شهدت مكتبة الإسكندرية انعقاد الحوار الأول من منتدى "حوارات الإسكندرية" تحت عنوان "الأمن المائى المصرى.. التهديدات والمخاطر وسُبل المواجهة"، اليوم الأحد، بحضور الدكتور أحمد زايد؛ مدير مكتبة الإسكندرية، وتحدث فى المنتدى الفريق مهاب مميش؛ مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات قناة السويس والموانئ البحرية، وقائد القوات البحرية الأسبق، والدكتور محمد شوقى العناني؛ أستاذ القانون الدولى بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعضو مجلس الشيوخ، وأدار الحوار الدكتور على الدين هلال؛ أستاذ العلوم السياسية المتفرغ بجامعة القاهرة، ووزير الشباب والرياضة الأسبق.
ورحب الدكتور أحمد زايد؛ مدير المكتبة، بالحضور والمتحدثين فى المنتدى، مؤكدًا على أهمية الحوار، فدائمًا ما كان يقرأ ويتابع أن كل التطورات التى تحدث فى النظريات الاجتماعية بدأت بالحوارات بين العلماء، ولذلك فكرت المكتبة فى إقامة منتدى حوارات الإسكندرية.
وأوضح زايد أن مكتبة الإسكندرية تساهم دائمًا فى الحوار العالمى وتطرح رؤى على المستوى المحلى والإقليمى والدولى، وفى وقت سابق كانت تصدر وثيقة تطرح رؤى وحوارات تحت اسم "سكندريات". وأكد أنه عقب توليه مسئولية إدارة المكتبة حرص على تجديدها وإقامة العديد من الفعاليات خلال الفترة المقبلة بمشاركة الخبراء والمختصين.
وشدد زايد أن الحوار لا يفسح طريق للتواصل فقط وإنما يفتح الآفاق المغلقة، فالقضية الأساسية التى يطرحها الحوار أنه لا أكتمال للفكرة ولا يوجد قول واحد، وأن العقل لا يوقفه سقف، مضيفًا أن الحوار يؤدى إلى بناء مستقبل أفضل ضمن الجمهورية الجديدة التى طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسى.
وأشار زايد إلى أن قضية المياه أصبحت قضية عالمية، ويتزايد الاهتمام بالمياه البحار والعذبة، وساهم فى تزايد الاهتمام بها التغيرات المناخية التى يشهدها الكوكب.
ووجه الدكتور على الدين هلال الشكر إلى مكتبة الإسكندرية على فكرة منتدى الحوار، إذ إنه فضيلة أخلاقية تتضمن معانى التسامح والحرية وتعدد الآراء، وأضاف أن الوصول إلى الحقيقة يأتى من خلال الاتفاق والاختلاف، كما إنه مصدر قوة للنظم السياسية، فالمجتمعات الهشة هى التى لا تتحمل الحوار.
وتحدث "هلال" عن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الحوار، والتى أراد من خلالها أن يكون الحوار سمة عامة فى المجتمع، وبالفعل انتقل إلى الإعلام وأصبح هناك انفتاح على مختلف الآراء، وهو ما سوف يساهم فى حدوث ارتياح اجتماعى وفتح آفاق جديدة.
وأكد هلال أن أحد معايير قياس درجة تقدم الأمم وتطورها هو متوسط استهلاك المياه لكل مواطن، كما أن الأمم المتحدة اعتبرت الحق فى المياه العذبة أحد حقوق الإنسان الأساسية، وفى مؤتمر شرم الشيخ لأول مرة يخصص يومًا للمياه بدعوة من مصر، وقدمت خلالها مبادرة مع منظمة الأرصاد المائية للتحكم فى سياسات الدول فيما يخص مشاركة الأنهار.
ولفت هلال إلى أن المياه أصبحت مشكلة فى بقاع كثيرة من العالم وزاد من مشكلتها التغييرات المناخية، حيث نجد فى إفريقيا تصحر وجفاف ونفوق للكائنات الحية مما تسبب فى نزوح السكان، وفى أماكن أخرى نجد هطول عنيف للأمطار أدى إلى فيضانات، كما حدث فى دولة باكستان التى اغرقت الفيضانات ثلث مساحتها تهجر على إثرها 33 مليون مواطن.
وأشار إلى أنه وفقًا لأخر احصائية أصدرتها الأمم المتحدة؛ 2 مليار شخص يعانى نقص أو غياب المياه العذبة، و4 مليارات شخص يعانون إما من نقص خدمات الصرف الصحى أو عدم وجودها من الأساس، مضيفًا أن مسئولية أى دولة أن تتأكد فى كل الأوقات من وجود كمية كافية من المياه تتوافق مع احتياجات المجتمع المتزايد، وهى الأزمة التى دخلت فيها مصر بالفعل والتى تحتاج إلى حلول صعبة.
وفى كلمته، نقل الفريق مهاب مميش؛ تحيات الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى مكتبة الإسكندرية على الجهد المبذول وإلى شعب المدينة الساحلية، مؤكدًا على خطورة قضية المياه التى أصبحت نقصها يمثل حملًا ثقيلًا، مؤكدًا أن الرئيس يعمل ليل نهار لتعويض أى نقص فى المياه حدث، ولكن يقع على كل مصرى فى موقعه مسئولية أن يحافظ على أمن المياه وعلى كل نقطة مياه.
وشدد مميش على أن المياه المصرية وخاصة البحار أصبحت جزء كبير من الصندوق السيادى المصرى اليوم ومستقبلًا بعد الاكتشافات النفطية التى اكتشفت، بالإضافة إلى قناة السويس والتطورات التى تشهدها، ولذلك تولى الدولة اهتمامًا كبيرًا للارتقاء بالموانئ، والعائد سوف يمثل جزء كبير من خزانة الدولة المصرية.
واستعرض مميش حدود مصر المائية، إذ تمتلك مصر موقع استراتيجى وأهم مجرى ملاحى عالمى، وهو ما يستوجب التطور فى مجال البحر والموانئ لكى تستوعب السفن العملاقة التى تمر بقناة السويس، حيث تواجه تنافسية مع موانئ فى دول الجوار، مضيفًا أن هناك تغييرات تحدث فى القنوات المائية العالمية نتيجة التغييرات المناخية حيث تعمل روسيا على شق ممر فى الدائرة القطبية المتجمدة توفر 48% من المسافة الإبحار إلى جنوب إفريقيا عن قناة السويس. لذلك لابد أن تنمى مصر قدرتها على التنافس.
وأشار مميش إلى أن مصر وهولندا وأستراليا والسعودية اتفقوا على أن يكونوا أول مركز لإنتاج الهيدروجين الأخضر قليل الانبعاثات والذى سيتم استخدامه فى السفن، وسوف يتم إنشاء أول محطة فى قناة السويس، وهذا كله يصب فى مصلحة الأجيال الجديدة كما حدث عند شق القناة الجديدة، مضيفًا أن حجم التجارة المخطط فى عام 2013 عند إنشاءها كان يهدف إلى مرور 97 سفينة فى اليوم، وفى الشهر الماضى حققت مرور 94 سفينة فى اليوم، وهو ما يدل على قدرة المصريين، مؤكدا على أن مصر اتجهت نحو الاقتصاد الأزرق فى كل ما يخص علوم البحار.
وأكد مميش على أن تأمين المياه موضوع فى غاية الأهمية ولا نريد أن تنقص نقطة واحدة فى الفترة المقبلة، وهو بالفعل الذى تحرص عليه مصر إذ بدأت فى تنفيذ سياسة الاقتصاد الأزرق الذى يساهم فى الحفاظ على الموارد المائية وترشيد استهلاكها، وإعادة تدويرها.
وقال مميش أن تأمين الحدود البحرية المصرية ينقسم إلى شقين؛ الأول عسكرى ويتم على أعلى مستوى، والثانى هو الشق القانونى، فلابد من الفهم الجيد للقوانين الدولية.
وشدد مميش على أن أمن المياه فى الفترة المقبلة قضية أمن قومى مصرى، وسوف تكون منطقة قناة السويس قلب الاقتصاد المصرى، والوضع الحالى يسمح بتحقيق ذلك.
واختتم مميش كلمته بالتأكيد على أهمية التواصل المصرى مع الدول الأفريقية، وأنها السوق الطبيعى للمنتجات المصرية، التى كانت قد تصل إليهم فى وقت سابق وتلقى رواجًا كبيرًا.
فيما قال الدكتور محمد شوقى العناني؛ أن الأمن المائى جزء من الأمن القومى، والمياه هى أساس الحياة ولا يوجد رفاهية أو تنمية دون وجود المياه العذبة، ونهر النيل بالنسبة لنا هو الحياة لولاه لم تكن لتقوم الحضارة التى أذهلت العالم منذ آلاف السنين، و95% من احتياجات مصر من المياه العذبة يأتى من النهر وأى مساس به هو مساس بأمننا القومى.
وأكد العنانى أن الأنهار الدولية لها إطار قانونى دولى يحكمها، مصدره الأعراف الدولية، مضيفًا أن كل الأنهار الدولية الكبرى لها اتفاقية واحدة جامعة تجمع كل الدول المشاطئة لها عدا نهر النيل، الذى يضم 19 اتفاقية تجمع بين عددًا من أطرافه فقط، وهذه الأعراف جاءت من الاتفاقيات المنفردة المختلفة، وجمعتها الأمم المتحدة وأصدرت لها اتفاقية إطارية عام 1997.
وأشار العنانى إلى أنه فى قضية سد النهضة خالف إثيوبيا عدة مبادئ، أولها مبدأ عدم الضرر؛ إذ أنه لا يجوز لأى دولة نهرية أن تأتى عملًا يأتى بأى ضرر على الدول التالية لها، ثانيًا وجوب الإخطار المسبق؛ موضحًا أن كل الأحكام التى أصدرتها محكمة العدل الدولية قررت مبدأ وجوب الإخطار المسبق، وانتظار ردًا فى فترة 6 أشهر قابلة للتجديد 6 أشهر أخرى.
وأضاف العنانى أن المبدأ الثالث هو التسوية السلمية لنزاعات المياه؛ وفى هذا الصدد طرحت مصر أفكارا عديدة على إثيوبيا للتفاوض ولكن ما من مجيب، مشددًا على أن الأطر القانونية للبحار أكثر دقة وقوة من القانون الحاكم لمياه الأنهار.
ولفت العنانى إلى أن المخاطر التى تهدد المياه العذبة كثيرة ليس سد النهضة الإثيوبى فقط، رغم أنها أخطرها وأوضحها، ولكن الزيادة السكانية تمثل خطرًا أيضًا، حيث تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب مياه منذ اتفاقية 1995، وكان عدد السكان فى ذلك الوقت حوالى 40 مليون مواطن وأقل، واليوم أصبحنا ٥ أمثال ما كنا عليه، ونحتاج إلى 114 مليار متر مكعب، كما أننا ما زلنا نعتمد على الطرق التقليدية فى الزراعة.
وأوضح العنانى إنه يعتقد أن نسبة المياه التى تخزنها إثيوبيا أن تكون الأزمة الأكبر بقدر حدوث ما يتوقعه البعض من انهيار السد نتيجة للخل الجسيم فى بناء السد، والذى سوف يتسبب حال حدوثه فى غرق دولة السودان بالكامل وجزء من صعيد مصر، كما أن نجاحه سوف يغرى دول أخرى لبناء سدود.
ودعا العنانى إلى بحث إمكانية الاستفادة من دول المنابع الاستوائية، والتى يصلنا منها مياه بنسبة 15% فى نهر النيل، وبحث سبل زيادة هذه النسبة، مشيرًا إلى وزارة الموارد المائية والرى المصرية فى عام 2021 وضعت استراتيجية الموارد المائية حتى عام 2050، تتضمن تحسين نوعية المياه وتنمية الموارد المائية وترشيد استهلاك المياه وتبطين الترع، وهو خطة مهمة وخطوة فى سبيل الحفاظ على أمننا القومى.
واختتم المنتدى بنقاش مفتوح مع الحضور؛ لإثراء التفاعل المجتمعى والمساهمة بأفكار وحلول خلاقة وابتكارية فى هذه القضية التى تمس أطراف المجتمع ككل، وتتشابك محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة