كشف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف فى تقريره الشهرى حول الأوضاع فى الأقصى المبارك، وما يتعرض له من انتهاكات شبه يومية من قبل المستوطنين المتطرفين، عن اقتحام نحو 3,700 مستوطن لـ"الأقصى" المبارك خلال شهر سبتمبر الماضي، وعلى رأسهم عدد من الحاخامات والمسئولين، تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال الصهيونى.
وقد شهد الشهر الماضى العديد من الانتهاكات؛ نظرًا لتزامنه مع موسم الأعياد الصهيونية والذى بدأ بالاحتفال بمناسبة رأس السنة العبرية "روش هشّناه"، ويستمر حتى عيد الغفران "يوم كيبور"، فى 5 أكتوبر، ويعقبه عيد المظال "سوكوت" فى الفترة من 10 إلى 17 أكتوبر الجارى.
وحذر المرصد من أن الأعياد والمناسبات الصهيونية باتت مناسبات لاستعراض القوى من قبل المنظمات والجماعات الصهيونية المتطرفة، والتى تُعرف باسم "منظمات الهيكل" داخل باحات الأقصى المبارك؛ من حيث تنفيذ المزيد من الانتهاكات والطقوس الصهيونية التى تتناسب مع قدسية الأقصى المبارك، وتزيد من حالة الحشد والتحريض لدى المستوطنين المُتطرفين واليمنييين المتشددين داخل هذا الكيان الصهيونى، وتدفعهم دفعًا إلى المُطالبة بتنفيذ مزاعمهم وأكاذيبهم بإقامة هيكلهم "المزعوم" داخل باحات الأقصى المبارك؛ تمهيدًا للمطالبة بهدم الأقصى وإقامته على أنقاضه. كما يلفت المرصد إلى أن الأمر آخذ في الخطورة عامًا تلو الآخر، حتى بات جليًا أن الأقصى المبارك أصبح فى خطر مُحدق جراء يتطلب وقفة عالمية لحمايته من هجمات الاحتلال المستعرة.
ولعل من أبرز الأدلة على ما سبق، ما سبق وأشار إليه مرصد الأزهر على صفحته الرسمية من وصول عدد المُقتحمين لساحات الأقصى المبارك لأكثر من 50 ألف مستوطن خلال السنة العبرية المُنصرمة؛ فى سابقة هى الأولى والاخطر من نوعها منذ احتلال شرقي القدس عام 1967م ووضع الاحتلال يده على الأقصى المبارك.
أما عن سبتمبر الماضي، فقد شهد عددًا من الانتهاكات والاعتداءات من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين المتطرفين، يذكر التقرير أبرزها على النحو التالي:
• النفخ بالبوق داخل الاقصى: اقتحم الحاخام المتطرف وعضو الكنيست السابق، "يهودا جليك"، ساحات الأقصى رفقة مجموعة من المستوطنين، الأحد 4 سبتمبر، وأذاع صوت البوق عبر هاتفه المحمول خلال اقتحامه المنطقة الشرقية للأقصى، ونشر الصور الاستفزازية على العديد من المنصات الصهيونية.
• الحشد والتحريض الواسعين من قبل منظمات الهيكل "المزعوم"؛ لحشد أكبر عدد من المستوطنين المُتطرفين، ومن مظاهر ذلك، إعلان منظمة "بيادينو" عن توفير مواصلات من كل أنجاء فلسطين التاريخية لاقتحام الأقصى. كما أعلنت منظمة "السنهدرين الجديد" الانتهاء من تصنيع بوق من قرن الكبش يطابق الشروط التوراتية للنفخ به داخل الأقصى، في حين قدّم ممثل المنظمة المتطرفة التماسًا للمحكمة الصهيونية للضغط عليها من أجل السماح بالنفخ في البوق داخل الأقصى.
• قررت محكمة الاحتلال في القدس السماح بالنفخ في البوق وأداء بعض الطقوس قرب السور الشرقي للمسجد الأقصى؛ منطقة مقبرة باب الرحمة الملاصقة بسور الأقصى.
• فتح قرار المحكمة –الذي صدر في 19 سبتمبر- الباب أمام المتطرفين الصهاينة -على مختلف مستوياتهم – لممارسة هذا الطقس الصهيوني الخطير بجوار سور الأقصى؛ إذ وصل الأمر إلى قيام عضو الكنيست المتطرف "سمحا روتمان" بالنفخ في البوق في مقبرة باب الرحمة، يوم 23 سبتمبر، ونشر مقطع فيديو لتوثيق الحادثة على حسابه على منصة تويتر. وسبقه الحاخام المتطرف "يهودا جليك"، الذي رفع علم الكيان الصهيوني.
• شارك نحو 30 جنديًا صهيونيًا في تدنيس باحات الأقصى؛ في إطار برنامج تأهيلهم إلى رتبة أعلى "نقيب" داخل جيش الاحتلال؛ حيث تلقوا محاضرة تعريفية بالمكان –وفق الرؤية الصهيونية- قرب باب المغاربة.
وكل ما سبق وغيره من مظاهر الاعتداء والتدنيس، تصعيد خطير في العدوان المتواصل على الأقصى، ومحاولة مستميتة من الاحتلال وأذرعته المتطرفة لتكريس التقسيم الزماني والمكاني للأقصى المبارك، وسعي حثيث إلى فرض السيطرة الكاملة عليه.
جدير بالذكر أن مسألة نفخ البوق داخل الأقصى المُبارك يُعد –عند الصهاينة- بمثابة إعلان سيطرة وهيمنة على المسجد، وتكريس الأقصى باعتباره مركزًا للعبادة اليهودية، وبدء عهد جديد يكون لهم فيه الغلبة والسيطرة؛ لذا نجد المنظمات المتطرفة تولي هذه المسألة اهتمامًا بالغًا؛ ولعل ما يثبت ذلك رصد منظمات الهيكل مكافآت مالية قدرها 500 شيكل -140 دولارًا- لمن يستطيع النفخ في البوق وإدخال القرابين النباتية إلى المسجد الأقصى في عيد المظال "سوكوت"، في الفترة من 10 إلى 17 أكتوبر الجاري.
وعلى المستوى العسكري، شنت شرطة الاحتلال هجمة شرسة على الأقصى ورواده، وعلى مدينة القدس بشكل عام؛ حيث حوّلت ساحات الأقصى المبارك والقدس القديمة إلى ثكنة عسكرية؛ بهدف تمكين المستوطين الصهاينة من الوصول إلى الأقصى، والحيلولة دون وصول المقدسيين ورواد المسجد إليه. وقامت بتوفير الحماية الكاملة للمتطرفين الصهاينة أثناء نفخهم في البوق ورفعهم لعلم الكيان الغاصب مقبرة باب الرحمة.
كما سعت إلى تغييب حقيقة ما يحدث من انتهاكات داخل باحات الأقصى، من خلال تفريغ الأقصى من رواده في أوقات الاقتحامات، وعرقلة عمل الصحفيين. وفي خلال سبتمبر المُنصرم أصدرت سلطة الاحتلال 41 قرارًا بالإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة بحق مقدسيين وفلسطينيين من الداخل المُحتل.
وفي مدينة القدس، قد اعتقل الاحتلال نحو 162 مقدسيًا خلال سبتمبر، وأصدر 5 أحكام بالسجن الفعلي، و8أحكام بالسجن الإدراي، و17 قرارًا بالحبس المنزلي بحق مقدسيين، من بينهم الصحفية المقدسية "لمي غوتشه".
بيد أن كل محاولات التعتيم وطمس الحقيقة تسقط أمام الصمود الفلسطيني، وتطويع الشباب الفلسطيني لإمكانياته المتوفرة –على قلتها- لفضح جرائم الاحتلال ومستوطنيه، وكشف الحقيقة، وإيصال الصوت الفلسطيني إلى كل أرجاء العالم، ومن صور النضال الأخيرة: إطلاق الدعوات على مواقع التواصل بضرورة شد الرحال إلى الأقصى والرباط فيه، تزامناً مع فترة الأعياد الصهيونية، وخاصة عيدي "الغفران" و"المظال".
وفي ختام التقرير، شدد مرصد الأزهر على أن الأقصى المبارك بات في خطر حقيقي ما يتطلب اتخاذ موقف جدّي من قبل المجتمع الدولي لوقف العدوان الصهيوني الإرهابي على الأقصى وإنقاذه من براثن الصهاينة، محذراً من خطورة الممارسات والطقوس الأخيرة التي ينفذها المتطرفون الصهاينة، من جماعات الهيكل "المزعوم" وغيرهم، كونها تحمل بين طياتها نوايا واضحة لتكريس الأقصى كمكان عبادة للصهاينة، وفرض التقسيم الزماني والمكاني في الأقصى؛ تمهيدًا لفرض سيادة صهيونية كاملة عليه. .
كما أكد المرصد أن الحملة الصهيونية المستعرة تستهدف تغيير معالم مدينة القدس وطمس هويتها الإسلامية العربية، وتنفيذ مخطط واضح لتطويق الأقصى عبر تهويد القدس وصبغها بالصبغة اليهودية؛ ما يعني القضاء على الحق الفلسطيني المشروع في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف.