حذر مرصد الأزهر من وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية التي أصبحت ملاذ جميع الفئات العمرية –تقريبًا- خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وهذه الوسائل على اختلاف أنواعها تعتبر سلاحًا ذا حدين؛ لأنها تنطوي بخلاف قدرتها على تنمية العقول وتطوير الفكر، على مساوئ كثيرة أبرزها: نشر العنف، والنزوع إلى العزلة، والإصابة بالقلق والاضطرابات. وتتطور هذه الوسائل، خصوصًا الألعاب الإلكترونية بشكل سريع؛ حيث تتفنن شركات تصميم هذه الألعاب في ابتكار التقنيات الصوتية والبصرية، واستنزاف أوقات الشباب بحيث يدمنون هذه الألعاب ويهملون واجباتهم ومهامهم اليومية، وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية؛ إذ تبين أنَّ الشباب في أغلب الأحيان يفضلون الألعاب الحديثة بتقنياتها المتجددة على حساب واجباتهم الدراسية والعائلية. ناهيك عن تأثير هذه الألعاب على أنماطهم السلوكية وصحتهم النفسية.
وتابع المرصد، أن من بين أهم التأثيرات السلبية لهذه الألعاب أنها تترك أثرًا سلوكيًّا عدوانيًّا، وتحرض على العنف؛ نظرًا لأنها تعتمد بالأساس في عالمها الافتراضي على العنف والممارسات العدوانية، وقد تؤثر هذه الممارسات بالسلب على من يصلون إلى حد الإدمان لبعض هذه الألعاب، وهم أكثر استجابة من غيرهم؛ لنمو حس العدوانية وأعمال العنف لديهم، فضلًا عن إمكانية إصابتهم بالتوتر والتهور. والأخطر هو استغلال التنظيمات المتطرفة تلكم المساحة الشاسعة من الفضاء الإلكتروني في استقطاب الشباب، والتحريض على العنف، وإثارة الكراهية تجاه الآخرين. وللأسف نجح تنظيم داعش الإرهابي في التغرير ببعض الشباب الأوروبي -عبر وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية- وتجنيدهم وإقناعهم بالسفر إلى سوريا والعراق. هذا إضافة إلى استغلال هذه المنصات في توجيه التعليمات، والكتيبات الإرشادية لعناصر التنظيم من "الذئاب المنفردة" حول العالم؛ الأمر الذي تُرجم في أحيان كثيرة إلى هجمات إرهابية فردية وتحديدًا في القارة الأوروبية.
والواقع أن إساءة استغلال تلك الوسائل والمنصات لا يقتصر على التنظيمات الإرهابية فقط، بل إن تيارات اليمين المتطرف في العديد من الدول الغربية، تسعى بدورها إلى تسميم عقول الشباب بأفكار مشبوهة ترسخ الكراهية والعداء في نفوسهم منذ الصغر عبر تلك المنصات والألعاب الإلكترونية، كما يستخدم المتطرفون اليمينيون تطبيقات الألعاب ومنصات التواصل الاجتماعي في الدعاية، والترويج للأدوار العنصرية في ألعاب الفيديو؛ لنشر الأفكار المتطرفة، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على الأطفال الذين يختلطون بأسرهم وبالمجتمع في الأماكن العامة والمدارس، وما يتبع ذلك من انعكاس لتلك الأفكار على سلوكياتهم في تعاملاتهم اليومية.
ومن خلال متابعات مرصد الأزهر لنهج اليمين المتطرف وغيره من الجماعات القومية العرقية والانفصالية فيما يتعلق بالتمويل، تبين استخدامهم لما يسمى بــ"حملات التمويل الجماعي"؛ لتغطية نفقات المعتقلين من صفوفهم على غرار حملات التبرعات والتمويلات الجماعية التي تنتهجها التنظيمات المتطرفة أمثال "القاعدة" و"داعش"، لتمويل أنشطتها الإرهابية.
ومن هنا يتضح جليًّا تمدد إرهاب تيارات اليمين المتطرف واستفحال خطورته بين فئات المجتمع، إضافة إلى خطورة ألعاب الفيديو ووسائل التواصل الاجتماعي في استقطاب الشباب سواء لصالح التنظيمات الإرهابية ممن تدعي الدفاع عن الدين، أو من تيارات اليمين المتطرف، الأمر الذي يتطلب مواجهة أمنية واجتماعية وفكرية.
ودعا المرصد الأسرة بضرورة متابعة أبنائها بأن تتعرف على طبيعة المواقع والألعاب التي يختارونها بما يتناسب مع أعمارهم، ومنعهم من ممارسة الألعاب العنيفة، وفي الوقت ذاته لا بد من محاولة دعم مواهب الأبناء والعمل على تطويرها، وتشجيعهم على ممارسة أنشطة اجتماعية وهوايات حركية كالرياضة، لحمايتهم من الوقوع في العزلة والانطواء، فدور الأسرة والمؤسسات التعليمية في توعية الأطفال والقصر محوري في سبيل حمايتهم من الوقوع في براثن تلك التنظيمات المتطرفة بأشكالها المختلفة.