ملأ الإسكندر الأكبر بانتصاراته وفتوحاته الدنيا حتى أصبح قائدا أسطوريا لا يزال يتغنى التاريخ بأعماله العسكرية والحربية الكبيرة، رغم أنه قام بها في سن صغيرة إلا أن وفاة الإسكندر فى شبابه لغز كبير، لكن اللغز الأكبر الذى لم يتوصل إلى إجابة واضحة عنه حتى اليوم هو مكان دفنه، وأين رفات الملك المقدونى العظيم.
ولم يبق فى التاريخ دليل قاطع على أن رفات الإسكندر نقل إلى ضريحه بعد الفراغ من بنائه، اللهم إلا روايات هنا وهناك تحتمل الشك الكثير، ومنها أن يوليوس قيصر تاقت نفسه إلى رؤية وجه الفاتح العظيم، فهشم أنفه وهو يزحزح الغطاء عنه.
الأديب الراحل عباس محمود العقاد، حاول تفسير الأسباب وراء وجود لغز فيما يخص مكان دفن الإسكندر الأكبر، حيث أكد فى كتابه "يوميات"، أن الشائع من الروايات التاريخية خلاصته أن الإسكندر حين وافاه أجله ببابل شُغل قواده عن العناية بجسده، فتركوه مهملًا بضعة أسابيع تعرض فيها للتلف، ثم استُدعي المحنطون من مصر وبابل لوقف التعفن المحتوم، فبذلوا غاية جهدهم في حفظ الرفات وتطبيبه، ووضع التابوت بعد ذلك على مركبة تشبه بناء الهيكل، أعدها القادة للانتقال بها مع موكب الجنازة الطويل من العراق إلى دمشق إلى واحة آمون للصلاة عليه في معبد الإله الذي كان ينتسب إليه! ثم نقله إلى بلدته "إيجة" بمقدونيا ليدفن مع آبائه وأعضاء أسرته، ولكن بطليموس مؤسس دولة البطالسة أدرك خطر الدعوة السياسية التي يستفيدها بنقل الرفات إلى الإسكندرية، فأقنع الكهان بتسليمه إليه بعد إتمام المراسم الدينية، ثم نقله إلى مدينة منف ريثما يفرغ من بناء الضريح الضخم الذي يناسب الدفين فيه والدعوة الضافية التي تثار حواليه.
وتابع العقاد: "من هنا يبدأ الاضطراب والاختلاف حتى على اسم البطليموس الذى تم البناء فى عهده، وقيل إنه استغرق أربعين سنة قبل أن يتهيأ لاستقبال دفينه. ويظهر هذا الاختلاف من أقوال المؤرخين المتأخرين، وأسبقهم ليون الأفريقي صاحب التاريخ المنسوب إليه، فإنه يذكر أنه رأى بالإسكندرية بيتًا صغيرًا يُشبه المعبد ويحيط بقبر يكرمه المسلمون، ويؤكدون ـ اعتمادًا على كتابهم ـ أنه قبر إسكندر ذى القرنين.والمفهوم أن البيت الصغير الذي رآه هذا المؤرخ لم يكن هو ذلك الضريح الفخم الموصوف في أخبار الأقدمين، ولكنه على الأرجح يوافق وصف المقام المشهور باسم مقام النبي دنيال".
ويقول أدين بيفان صاحب كتاب "مصر في حكم البطالسة": إن رواية بقاء الرفات أربعين سنة بمدافن مدينة منف مبالغ فيها، وإن الأرجح أن بطليموس الأول هو ناقل الرفات إلى ضريح الإسكندرية الكبير.
لكن هذا الضريح كان مجهولًا على عهد يوحنا فم الذهب، الذي كان يقول في سياق التهوين من مجد الجبابرة: "أين ضريح الإسكندر اليوم؟ خبروني!".
وسواء نقل رفات الإسكندر إلى الإسكندرية، أو بقي بمدينة منف أو غيرها، فالثابت المحقق أن له ضريحًا بناه البطالسة في الإسكندرية، وأن هذا الضريح بُني داخل المدينة الملكية التي كانت تشغل نحو ربع المدينة بجميع أحيائها المعمورة، وكانت قصورها إلى جانب البحر وأضرحتها إلى الجانب الغربي على الأرجح محافظة على التقاليد الفرعونية، وقد ثبت كذلك أن هذا الضريح لم يكن ظاهرًا عند نهاية القرن الرابع للميلاد، وأنه تهدم أيام الثورة على الآثار الوثنية، وربما نُهبت دفائنه النفيسة وبُعثرت أجساده فلم يبق منها ما يُنبئ عن أصحابها، وليس لمن يتتبعون بقاياها الآن من دليل غير التخمين.