون من يقاوم أو يرفض البيعة لهم؛ الأمر أدى إلى ارتفاع ظاهرة الهروب الجماعي من تلك الجماعة وإعلان الاستسلام للحكومة النيجيرية في ظل فقدان بوكو حرام القدرة على التمويل إضافة إلى الإستراتيجية التي اتبعتها دول المنطقة في التعامل مع عناصر الجماعة الذين يسلمون أنفسهم للقوات الأمنية في تلك البلدان.
أما من رفض الاستسلام للحكومة فقد أعلن ولائه لتنظيم داعش خوفًا من بطشهم وخاصة بعد إعدام العشرات من قادة بوكو حرام، وأملًا في تخفيف الضغط عليهم والحصول على دعم لوجستي من تنظيم داعش الذي يسخر كل طاقاته من أجل السيطرة على تلك المنطقة التي أضحت تحت هيمنته بشكل كبير، الأمر الذي يحذر منه مرصد الأزهر وذلك لأن هيمنة ذلك التنظيم المتعطش للدماء يزيد من مخاوف انتشار أعمال القتل والسلب في غرب القارة الإفريقية، كما أن تلك المنطقة تمثل له طوق النجاة، أملًا منهم في إقامة مشروع الخلافة المزعومة بعد انهيار ذلك التنظيم في العراق وسوريا، مما دفع التنظيم إلى تغيير إستراتيجيته، رغبةً في كسب الدعم الشعبي في تلك المنطقة؛ عن طريق كسب ثقة المواطنين بالاعتماد على تلبية احتياجاتهم بعيدًا عن سياسة الترهيب التي كانت تستخدمها «بوكو حرام».
كما أن معظم الهجمات التي ينفذها ذلك التنظيم الإرهابي تستهدف بشكل أساسي قوات الأمن، وذلك على عكس ما كانت تفعله «بوكو حرام» التي لا تفرق بين مدني وعسكري في هجماتها.
هذه الإستراتيجية الجديدة التي انتهجها التنظيم الإرهابي أدت في المجمل إلى تراجع عدد القتلى. كما أن المواجهات الشرسة التي وقعت بين الطرفين أسهمت بشكل كبير في إضعافهما وبالأخص بوكو حرام، وبالتالي انعكس هذا على العمليات التي نفذت في المنطقة؛ حيث تراجع النشاط الإرهابي في بعض المناطق بينما ارتفع في البعض الآخر، وقد تصدرت نيجيريا الدول الأكثر تضررًا من العمليات الإرهابية في تلك المنطقة؛ حيث شهدت نيجيريا خلال تلك المدة نحو 125 عملية إرهابية، ورغم هذه الزيادة في عدد العمليات إلا أن عدد القتلى تراجع خلال العام المنصرم بنسبة 42.6 % مقارنة بــ 2020 م؛ حيث أسفرت عن مقتل أكثر من 720 شخصًا وإصابة نحو 290 آخرين، إضافة إلى اختطاف حوالي 1020؛ حيث تظهر هذه النتائج أن عمليات الخطف قد ارتفعت بنسبة 70%.
كما تواجه نيجيريا خطر قطاع الطرق الذين تسببوا في مقتل وإصابة المئات، وقد أفادت بعض المصادر الأمنية أن التنظيمات الإرهابية في نيجيريا أجرت تنسيقًا بينها وبين قطاع الطرق؛ من أجل تنفيذ عمليات إرهابية وعمليات خطف. وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية التي تنفذها القوات النيجيرية المدعومة من قبل قوات تحالف غرب إفريقيا عن مقتل نحو 1290 عنصرًا إرهابيًّا واعتقال 160 آخرين.
أما النيجر التي تعتبر تحت سيطرة تنظيم داعش بشكل كبير فقد ارتفع فيها مؤشر العمليات الإرهابية بنسبة 52.9%، وبالتالي ارتفع عدد الضحايا بنسبة 73% مقارنة بــ 2020، حيث شهدت البلاد نحو 50 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل أكثر من 775 وإصابة ما يزيد عن 120 آخرين إضافة إلى اختطاف نحو 25 آخرين.
وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية عن مقتل 485 عنصرًا إرهابيًّا واعتقال 20 آخرين. أما دولة تشاد فقد تراجع فيها النشاط الإرهابي بنسبة 58.3%؛ حيث شهدت البلاد 5 عمليات إرهابية أسفرت عن سقوط نحو 80 شخصًا بين قتيل وجريح، وتظهر النتائج تراجعًا واضحًا في أعداد الضحايا بنسبة 84.6%، كما أسفرت العمليات الأمنية عن مقتل نحو 20 عنصرًا إرهابيًّا.
وكذلك الأمر في الكاميرون التي تراجع فيها أيضًا النشاط الإرهابي بنسبة 48%؛ حيث نفذت الجماعة 13 عملية إرهابية، أسفرت عن مقتل ما يقرب من 50 شخصًا من المدنيين والعسكريين، إضافة إلى إصابة نحو 30 آخرين، واختطاف حوالي 15. وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية عن مقتل أكثر من 45 عنصرًا إرهابيًّا.
أما منطقة الساحل الإفريقي في مالي وبوركينا فاسو، فقد ارتفعت فيها وتيرة العمليات الإرهابية خلال تلك المدة؛ حيث تشهد هذه المنطقة نشاطًا إرهابيًّا مكثفًا من قبل عدد من التنظيمات وعلى رأسها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الفرع القاعدي، وكذلك جماعة تطلق على نفسها جماعة "أنصار الإسلام" داعشية الولاء.
وعلى الرغم من الجهود المضنية التي تقوم به القوات الأمنية المدعومة من قبل القوات الفرنسية المشاركة في عملية "برخان"، لم تستطع أن تضع حدًّا للعنف والإرهاب في تلك المنطقة، إضافة إلى بدء القوات الفرنسية في الانسحاب من مالي، ما يجعل الأمر أكثر تأزمًا، وسيعطي فرصة إضافية للتنظيمات الإرهابية في التمركز وفرض السيطرة والتسلل بين بلدان تلك المنطقة؛ الأمر الذي استغلته تلك التنظيمات وكثفت من نشاطها الإرهابي خلال تلك المدة؛ حيث شهدت المنطقة أكثر 165 عملية إرهابية، من بينهم 85 عملية في مالي أسفرت عن سقوط 695 بين قتيل وجريح، إضافة إلى اختطاف نحو 20 آخرين، وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية عن مقتل أكثر من 310 عنصرًا إرهابيًّا واعتقال نحو 30 آخرين. أما بوركينا فاسو التي تئن تحت وطأة الهجمات الدموية التي تنفذها تلك التنظيمات، والتي شهدت نموًا ملحوظًا خلال العام المنصرم مقارنةً بعام 2020 م بنسبة 27.5%؛ حيث سُجل نحو 80 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل أكثر من 750 من المدنيين والعسكريين وإصابة نحو 170 آخرين إضافة الى اختطاف ما يقرب من 40 شخصًا.
وفي المقابل كثفت القوات الأمنية من عملياتها العسكرية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 430 عنصرًا إرهابيًّا إضافة الى اعتقال ما يزيد عن 300 آخرين.
وتعتبر بوركينا فاسو مطمعًا للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، وذلك لعدة أسباب من بينها مناجم الذهب التي تملكها بوركينا فاسو، والتي تجني منها تلك التنظيمات أموالًا طائلة، ووفقًا لدراسة أجراها المرصد الاقتصادي والاجتماعي في بوركينا فاسو، فإن الإرهابيين جمعوا ما يقدر بأكثر من 100 مليون يورو (121 مليون دولار) منذ 2016 م من خلال شن هجمات ضد المناجم ومناطق تعدين الذهب الحرفية والبدائية، وذلك بهدف تمويل نشاطها الإرهابي في تلك البلد لتكون نقطة انطلاق من أجل إنشاء دولتهم المزعومة، وقد ساعدها في ذلك ضعف القبضة الأمنية وامتداد الشريط الحدودي، الذي مكنها من التسلل لدول الجوار، حتى استطاعت أن توسع نطاق نشاطها الإرهابي لتصل إلى دول كانت بمنأى عن النتائج الدامية، وفي مقدمتها بنين التي شهدت عمليتين إرهابيتين أسفرتا عن سقوط أكثر من 5 أشخاص، كذلك الأمر في توجو التي شهدت عملية إرهابية واحدة لكنها باءت بالفشل.
أما ساحل العاج فاستطاعت تلك التنظيمات أن توسع نشاطها الإرهابي خلال العام المنصرم مقارنة بالعام 2020 م؛ حيث شهدت البلاد نحو 5 عمليات إرهابية أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات، وفي المقابل قتل نحو 5 عناصر إرهابية خلال تلك المواجهات، كما تم اعتقال ما يقرب من 5 آخرين. وفي ذلك دلالة واضحة على نية هذه التنظيمات التي تسعى بشدة أن تتوسع في تلك المنطقة، وخاصة في ظل وجود تنظيمي داعش والقاعدة المتناحرين؛ حيث يسعى كل فريق منهما أن يبسط سيطرته على أكبر رقعة ممكنة، لإثبات هيمنته.
وفي النهاية تأتي الكونغو الديمقراطية التي شهدت تزايدًا في النشاط الإرهابي عن طريق ولاية وسط إفريقيا، خلال العام المنصرم مقارنة بــ 2020 م بنسبة 20.5%؛ حيث تعرضت المنطقة لنحو 75 عملية إرهابية أسفرت عن مقتل أكثر من 680 شخصًا وإصابة العشرات، إضافة إلى اختطاف أكثر من 85 شخصًا، وفي المقابل أسفرت العمليات الأمنية عن مقتل أكثر من 40 عنصرًا إرهابيًّا، واعتقال نحو 70 آخرين.
من جانبه، أدان مرصد الأزهر لمكافحة التطرف ما يحدث في تلك القارة التي أبت مشاهد التفجيرات هنا وهناك، إلا أن تلقي بظلالها لتبدد كل مظاهر الجمال وتحولها إلى خراب ودمار، مما يعمق مآسي تلك القارة، التي ابتليت بظهور تلك التنظيمات التي لا ترقب في أي إنسان ذمةً ولا عهدًا ولا ميثاقًا ولا دينًا، فلا يعرفون للإنسانية حقًّا ولا لدين قدرًا، ولا يملكون أدنى معرفة بدينهم الذين يتدثرون به، فيسعون في الأرض ليهلكوا الحرث والنسل، ويتخذون من دماء الأبرياء حبرًا تُكتب به تلك الفتاوي الشاذة من أجل تبرير عمليات القتل والسلب بعد شرعنة تلك الأفعال، وما هي من الدين في شيء. كما يحذر المرصد مجددًا من توغل تنظيم داعش الإرهابي في القارة الإفريقية، مما ينذر بالعودة إلى مسار العنف الذي بدأه التنظيم في منطقة الشرق الأوسط قبل دحره. وقد تنبأ المرصد مسبقًا بهذا التطور في العمليات الإرهابية وحذر منه في أكثر من تقرير، وأكد مسبقًا أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدًا من العمليات الإرهابية التي تُفضي إلى إراقة مزيد من دماء الأبرياء وتعمق ذلك الجرح الغائر في جسد تلك القارة.
كما دعا المرصد إلى ضرورة تكاتف الجهود على الأصعدة كافة، فكريًّا وعسكريًّا من أجل القضاء على ذلك المرض السرطاني الخبيث، حتى لا يستفحل أمره أكثر فأكثر، خاصة في المناطق النفطية والمناطق التي تحتوي على ثروات طبيعية، والتي يمكن أن تستغلها تلك التنظيمات في تمويل أعمالها الإجرامية، التي لا تهدد سلامة المنطقة فحسب؛ بل تهدد أمن العالم، عن طريق إعادة تصدير ذلك الفكر الظلامي إلى مختلف أنحائه.