شاء الله لمصر أن تكون أم الدنيا، وأن يعترف بذلك كل من يذكرها أو يأتى إليها زائرا أو تربطه علاقة أو موقفا بمصر، وإن كان هذا اللقب يسرى على كل العالم إلا أنه ليس مجرد لقب للقارة التى تنتمى إليها مصر، فعلاقة مصر بالقارة السمراء أقوى وأعمق وامتدت على مدار سنوات، لم تبخل مصر خلالها على الدول الشقيقة المنتمية لنفس القارة، ولم تدخر جهدا على جهدها لرفعة هذا الدول ونهضتها، ولو عدنا للتاريخ سنجد أن هذا الدور بدأ منذ عشرات السنوات فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذى كان يرى فى وحدة القارة السمراء واستقلال دولها وقوتها حلما يجب أن يجتمع عليه كل شعوب القارة السمراء المرتبطين بنهر النيل والذى يعتبر لهم جميعا شريانا للحياة.
ولأن مصر دولة لا تعرف للأحلام سبيلا سوى بالسعى إليه وتحقيقه، فقد سعى عبدالناصر لرفعة قارة أفريقيا أولا بالتخلص من الاستعمار الأجنبى الذى كان مسيطرا وقتها على دول عدة، وبالفعل استطاعت مصر تحرير عشرات الدول من الاستعمار عن طريق حركات التحرر الوطنى التى قامت فى هذه الدول، وبعدها كانت نواة منظمة الوحدة الأفريقية، التى أراد عبدالناصر من خلالها تعرف الشعوب الأفريقية على بعضها البعض، ومن بعدها كانت القمة الأفريقية، ثم عشرات الخطوات التى قام بها الرئيس الراحل الذى لقبته شعوب أفريقيا بـ«أبو أفريقيا».
اليوم ونحن نشهد فى مصر نهضة جديدة وعهدا جديدا وجمهورية جديدة يرسمها ملامحها الرئيس عبدالفتاح السيسى، حضرت أفريقيا أيضا ورغم كل الأزمات العالمية وما خلفته تبعاتها من أوضاع اقتصادية غير مستقرة فى معظم دول العالم، إلا أن «أم الدنيا» لا يمكن أن تتنصل من مسؤولية أو تغفل عن مد يد العون أو تعمم تجربة ناجحة فى دول تحتاج إليها، لهذا السبب أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى عن إطلاق مبادرة حياة كريمة فى أفريقيا، تلك المبادرة التى غيرت شكل القرى فى مصر، وغيرت ملامح الحياة فيها، وأصبح أهل هذه القرى يعيشون «حياة كريمة» بعد أن كانوا فى أوضاع لا تسر عدوا أو حبيبا، فكانت الفكرة، مثلما تغيرت حياة أهل مصر بمبادرة حياة كريمة سوف تغير مصر حياة الملايين فى قرى الدول الأفريقية، لتصبح لهم حياة كريمة يستحقها كل من يشارك الحياة على نهر النيل.
ما أعلنته وزارة التخطيط خلال قمة المناخ المنعقدة حاليا فى مدينة شرم الشيخ بإطلاق استراتيجية لتنفيذ مبادرة حياة كريمة فى أفريقيا، واستهداف 30 % من القرى فى أفريقيا بحلول 2030، لتحسين جودة الحياة بهذه القرى هو بمثابة ثورة من العمل داخل القارة السمراء على جهل وفساد وإهمال استمر لسنوات فى مصر وفى دول أفريقيا، فجعل أهل القرى مهمشين لا يحصلون على أبسط حقوقهم فى الحياة، ثم جاءت هذه المبادرة الرحيمة لتقدم لهم «حياة» وبعد أن نفذتها مصر فى القرى والنجوع داخل أرض المحروسة، اليوم قررت مصر ومن منطلق دورها «الأبوى» والذى سيظل قدرا لمصر طوال الوقت أن تمنح دول أفريقيا هذه المبادرة الإنسانية، لتستمر مصر فى مسيرتها، فبعد تصديرها الحرية والاستقلال إلى دول أفريقيا، اليوم تصدر حياة كريمة لكل أهل القارة السمراء.