قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: "إن مصر لم تكن يومًا في ضمير الحضارة الإنسانية مجرَّد بلد عادي، بل كانت منذ فجر التاريخ منبع الحضارة ورائدة التقدم، وينبغي أن تعود مصر بسواعد أبنائها المجاهدة وبعقولهم المبدعة إلى ما أراده الله تعالى منها ومن أبنائها كأحد أهم الصروح المنتجة للحضارة الإنسانية".
وأضاف أننا جميعًا نشهد التطور والتقدم الكبير الذي تشهده مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لإعادة بناء مصر وتحديثها لكي تتبوَّأ المكانة اللائقة بها حضاريًّا وتاريخيًّا وعمرانيًّا، مشيرًا إلى أنَّ مصر تتقدم في كافة المجالات رغم الظروف الصعبة التي يمر بها العالم، إلا أنَّ أصحاب الأجندات المتطرفة لا يعترفون بالأوطان، ويقولون إنه حفنة من ترابٍ عفن، كما يدعون أن الشريعة غائبة، والحقيقة هي أن الشريعة لم تَغِبْ أبدًا عن مصر.
جاء ذلك خلال كلمته التي ألقاها في ندوة "الشباب وتحديات العصر في ظل الجمهورية الجديدة" التي تنظِّمها جامعة المنوفية، بحضور الأستاذ الدكتور عادل السيد مبارك رئيس الجامعة.
كما أوضح أن هناك نوعين من الوعي: وعى صحيح، ووعى فاسد. واحترام التخصُّص هو أحد أهم أدوات بناء الوعي الصحيح. كما توجَّه بالنصيحة للطلاب والطالبات أن يدركوا حجم التحديات المتلاحقة، ومن أهمها معركة الوعي، وطالَبهم بالحرص على خدمة بلدهم.
وتابع، أن الدين هو أهم شيء عند الشعب المصري، ومن هنا استهدفت الجماعات الإرهابية استغلالَ العاطفة الدينية لدى الشعوب، كما حاولت إحداثَ شرخٍ في العلاقة بين العلماء والحكَّام، مدعية بأنَّ مصداقية العلماء في كونهم ضد الدولة، مع أن الحقيقة أن العلماء الحقيقين هم مَن يقفون مع مصلحة الدولة.
وأكَّد المفتي أننا نواجه تحدياتٍ كبيرةً في سبيل بلوغ الغاية والهدف الذي نسعى لتحقيقه، منها: تحديات اقتصادية وتحديات تكنولوجية وتحديات علمية، لكن أكبر التحديات التي أراها تواجهنا هو تحدي بناء الوعي الصحيح الذي ندرك به طبيعة المرحلة الخطيرة التي تمر بها مصر الآن، وندرك بها أيضًا طبيعة التحديات التي تواجه مصر وطبيعة التحولات والصراعات التي يموج بها العالم من حولنا، وبغير بناء الوعي على أعلى مستوى من الإدراك فسوف نظلُّ نراوح مكاننا والعالم يتقدم من حولنا نحو الأمام.
وأوضح مفتي الجمهورية، أن طبيعة المرحلة التي تمر بها مصر والتحديات التي تواجهها في سبيل حركة البناء والإعمار والتحديث التي يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، تتطلب منَّا جميعًا اليقظة والتكاتف والاتحاد والالتفاف حول القيادة السياسية والاعتصام بحبل الله تعالى حتى ننهض بوطننا مصر إلى ما نرجوه له من خير وتقدم ورخاء.
وأشار إلى أن الآمال المعقودة على شباب مصر الواعدة كثيرة وكبيرة، فهي كثيرة لأنها تشمل جميع المجالات كافة، والمجالات العلمية خاصةً التكنولوجيا منها، والصناعية والزراعية والاقتصادية، فمصر الآن لم تترك بابًا من أبواب البناء والتنمية والتحديث إلا ولجته، ولا أقول طرقته، مؤكدًا أنها آمال كبيرة من حيث قيمتها العظمى وما يُنتظر منها لبناء مستقبل مصر وحضارتها، فالشباب هم أمل الأمة المصرية بعقولهم المبدعة وعلومهم العميقة وبسواعدهم البنَّاءة وبهمتهم العالية وبعطائهم اللامحدود سوف تتقدَّم مصر إلى الأمام، وكلنا أمل أن يكون شباب مصر على قدر التحديات التي تواجه الوطن، وعلى قدر الآمال التي تعقدها مصر على أبنائها.
وتابع المفتي: "وعلى شبابنا أن يعيَ جيدًا أنه على قدر المسئولية الوطنية الملقاة على عاتقه بقدر ما هو مستهدف من قوى الجهل والظلام التي تهدف إلى هدم الوطن بهدم شبابنا، والتي تريد أن تُضعف عزيمة الشباب إمَّا بإشاعة العادات الرذيلة التي تؤدي به إلى دوامة الإدمان أو الإباحية، أو بنشر الأفكار المتشددة التي تجعل من شباب الوطن سهامًا منطلقة في صدره أو خناجر مغروزة في ظهره. ولا شك أن التطرف الديني والإرهاب هو أخطر شيء يستهدف الشباب في هذه المرحلة".
وشدَّد على ضرورة أن ننتبه جميعًا إلى أهمية قضية الوعي عمومًا، والوعي لدى الشباب بشكل خاص؛ لأنَّ الجماعات التي تستهدف أمن الوطن وسلامته لن تبلغ غايتها أبدًا وعقول شبابنا محصنة بالفكر الديني الصحيح وبالعقيدة الوطنية التي لا تهتز أبدًا؛ لذلك يجب على شبابنا أن يكونوا في أعلى درجات الحيطة والحذر من الاستماع إلى هذه الترَّهات التي يردِّدها أعداء الوطن، وأن يتحلَّى بالوعي تجاه هذه الدعوات المشبوهة.
وأضاف أنَّ المرحلة التي تمرُّ بها مصر الآن هي بحق مرحلة جهاد لا تقل أهميةً ولا خطورةً عن المعارك المصيرية العسكرية التي واجهت مصر في العهود السابقة، بل لا أبالغ إن قلتُ إنَّ المعركة الآن أشمل وأخطر؛ لأنه في المعارك السابقة كان العدو محددًا وواضحًا بالنسبة لنا، وكانت أهدافه واضحة ومحددة؛ من أجل ذلك خُضنا أشرس المعارك وانتصرنا عليه، لكننا الآن نواجه عدوًّا يَصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها، قلتُ: يا رسول الله! صِفْهُم لنا؟ قال: "هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا")، قلتُ: فما تأمرني إنْ أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم".
ولفت المفتي النظر إلى أنه ينبغي أن نعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع اللهُ هذه الأمةَ على الضَّلالةِ أبدًا"، وقال: "يدُ اللهِ على الجماعةِ، فاتَّبِعوا السوادَ الأعظمَ، فإنه من شذَّ شذَّ في النَّارِ". لذا، ينبغي أن نعلم أن فكر هذه الجماعات المتطرفة لا يمثِّل فكر جموع المسلمين ولا سوادهم الأعظم، بل هو فكر شاذ عن إجماع الأمة وعن سوادها الأعظم، والرسول صلى الله عليه وسلم حذَّر أن نشذَّ عن الجماعة، وأن نتبع شوارد وشواذ الأفكار المتشددة، فقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يد الله مع الجماعة"، وله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا يجمع أمَّتي"، أو قال: "أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله مع الجماعة"، وكل فكر يخالف فكر جماعة للمسلمين ويكفرهم ويشتت شملهم فهو فكر ضال ينبغي الحذر منه.
وأوضح أنه إذا تأملنا في مفردات وأدبيات الفكر المتطرف عند هذه الجماعات، نجد أنه عبارة عن إعادة إنتاج لفكر الخوارج القدامى، الذين رفعوا السيف على جماعة المسلمين واستحلوا دماء الصحابة بنفس الدعاوى التي يروجها جماعات العنف الآن، ونحن نرد عليهم بالكلمة الخالدة لشهيد فكر الخوارج الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه "كلمة حق أُريد بها باطل".
وأوضح أنَّ الحاكمية مبنية على أساس أننا لا نتحاكم إلى الشريعة الإسلامية، فالقول بالحاكمية حق، لكنه أُريد به باطل من أننا لا نتحاكم إلى شرع الله تعالى. كيف وكل تشريعاتنا مبنية على الدستور الذي ينصُّ صراحةً على أنَّ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، مخاطبًا الشباب: "وأنت أيها الشاب تستطيع أن ترد جميع أفكار هذه الجماعات الضالة إلى ذلك العنوان الجامع الذي وضعه الإمام علي رضي الله عنه، كلمة حق أُريد بها باطل".
وشدَّد على أنَّ هذه المرحلة تتطلَّب منا أن نتكاتف جميعًا، وأن يكون همنا هو الهم الكبير: كيف نُعيد بناء مصرنا الحبيبة على قواعد جديدة من الفكر الوسطي والانفتاح على العالم بقيم ومبادئ الشريعة الإسلامية السمحة التي ترسخ للتعاون الإنساني، مع الحفاظ على قيمنا وعلى ثوابتنا وعلى عقيدتنا؟ كيف نُثبت للعالم أجمع بشكل لافت كما فعل أجدادنا وأسلافنا أنَّ الإسلام هو دين يحب الإنسان أيًّا كان هذا الإنسان، ويحب الخير لجميع البشرية، ويسعى للعمران والبناء ولا يرفع سلاحًا إلا دفاعًا عن النفس، نريد أن نبرز للبشرية إسلام الحضارة والرقي لا إسلام العدوان وسفك الدماء.
وقال مفتي الجمهورية: "إن المسئولية العظيمة التي تُناط بشباب مصر في هذه المرحلة العصيبة التي تمرُّ بها مصر يتطلَّب منهم بذل كثير من المجهود، وصرف الهمة إلى تحصيل العلوم، فالأمم لا تنهض إلا على الأسس والمعايير العلمية ولننظر إلى الثورة العلمية والتكنولوجية التي يشهدها العالم الآن وليسأل نفسه أين نحن منها".
واختتم كلمته بالتأكيد على أنَّ الثقة بمؤسسات الدولة المصرية، سواء أكانت مؤسسات علمية أو مؤسسات دينية أو غير ذلك، أمر مهم جدًّا لمسيرة البناء الوطني، ينبغي أن نعيد بناء جسور الثقة بين الشباب وبين مؤسسات الدولة، فشباب اليوم هم قادة المستقبل.