قبل 18 ساعة فقط من بدء موسم عالمى كبير، احتفالا بمرور 102 سنة على إنشاء دار الأوبرا فى القاهرة، التهمت النيران فى الساعة السادسة و45 دقيقة صباح 28 أكتوبر 1971 المبنى ودمرته تماما، وحولت الدار إلى مجرد ذكرى، وفقا للأهرام فى تغطيتها للحادث يوم 29 أكتوبر، مثل هذا اليوم،1971.
حفل عدد الأهرام فى هذا اليوم «29 أكتوبر» بمرثيات حزينة لفنانين وأدباء عن تاريخ الدار التى أقامها الخديو إسماعيل فى ستة أشهر، وحسب الكاتب الصحفى كمال الملاخ فى الصفحة الأخيرة بالأهرام: «أقيمت فى ستة أشهر وعلى عجل بعد أن جلب لها الخديو إسماعيل أصحاب الدراية فى البناء والصوت، ووضع تصميمها الإيطاليان «أفوشكانى»، و«روسى»، وروعى عند إقامتها النظريات الصوتية، وعدم تردد صدى الصوت، فجاءت مثالا نادرا لا يصاحب فيه الصوت رجع الصدى فى أى ركن فيها، وبنيت بسرعة صاروخية حتى تلحق بمناسبة افتتاح قناة السويس ليقدم عليها «فيردى» أوبرا عايدة، لكنه يخاف البحر فلا يحضر، ولا تجهز أوبرا عايدة، فتقدم أوبرا «ريجوليتو» بدلا منها، ولكن مصر تعود لتعرض «عايدة» لأول مرة فى العالم بعد سنتين من افتتاح الدار.
يذكر «الملاخ»، أن هيكلها بنى من الخشب البغدادلى وجزوع النخيل، وحشو جريد وقوائمها من الحديد، وكان النقش والزخارف يمثل حضارة عصر نهاية قرن مضى فى أرقى صورها، وتذكر الأهرام، أن النيران التهمت مخازن الديكور والملابس التى قدرت فى آخر جرد لها بأربعة ملايين من الجنيهات، وبينها أشياء لا تقدر بأى قيمة مادية، وإن كانت ترفع الرقم إلى نحو 10 ملايين من الجنيهات، ووقعت المأساة فى اليوم ذاته الذى كان مقررا فيه بدء موسم الفرق الأجنبية على مسرحها، والتهمت النيران جميع المناظر والديكورات والنوت الموسيقية التى حملتها معها فرقة البالية اليونانية التى أجرت بروفاتها حتى منتصف ليلة أمس الأول ( 27 أكتوبر)، قبل الحريق بساعات، وكان مقررا أن تبدأ أولى حفلاتها فى التاسعة من مساء أمس ( 28 أكتوبر)، وكان السبب فى هذا كله أن الحريق ظل مشتعلا فى قلب الدار لمدة ساعتين كاملتين تقريبا دون أن تظهر أى علامات له من الخارج، وقال الفنيون، إن هناك احتمالين لنشوب الحريق، أحدهما حدوث ماس كهربائى وهو الاحتمال الأقوى، والآخر هو حدوث تسرب الغاز من مواسير الغاز الموصلة بالمبنى.
كانت صدمة الحدث فاجعة للجميع، وعبر أدباء وفنانون عن ذلك فى اليوم التالى للحريق بالأهرام 29 أكتوبر، قال توفيق الحكيم: «لن أنسى أبدا فضلها الأول فى تكوينى الثقافى والفنى، وأنا أصعد فى شبابى بقروشى المعدودات إلى سمائها لأعرف لأول مرة أوبرات «فردى» و«بوتشينى»، ومسرحيات موليير وبومارشيه، وأشعار كبار شعرائنا المجيدين فى حفلات التكريم والتأبين، ولقد ذهبت اليوم بأحجارها البالية، وتركت لنا ذكريات باقية، وتاريخا حافلا وسجلا حاويا لكل إشعاعات الثقافة والفن فى بلادنا».
وأكد الفنان محمد عبدالوهاب أنه لم يشعر بانقباض كما شعر عند سماعه بالخبر، وقال: «إنها نبض حى، تاريخ، قناة السويس، مصر القديمة، إنها بالنسبة لى تمثل كل الذكريات الحلوة، فأول خطواتى الفنية كانت فيها عندما مثلت وعمرى 10 سنوات على مسرحها دور «بنت» صغيرة، وقدمت أغنية لمدة 5 دقائق فى مسرحية «البدوية».
واعتبر الفنان يوسف وهبى أن ما حدث «كارثة وطنية»، قائلا: «مسرح تاريخى لفن الأوبرا والتمثيل فى مصر بكل ما فيه من فنون مسرحية لا تعوض ولا تقيم بمال، مخازن مليئة بالكنوز التى قام برسمه فحول فن الديكور العالميين، عشرات الألوف من الأزياء التاريخية لمختلف العصور، انهار المسرح الذى وقف عليه شامخا مئات النجوم من من «كاروزو وسلامة حجازى العظيم، وعلى خشبة دار الأوبرا قديما سليم القرداحى وجورج أبيض وغيرهم من العمالقة».
وقالت الفنانة أمينة رزق: «إنها أكبر صدمة فى تاريخ مسرحنا..هل نصدق أن الأنفاس فيها بتتسمع .. دى أحسن قاعة مسرح للصوت والإلقاء.. ليس فيها أى أثر للصدى، لما مثلت فيها «شجرة الدر» أحسست أننى فعلا ملكة مصر على مسرحها من الهيبة، ولكن عندما مثلت نفس الشخصية على مسرح الأزبكية شعرت أنى فقدت نفس شخصيتى المسرحية».
وقال الفنان زكى طليمات: «كانت من أحسن الدور فى العالم ومسرحها من أدق المسارح من حيث الصوت، ومع ذلك فإن احتراق ما فى مخازنها من ملابس وأزياء وكذلك أكثرية الديكورات والمناظر ليست خسارة، ولكن الخسارة الحقيقية هى الأرشيف الذى يضم البرامج الأجنبية للفرق التى عملت فى الأوبرا منذ 102 سنة هى عمرها، أننى أرجو ألا يكون هذا الأرشيف قد احترق، ومع ذلك فإن هذه الدار أدت مهمتها وواجبها، والحاجة ملحة الآن إلى تنفيذ مشروع دار الأوبرا الذى كان مفروضا أن يقام فى جزيرة الزمالك».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة