رغم وضعية التوازن فى العلاقات الدولية التى يشهدها العالم الآن، إلا أنها كانت حصيلة نضال كبير لدول كثيرة عانت من ويلات الاستعمار، وكانت القوى الاستعمارية الكبرى التى لها النصيب الأكبر من التوغل الاستعمارى فى هذه الدول هى أوروبا.
أوروبا هى من رسخت للسياسات العنصرية والاستعباد وابتدعت تجارة الرقيق، ونشرت الأوبئة والأمراض فى أفريقيا "المستعمرة"، وهى من ساهمت أيضاً فى نهب ثروات وخيرات دول القارة السمراء.
البرلمان الأوروبى الذى يتشدق ما بين حين والآخر باسم الحقوق والحريات، لا لشيء إلا للابتزاز السياسي، وتحقيق مكاسب سياسية أو مصالح بالوكالة للغير، تناسى ما دونه التاريخ عن جرائم أوروبا فترة الاستعمار التى امتدت لقرون طويلة أخطرها الفترة من 1830، التى بدأت بالاستعمار الفرنسى فى الجزائر، وامتدت حتى 1960 بنضال حركات التحرر الوطنى فى القارة.
طيلة هذه الفترة ارتكبت أوروبا أبشع الجرائم ضد سكان القارة الأفريقية الأصليين، استعباد، وتجارة رقيق، فضلاً عن توريط الدول المستعمرة فى حروب دول أوروبا" الاستعمارية" كما حدث خلال الحربين العالمية الأولى والثانية، ومصر أبلغ نموذج فلازلنا ندفع ثمن ألغام العلمين.
تناسى البرلمان الأوروبى أن العنصرية هى اختراع أوروبى فى الأصل، العنصرية التى اعتبرت من خلالها أوروبا أن الجنس الأبيض هو الذى يحق له الحضارة والأجناس الأخرى وتناسى متعمداً المذابح الدموية التى ارتكبوها فى المستعمرات.
أما جرائم تجارة الرقيق، أكثر من 4 قرون فحدث ولا حرج، لدرجة أن المؤرخين قالوا نسبياً أن عدد من خرج قسراً من القارة الأفريقية 80 مليونا، ووصل منهم إلى العالم الجديد 40 مليون إفريقى مما يعنى أن كل يوم كان يشهد موت أفريقى مقابل وصول آخر.
ناهيك عن جرائم اغتيال زعماء الحركات الأفريقية أخطرها واقعة التخلص من الزعيم الكونغولى باتريس لومومبا رائد الحركة الوطنية فى الكونغو، وإعدام القادة والشخصيات النضالية فى شمال إفريقيا، وفى المقدمة إعدام عمر المختار، واغتيال أكثر من نصف مليون ليبى على يد القوة الاستعمارية الأوروبية، وفى الجزائر وقع مليون ونصف شهيد قتلوا على يد الاستعمار الفرنسي، وذلك كله على سبيل المثال لا الحصر.
رغم كل هذه الجرائم الأوروبية الموثقة فإن أوروبا لم تعتذر، ولم تتحمل التكلفة، ولم تقدم حتى يد العون والمساعدة للدول المتضررة بسببها، بل على العكس راحت تمارس خطاب "وصائي"، واستعمارى جديد، لكن هذه المرة مُتخفى تحت لافتات سياسية، وشعارات حقوقية وكأنها غير قادرة على استيعاب أنها خرجت للأبد من حسابات هذه الدول التى لازالت تتعافى من أثار الاستعمار بجهود ذاتية، وبنضال وطنى وتكاتف بين مكوناتها السياسية والاجتماعية، بدون أى ادعاء أنها وصلت إلى المطلوب أو حققت أفضل صورة ممكنة لمواطنيها، لأنها مازالت تعترف أنه مازال لديها مشكلات وأزمات أطلعت عليها الشعوب بشفافية، ولم تخفيها، وتحاول علاجها على أرضية وطنية ووفق قدرتها المتاحة.
لكن فى مقابل كل ذلك فإن أوروبا الآن تواصل ممارسة النهج الاستعلائي، والمتاجرة بالقيم والشعارات لمهاجمة- الدول المستعمرة قديماً، والتى نجحت فى التخلص من أثار الاستعمار وتعافت بالبناء والتنمية، فى حين أن أوروبا نفسها لازالت تنتهك حقوق الإنسان على أراضيها ضد السكان الأصليين، وضد المهاجرين والأقليات، والفئات المهمشة فى مستوى من البجاحة السياسية التى تجعلها تمارس الاستعلاء على أخرين بقيم لا تعمل بها بدلاً من أن تعترف بجرائمها السابقة التى لم تحاسب عليها، أو تعتذر عنها، أو حتى تنفذ تقديرات الأمم المتحدة التى أقرت بالجرائم الأوروبية بحق الدول الأفريقية المستعمرة، وخاصة جرائم تجارة الرقيق التى قدرت الأمم المتحدة تعويضاتها للأفارقة بما يقرب 777 تريليون دولار وتكاسلت أوروبا عن دفعها تعويضاً للشعوب التى تضررت بسبب الممارسات الإجرامية لأوروبا طوال قرون.