بعد حوالى 20 عاما من المساعى تخللها إطلاق مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينهما، بوساطة أمريكية، توصل الطرفان إلى صيغة نهائية لاتفاق يعيد الترسيم بينهما، حيث أعلن الرئيس ميشال عون نجاح جهود الوساطة التي قام بها آموس هوكشتين والتي أفضت إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، بما يسمح للبنان ببدء التنقيب عن الغاز والبترول في مياهه الخالصة.
وكشف عن موقف لبنان بالموافقة على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدها الوسيط الأمريكي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وأن هذه الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة.
وحول بنود هذا الاتفاق، أجرت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا لقاءات عدة مع المسئولين في لبنان في مقدمتهم الرئيس اللبنانى ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتى، وأيضا رئيس البرلمان نبيه برى ونظيرها اللبناني عبد الله بو حبيب، وذلك فى إطار زيارتها الرسمية إلى لبنان .
وفى هذا السياق قال رئيس لبنان العماد ميشال عون، خلالا لقائه وزيرة الخارجية الفرنسية، إن موافقة لبنان على الصيغة النهائية التي اعدها الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، ستشكل مدخلاً اساسياً لمواجهة الازمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها لبنان، وستساهم في النهوض الاقتصادي اللبناني من جديد والانطلاق في ورشة إعادة الاعمار". وفق بيان لرئاسة لبنان .
وتوجه الرئيس عون بالشكر إلى فرنسا على دورها في تحقيق هذا الترسيم، معولاً على دور مهم يمكن أن تقوم به في المساعدة على وضعه موضع التنفيذ، محملاً الوزيرة كولونا تحياته إلى نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون "الصديق الشخصي لي وللبنان والذي وقف دائماً الى جانبنا ودعم قضايانا".
وأشار الرئيس عون الى انه يسعى منذ فترة غير قصيرة لتحقيق التغيير الذي يرتد ايجاباً على لبنان، والقيام ببعض الإصلاحات على الصعيد السياسي، لافتاً الى انجاز بعض الأمور ومنها التدقيق المحاسبي المالي، وتلبية بعض شروط صندوق النقد الدولي التي تعتبر أساسية للتوصل الى اتفاق معه، ومنها إقرار الموازنة، ورفع السرية المصرفية، على امل ان يصار الى إقرار إعادة هيكلة المصارف وقانون "الكابيتال كونترول" في وقت قريب.
واكد العمل من اجل انجاز الاستحقاق الرئاسي، فضلاً عن سعيي الى تشكيل حكومة جديدة لا سيما وان الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان، في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها، وانه من المهم جداً التوافق على رئيس جديد للجمهورية يتولى مهامه ويضمن استمرار عمل مؤسسات الدولة واستكمال عملية مكافحة الفساد.
وطلب عون مساعدة فرنسا في موضوع إعادة النازحين السوريين الى بلادهم بعدما بات عددهم يفوق المليوني شخص في لبنان، والذين يعيشون في ظروف صعبة ايضاً بسبب عدم قدرة لبنان على تأمين الاحتياجات اللازمة لهم، وقد ظهرت اخيراً إصابات "الكوليرا" في عدد من مخيمات ايوائهم، إضافة الى المشاكل الاقتصادية والمعيشية والأمنية التي يسببها هذا العدد الضخم من النازحين".
وشدد على أهمية عودتهم الى بلادهم، خصوصاً وان العودة آمنة في ظل الاستقرار الذي تنعم به معظم المناطق السورية"، مجدداً "رفض لبنان القاطع لدمج النازحين في لبنان"، معتبراً ان "اللبنانيين جميعاً يقفون ضد هذه الخطوة لما تحمل من سلبيات للشعبين السوري واللبناني على حد سواء".
من جانبه أعرب الرئيس عون أهمية هذا الاتفاق الحدودى قائلا"كل من وقف إلى جانب لبنان في هذا الإنجاز الذي ما كان ليتحقق لولا وحدة الموقف اللبناني وصلابته في مقاومة كل الضغوط، وفي عدم تقديمه أي تنازلات جوهرية، وعدم دخوله في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض."
تعاون فرنسى
من جانبها قالت وزير خارجية فرنسا ، خلال زيارتها الرسمية للبنان، إن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حملها تهانيه للرئيس عون بمناسبة انتهاء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وتمنياته الازدهار للبنان وشعبه، والتشديد على الصداقة التي تربط البلدين والشعبين"، وأشارت الوزيرة الى أن الرئيس ماكرون "يسعى لدى كل الدول الصديقة لمساعدة لبنان". وفق الوكالة الوطنية لأخبار لبنان .
وأضافت قائلة:" بعد انتهاء مفاوضات الترسيم، باتت زيارتي للبنان تدور في أجواء اكثر إيجابية، وبعد موافقة لبنان ستبدأ شركة "توتال" عملها في الكشف والتأكد من نوعية النفط الموجود، وان الأمور ستسير على الطريق الصحيح".
واكدت الوزيرة كولونا تمسك بلادها بصداقتها مع لبنان، خصوصاً في الأوقات الصعبة، تمنت ان "يتمكن اللبنانيون من تجاوز الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وإقرار الإصلاحات الضرورية للنهوض الاقتصادي".
عون ووزيرة خارجية فرنسا
واشادت بمواقف الرئيس عون "خلال مسيرته الطويلة"، معتبرة ان "اجراء الإصلاحات اللازمة واحترام المواعيد الدستورية سيكون بمثابة رسالة إيجابية للدول التي تعاني بدورها من أزمات باتت معروفة، كي تبدأ في المبادرة للمساعدة"، مشددة على "دور مجلس النواب في إقرار القوانين الإصلاحية اللازمة".
ملف الترسيم
واستعرض الرئيس عون ، فى كلمة وجهها الى اللبنانيين ، المراحل التي قطعها مسار ملف الترسيم منذ العام 2010 وحتى اليوم، مع كل العقبات والصعوبات المحلية والخارجية التي واجهته، والعراقيل التي وضعت في وجهه لأسباب سياسية، وقال "من خلال صمودكم وثباتكم ونضال مقاومتكم التي أثبتت أنها عنصر قوة للبنان، ساهمتم في تحصين الموقف اللبناني في التفاوض، كما في المواجهة، وحقـقـتـم هذا الإنجاز، لكم وللأجيال الآتية، كل ذلك من أجل رفعة وطنكم وتقدمه وازدهاره وراحة أبنائه."، مشيراً الى أنه بالتزامن، كان على لبنان أن يفعّل عملية ترسيم حدوده البحرية لا سيما الجنوبية منها، وتصحيح أخطاء وقعت في الترسيم مع قبرص.
وأضاف "إن من حق لبنان أن يعتبر ما تحقق بالأمس إنجازاً تاريخياً، لأننا تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومترا مربعا كانت موضع نزاع ولم يتنازل لبنان عن أي كيلومتر واحد لإسرائيل، كما استحصلنا على كامل حقل قانا من دون أي تعويض يدفع من قبلنا على الرغم من عدم وجود كامل الحقل في مياهنا. كذلك لم تمس حدودنا البرية ولم يعترف لبنان بخط الطفافات الذي استحدثته إسرائيل بعد انسحابها من أراضينا في العام 2000، ولم يقم أي تطبيع مع إسرائيل، ولم تعقد أي محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها".
أبرز بنود الاتفاق
وكشف عون أن الاتفاق ينص على كيفية حل أي خلافات في المستقبل، أو في حال ظهور أي مكمن نفطي آخر مشترك على جانبي الحدود، ما يضفي طمأنينة وشعورا أقوى بالاستقرار على طرفي الحدود، وقال "بتنا قادرين اليوم، بعدما استعـدنا زمام المبادرة، بفضل المثابرة والجهد والدفاع عما هو حق لنا وللأجيال المقبلة التي نأمل أن تعيش في زمن أفضل من الزمن الذي عشنا فيه. وأن ينشأ الصندوق السيادي الذي يحفظ لها العائدات بحسب اقتراح القانون المقدم بهذا الشأن".
وبموجب الاتفاق، أصبح "حقل كاريش" بشكل كامل، في الجانب الإسرائيلي. في المقابل، يضمن الاتفاق للبنان السيطرة على "حقل قانا"، الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين.
وستشكل المنطقة رقم 9، حيث يقع حقل قانا، نقطة رئيسية للتنقيب، من قبل شركتي توتال وإيني، اللتين حصلتا عام 2018 على عقود للتنقيب عن النفط والغاز.
وهناك رسوم ستدفع من قبل لبنان لإسرائيل مقابل أي غاز يستخرج من الجانب الإسرائيلي، لحقل قانا، فيما أشار مسؤولون لبنانيون إلى أن شركتي التنقيب ستدفعان هذه الرسوم.
وسيترك "خط العوامات" قائما كحدود بحرية فعلية بين لبنان وإسرائيل. وكانت إسرائيل قد ثبتت هذا الخط، بعد انسحابها من لبنان عام 2000. ويبلغ طول "خط العوامات" ثلاثة أميال، ويمتد من ساحل رأس الناقورة إلى البحر المتوسط.
رغم الإعلان عن الاتفاق، إلا أنه لم يحصل بعد على الموافقات النهائية. وقد يحتاج ذلك إلى أسابيع، تتولى بعدها الولايات المتحدة تبادل النصوص النهائية بين الطرفين.
النزاع مع سوريا
وأوضح الرئيس عون ان الخطوة التالية يجب أن تكون التوجه الى عقد محادثات مع سوريا لحل المنطقة المتنازع عليها معها وهي تزيد عن 900 كيلومتر مربع، وذلك عن طريق التباحث الأخوي. كذلك تنبغي مراجعة الحدود المرسومة مع قبرص وتقرير ما يتوجب القيام به مستقبلا".