ربما يصعب الحُكم على أداء الوزراء وأصحاب المناصب السياسية والتنفيذية بعد فترة وجيزة من تقلّدهم المنصب، إذ تحتاج الملفات الضخمة متسعا من الوقت للإلمام بالتفاصيل ودراستها واستكمال الرؤى ووضع الأفكار وبدء التنفيذ.. هذا هو المُعتاد، لكن أحيانا تكون هناك استثناءات، يُمكن أن نلمسها بوضوح فى وزارة التعليم العالى.
فى 13 أغسطس الماضى حظى الدكتور محمد أيمن عاشور وزارة التعليم العالى بثقة القيادة السياسية، ليتولى حقيبة التعليم العالى خلفا لواحد من أنشط الوزراء السابقين، ما كان يُمثل تحديا قويا ربما يُقلق كثيرين من رجال الإدارة والأكاديميا، لكن "عاشور" خاض التحدى وحقق نجاحا ملموسا يستكمل ما بدأه سلفه، ويضيف إليه مزيدًا من النقلات النوعية المهمة فى القطاع الحيوى، خاصة لما يمتلكه من خبرات متراكمة منذ توليه منصب نائب وزير التعليم العالى لشئون الجامعات، ساهمت فى تحقيق الانجازات.
على مدار 100 يوم فقط قضاها الدكتور أيمن عاشور فى ديوان وزارة التعليم العالى، أثبت عمليا أن تصدّى العلماء وأهل الخبرة للمواقع التنفيذية يختلف عن غيرهم. استطاع أستاذ الهندسة المرموق قيادة قطار التعليم العالى بكفاءة وسرعة واتزان خلال تلك الفترة، وقطع مسافات بعيدة قد يحتاج آخرون شهورا أطول لقطعها. وبالفعل حقق الدكتور أيمن عاشور نجاحات عديدة على كل المستويات، باستراتيجية ثابتة تستند إلى وعى عميق، ورؤية حقيقية ناضجة، واهتمام مباشر بانتظام وكفاءة وفاعلية منظومة التعليم العالى، من حيث كونها مساحة للتربية والتأهيل وإعداد أجيال لا تتوفر فيهم الخبرة العلمية والعملية فقط، وإنما يتسلحون بالوعى والمعرفة والسواء النفسى الذى يجعلهم عناصر إيجابية قادرة على الانخراط فى المحيط الاجتماعى والعملى.
خلال أكثر من ثلاثة أشهر بقليل، لمسنا تحسنا فى أداء كل الجامعات، فضلا عن إطلاق عدد كبير من الجامعات الجديدة بأنظمة تعليم مُتطورة وأنماط عالمية متقدمة فى الإدارة وإعداد المناهج وطرق التدريس. تحقيقا لرؤية القيادة السياسية ومستهدفات استراتيجية الدولة لخلق جيل واعٍ ومُتمكن وقادر على تلبية الطلب الجديد فى سوق العمل، بالمزج بين المعرفة الفنية، والتأهيل العملى، والتسلح بأحدث ما توصل إليه العلم. وإلى جانب ذلك لم يغفل عن تطوير المرتكزات الأساسية لدى الوزارة، سواء بتحسين العمل داخل الجامعات الحكومية القائمة، أو تطوير فروع جديدة لها، أو تكامل الأداء مع الجامعات الخاصة والدولية، وكذلك تطوير المستشفيات الجامعية والمؤسسات والأروقة الخدمية المتصلة بالجمهور، مع الاهتمام بالمراكز البحثية وتشجيع الأساتذة والباحثين على الإنتاج والاهتمام بالنشر الدولى، وترافق مع كل ذلك اهتمام عميق بعقد اتفاقيات وشراكات إقليمية ودولية لتطوير أوجه التعاون فى مجالات التعليم مع الدول العربية والغربية.
لطالما شكّل تنسيق الجامعات تحديا سنويا متكررا. هذا التحدى عبره الدكتور أيمن عاشور ببساطة ودون أية مشكلات، إذ أنجز أعمال التنسيق بكفاءة وعدالة بين الطلاب على مستوى مراحلها الثلاثة، وخرج الموسم دون أزمات أو شكاوى أو مشكلات مع تطبيق قواعد التوزيع الجغرافى والإقليمى للطلاب وتحقيق العدالة الكاملة فى الحصول على الفرصة التعليمية.
ومع انتهاء موسم التنسيق، حرص الدكتور أيمن عاشور على متابعة استعدادات العام الدراسى الجديد بالجامعات، وبالفعل انطلقت الدراسة بشكل مستقر وشامل ودون أزمات، ولأول مرة أجرى الوزير جولات ميدانية فى اليوم الأول لانطلاق العام الجامعى مطلع أكتوبر الماضى، شملت تفقد الجامعات الحكومية والتكنولوجية والأهلية والخاصة والمعاهد العليا للوقوف على سير العملية التعليمية منذ لحظاتها الأولى.
كما حرص على متابعة انتظام العمل والدراسة فى 12 جامعة أهلية جديدة منبثقة من الجامعات الحكومية، و6 جامعات تكنولوجية موزعة على مستوى الجمهورية، تعمل من أجل تقديم تجربة تعليمية استثنائية اعتمادا على البرامج البينية والتخصصات المواكبة لاحتياجات ومتطلبات سوق العمل المحلى والإقليمى والعالمى وتلبية احتياجات وظائف المستقبل.
ولم يقتصر نشاط ونجاحات الدكتور أيمن عاشور على المستوى المحلى فقط، وإنما استطاع تحقيق مشاركة قوية فى الفعاليات الرسمية للدولة، وفى مقدمتها مؤتمر الدول أطراف الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لتغير المناخ cop27 التى استضافتها شرم الشيخ بين 7 و19 نوفمبر الجارى، بما حققته من نجاحات مبهرة للدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها، إذ شاركت الوزارة بجناح فى القمة تضمن مشروعات بحثية وعلمية تعكس الاهتمام بالبحث العلمى فى مصر، ومن شأنها الحد من تأثيرات التغيرات المناخية، إذ سبق القمة تأسيس وتدشين "صندوق التمويل الأخضر" فى الوزارة بـ100 مليون جنيه موزعة بين أكاديمية البحث العلمى وهيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار، وتسليم عقود دعم 67 مشروعا بحثيا بـ106 ملايين جنيه لمواجهة التغيرات المناخية.
وعلى مدار 100 يوم فى وزارة التعليم العالى، استطاع الدكتور أيمن عاشور تحقيق طفرة كبيرة وملموسة فى التواصل مع الشركاء والجهات الدولية والجامعات العالمية وسفراء الدول واليونسكو ، فى إطار تعزيز التعاون مع كل الأطراف من أجل تفعيل الرؤية التعليمية المصرية، وتطوير وترقية آليات العمل، وإطلاق برامج شراكة تقود إلى تحسين تصنيفات الجامعات المصرية عالميا.
وضمن نجاحات وزير التعليم العالى خلال تلك الفترة الوجيزة، تأتى استضافة النسخة الثانية لفعاليات الوكالة الجامعية للفرانكفونية العالمية، بمشاركة 1000 مؤسسة من 118 دولة، والتى عُقدت فعالياتها تحت رعاية الرئيس السيسى أواخر أكتوبر الماضى.
ولم يغفل "عاشور" أهمية المستشفيات الجامعية ودورها المجتمعى فى خدمة المواطنين، فاهتم بتطويرها ورفع مستوى الخدمة المقدمة للمرضة، وحرص على توقيع بروتوكول تعاون مع وزارة الصحة بهدف دعم المنظومة الصحية، خاصة قطاع الطب الوقائى، وتحقيق التكامل بين الجامعات والمراكز البحثية التابعة للوزارة ومستشفياتها فى رصد ومكافحة الأمراض المعدية والوبائية والمتوطنة.
ما سبق، وغيره كثير مما يُمكن أن نلمسه فى أداء وزارة التعليم العالى خلال 100 يوم مضت، يُمثّل نجاحا واضحا يُلخص حجم ما بُذل من جهد فى أروقة الوزارة، وما تحمله قياداتها من رؤى متطورة وخطط عمل مُحكمة ومُنظمة ومُتدرجة، وهو أمر يستحق الإشادة، ويُبشر بمزيد من التطور وصولا إلى تحقيق رؤية القيادة السياسية، وتحقيق استراتيجية الدولة للتعليم العالى، من أجل مؤسسات تعليم عصرية قادرة على أن تكون ترسا فاعلا فى ماكينة الإنتاج والتقدم والتنمية المستدامة وقيادة قطار الوطن باتجاه "استراتيجية 2030".