سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 16 أكتوبر 1844.. «المدرسة الحربية المصرية فى باريس» تبدأ التدريس لدفعة «بعثة الأنجال» ومحمد على باشا يتلقى تقريرا عنها كل ثلاثة شهور

الأحد، 16 أكتوبر 2022 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 16 أكتوبر 1844.. «المدرسة الحربية المصرية فى باريس» تبدأ التدريس لدفعة «بعثة الأنجال» ومحمد على باشا يتلقى تقريرا عنها كل ثلاثة شهور محمد على باشا

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سافرت البعثة التعليمية الثالثة التى أرسلها محمد على باشا «والى مصر» إلى فرنسا فى أكتوبر 1844، وعرفت باسم «بعثة الأنجال» لأنها ضمت أربعة أمراء من بيت محمد على، وهم ولداه: حسين بك، وحليم بك، وحفيداه ولدا إبراهيم باشا - أحمد بك، وإسماعيل بك «الخديو إسماعيل فيما بعد»، حسبما يؤكد الدكتور محمد عمارة فى كتابه «على مبارك - مؤرخ ومهندس العمران، مضيفا: «بلغ مجموع طلاب هذه البعثة 70 طالبًا، ذهبوا إلى باريس على دفعات، وكان الفوج الأول - وفيه على مبارك - مؤلفا من تسعة وثلاثين دارسا، اختارهم أركان الحرب سليمان باشا الفرنساوى، ومتقدمو خريجى المهندسخانة، وعدد من نجباء المعلمين».
 
يضع «عمارة» هذه البعثة فى سياق «مقاومة محمد على ضغوط الحلف الاستعمارى الذى تزعمه ضده الإنجليز والأتراك العثمانيون، حتى بعد معاهدة لندن سنة 1840، وتقلص الجيش المصرى فى 1841، وإن كانت اتخذت طرقًا غير مباشرة لمقاومة هذه الضغوط، وما نجحت فى فرضه من آثار. 
 
وكانت هذه البعثة صورة من صور المقاومة هذه، فهى بعثة لدراسة فنون الحرب فى فرنسا التى كانت لا تزال على ود نسبى مع نظام محمد على، وكانت بالنسبة له ولقائد جيشه إبراهيم باشا «1798  - 1848» بلاد الحرية «ومنبع الأنوار».
 
يؤكد «عمارة»، أن محمد على أنشأ لهذه البعثة مدرسة حربية خاصة بباريس، هى «المدرسة المصرية الحربية بباريس»، وهى مدرسة تحضيرية تعد خريجيها بعد ثلاث سنوات - هى مدة الدراسة فيها - للالتحاق بالمدارس الحربية الفرنسية العليا «الكليات»، وصدق محمد على باشا على نظام المدرسة فى 20 أكتوبر 1844، على حين بدأت الدراسة فى هذه المدرسة للدفعة الأولى من بعثتها فى 16 أكتوبر «مثل هذا اليوم» 1844.
 
يوضح «عمارة» طبيعة النظام فى هذه المدرسة: «كانت مدرسة عسكرية داخلية، محظور أن تدخلها المواد الغذائية الخاصة، أوالنبيذ والمشروبات الروحية الأخرى، أو المواد الكيماوية، ولا بد من إذن خاص لإدخال الكتب والصور والرسوم، أما لعب الورق والنرد وما ماثلهما فممنوع، وهناك فسحتان أسبوعيا، الأحد من العاشرة صباحا حتى العاشرة مساء، والخميس من منتصف الثالثة مساء حتى العاشرة مساء، وكانت الأماكن العامة والمسارح من بين مواطن الزيارة فى فترات التنزه يومى الأحد والخميس، أما العطلة السنوية فكانت شهرًا يقضيها الطلبة بين تمرينات عسكرية وتطبيقات عملية فى الضواحى والأماكن الخلوية، وما بين زيارة المعالم والمشآت المهمة فى عموم فرنسا».
 
يؤكد عمارة: «لأن البعثة كانت تضم عددًا من الأمراء وعددًا من أبناء الحكام - البكوات - ونفرا من أبناء الشعب - الأفندية - فلقد جعلهم مديرها طبقات فى غرف النوم، والطعام والملابس، والخدم، لكن محمد على أصدر أمرا فى 27 أكتوبر 1844 إلى ناظر المدرسة بضرورة المساواة التامة بين أفراد البعثة فى كل الأمور المعيشية والتعليمية».
 
وعن العلوم التى كان يدرسها طلاب هذه المدرسة، يقول عمارة: «اللغة الفرنسية، علوم الرياضة، والجغرافيا، والتاريخ، والرسم والطبوغرافيا، والجندية، والمسابقة، اللعب بالسيف، والعلوم العسكرية، والرياضة البدنية، واستعمال السلاح الأبيض، والخط، والتحصينات، والمدفعية، والهندسة الوصفية، وهندسة الاستحكامات». كما كانوا يتمرنون على عمل الرسوم الطبوغرافية لحقول الضواحى فى أيام العطلات، وكانت الامتحانات تعقد للطلاب كل ثلاثة أشهر، ويقدم ناظر المدرسة تقريرًا عنها إلى ناظر «وزير» الخارجية المصرية «أرتين بك» الذى يبلغه بدوره إلى محمد على، كما كان وزير الحربية الفرنسية يتلقى تقريرًا عن سير الدراسة والنظام بالمدرسة من ناظرها كل خمسة عشر يوما.. وأتيحت لطلاب هذه البعثة فرصة الزيارة لعدد من معالم فرنسا الحضارية ومنشآتها الكبرى، مثل متحف الأسلحة، ومتحف التاريخ الطبيعى، ومعهد الفنون والصنائع، ومعهد العميان ومعهد الصم والبكم، ومصنع التبغ، ومصنع سك النقود، والمرصد».
 
كان على مبارك هو نابغة هذه البعثة، وحسب عمارة: «ذهب ليدرس فنون الحرب فى هذه المدرسة، وسنه واحد وعشرون عاما، بعد أن تخرج فى المهندسخانة، وكان الأول على الناجحين فيها، وحاول ناظر المهندسخانة يومئذ «يوسف لامبير بك» إغراءه بالبقاء مدرسا بالمهندسخانة، فهنا سيحصل على «الرتبة» و«المرتب»، أما فى البعثة فسيظل تلميذا، واستعان الناظر على إغرائه بعدد من المعلمين، لكن على مبارك رفض، وأصر على اختيار البعثة لأنه لما يقول» رأيت الكثير الآجل خيرا من القليل العاجل».
 
ذهب على مبارك إلى باريس، وخلف وراءه أسرة فقيرة فى «برنبال» بمحافظة الغربية، ولكنه لم ينس واجب البنوة حيالها، فمرتبه الشهرى لطالب بعثة كان 250 قرشا، فاقتسمه بالسوية مع أسرته، لها 125، وله فى باريس مثلها».









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة