كعادته دائماً يبحث عن الكنوز ويصطاد اللؤلؤ، يعشق الفن والتراث والتاريخ، فيقتفى أثر العمالقة ويطير فرحاً حين يعثر على نفحة من أثرهم ومقتنياتهم ونوادرهم، يعمل بروح الفنان ويستقصى بعقل ودأب ومهنية الصحفى المخضرم، فيمتعنا بانفراد بعد آخر وبموضوعات معتبرة تحمل توقيع الكاتب الصحفى الفنان وائل السمرى.
هكذا فعل زميلى وصديقى العزيز الكاتب الصحفى الكبير وائل السمرى ليقدم لنا تحفته وانفراده الجديد بانقاذ تراث الفنان الكبير الموسوعى الراحل سمير صبرى، والذى اكتشف بيعه إلى تجار الروبابيكيا ، حيث اشتراه السمرى وكتب إنفراداً صحفياً عن عملية إنقاذ هذا التراث وكيف انتشل من الضياع العديد من الوثائق والصور والأفيشات النادرة التى احتفظ بها الفنان الكبير طوال حياته ولكنها تسربت إلى تجار الروبابيكيا بعد وفاته، وهو ما يتخطى كونه انفراد صحفى إلى كونه مهمة إنقاذ وطنية لجزء من تراثنا الفنى.
دق وائل السمرى ناقوس الخطر وفتح الجراح من جديد وطرح مئات الأسئلة حول كيفية إنقاذ تراث النجوم والعمالقة الذى تصدمنا بين حين وآخر أخبار ضياعه أو العثور عليه مهملاً بين الروبابيكيا بعد أن يتخلى عنه أقارب النجم أو يقع فى يد من لا يعرف قيمته، وقد سبق وعثر السمرى على تراث المفكر الكبير زكى نجيب محمود ووثائقه النادرة وأرشيفه عند بائع روبابيكيا واشتراها بمبلغ 300 جنيه.
وخلال رحلتى التى استمرت ما يقرب من 5 سنوات فى بيوت عدد من كبار النجوم وعمالقة الفن والفكر والترتيل والأدب أثناء إجراء سلسلة حوارات ريحة الحبايب التى نشرت باليوم السابع، وأثناء الإعداد لكتابى فى بيوت الحبايب، أحزننى حجم المأساة التى يتعرض لها تراثنا الفنى ومقتنيات وكنوز كبار النجوم الذين شكلوا وعينا ووجداننا على مر الأجيال.
شاهدت كيف يمكن أن يضيع تراث فنان عظيم فى لحظة بسبب سوء التخزين كما حدث مع أرشيف وتراث الفنانة الكبيرة شويكار الذى هلك بسبب تخزينه فى بلكونة منزلها حتى قضت عليه الأمطار والرطوبة والشمس، وقبلها كان قد هلك تراث ومقتنيات عملاق الكوميديا فؤاد المهندس بكامله بسبب ماس كهربائى حدث بتكييف غرفته فاحترقت كل المقتنيات النادرة والصور والملابس والجوائز التى احتفظ بها طوال حياته ومات الفنان الكبيرة حزناً على هذا التاريخ الضائع، وكأن الزمن وحد بين مصير تراثه وتراث رفيقة عمره وفنه الجميلة شويكار.
اكتشفت خلال الرحلة مالا يمكن تصديقه وهو أن ما يقرب من نصف تراث صوت السماء الشيخ محمد رفعت لم ير النور ولم يصل لآذاننا، وأن حفيدته الحاجة هناء حسين التى جاوزت السبعين من عمرها تحاول وتسعى منذ سنوات طويلة لدى كل الجهات كى تعمل على تجهيز وإعداد هذا التراث ليرى النور، ولكن ولأن صوته النادر الذى لم يأت مثله موجود على اسطوانات قديمة ويحتاج لبعض المعالجات والتكلفة التى لم تستطع الحفيدة والأسرة استكمالها بعد أن بدأت فيها، وتنصلت معظم الجهات من تولى هذه المهمة بما فيها الإذاعة، لتبقى هذه الكنوز بين يدى الحفيدة تنتظر من ينقذها قبل أن يفرغ الأجل وتضيع هذه الثروة التى لا تقدر بثمن والتى حاولت بعض الدول شرائها، ولكن الحفيدة أصرت ألا تفرط فيها رغم كل الإغراءات تنفيذا لوصية جدها الذى كان يفضل دائماً أن يصدح صوته بالقرآن من مصر إلى كل العالم ورفض إغراءات كثيرة للسفر وتلاوة القرآن بالخارج.
وفى بيوت العديد من عمالقة الفن رأيت الأبناء يحتفظون بالكثير من مقتنيات آبائهم وأمهاتهم وصورهم النادرة وتراثهم الفنى ويعتزون به ولكن يبقى السؤال أين ستذهب هذه المقتنيات بعد رحيل الأبناء وهل وسيلة تخزينها تضمن عدم تعرضها للتلف؟! ، شاهدت ملابس الفنان محمد رضا أشهر معلم فى السينما المصرية التى ارتداها فى أشهر أدواره وكان حريصاً على تفصيلها بنفسه وعلبة الشوارب التى كان يحتفظ بها وينتقى منها ما يناسب الشخصية ، وصوره النادرة والعديد من مقتياته.
ورأيت سيناريوهات ورسومات بخط يد اسطورة الكوميديا الفنان الكبير عبدالمنعم مدبولى وملابسه التى ظهر بها فى العديد من أعماله ونظاراته وأقلامه ومنحوتات صنعها بيديه ووثائقه وصوره النادرة ، ومئات الصور النادرة للفنانة الكبيرة عقيلة راتب وزوجها المطرب الكبير حامد مرسى فى مراحل عمرية مختلفة، ووثائق ومذكرات بخط يد قيثارة السماء الشيخ النقشبندى توثق لكل أعماله وتحكى كواليسها، وتسجيلات نادرة بصوته فى رحلاته المختلفة.
رأيت العديد من فساتين ودروع وجوائز وصور الفنانة الكبيرة ماجدة التى تحتفظ بها ابنتها غادة نافع حتى أنها فكرت فى تحقيق أمنية والدتها بإنشاء متحف يضم هذه المقتنيات التى تمثل جزء هاماً من تاريخ السينما المصرية، مع عدد من صور نجوم جيلها، ولكن الإمكانيات الفردية لا يمكنها وحدها أن تؤهل لإنشاء متحف، وأبدت الابنة استعدادها لإهداء الدولة نسخة من تاريخ والدتها ومقتنياتها إذا ما تم إنشاء متحف للفنانين ، وشعرت بخطر شديد حين تعرض مكتب الفنانة والمنتجة الكبيرة ماجدة بعمارة الإيموبيليا للحريق بسبب "عقب سيجارة" كان يمكنه أن يقضى على جزء هام من تاريخ الفن فى مصر لولا السيطرة على الحريق.
شاهدت كنوزاً وأسراراً وصوراً ومقتنيات هامة فى مكتب سمراء النيل مديحة يسرى الذى آل لملكية ابن شقيقها خليل حبيب، الذى خصص هذا المكتب لجمع كل مقتنيات عمته التى كانت أشد الحرص عليها خلال حياتها ويحاول ابن شقيقها قدر ما يستطيع حفظها فى هذا المكتب، الذى يضم كنوزاً وأسراراً كثيرة عن سمراء النيل أجمل نساء الأرض، مئات الصور النادرة والوثائق والعقود التى توثق تاريخ عدد كبير من الأفلام التى مثلتها وأنتجتها مديحة يسرى بمشاركة العبقرى محمد فوزى خلال فترة زواجهما وشراكتهما فى شركة مصرفون والعديد من الاسطوانات النادرة المتبقية من هذه الشركة، وما تبقى من ملابس ظهرت بها سمراء النيل فى العديد من أعمالها ومن كلاسيكيات السينما وقد أوشك بعضها على التلف بفعل التخزين والزمن، وتمثال مديحة يسرى الشهير الذى ظهرت صوره على أغلفة المجلات وصنعه لها منذ أكثر من 70 عاما الفنان كمال جاويش أحد تلامذة محمود مختار، وصورة يعود عمرها إلى عمر التمثال حيث تم التقطها أثناء صنعه وجلوس مديحة يسرى أمام الفنان الذى نحته لها، بل ويحوى المكتب مئات الشرائط التى يزيد عددها عن 400 شريط جمعت فيها سمراء النيل تاريخها الفنى إضافة إلى شرائط تضم فترة 10 سنوات عملت فيها كمذيعة ومقدمة برامج فى إذاعة الكويت واستضافت فيها عدد من النجوم، وأرشيف مكتوب لهذه الحلقات، حيث كانت سمراء النيل شديدة الحرص على جمع كل ما يتعلق بتاريخها الفنى، ويضم المكتب أيضاً لوحات فنية مرسومة بيدها حيث كانت تهوى الرسم وتتلمذت على يد كبار الرسامين، وبالرغم من محاولات ابن شقيق سمراء النيل الحفاظ على هذا التراث وهذه الكنوز الضخمة وتخصيص مكتب لتخزينها إلا أن الحفاظ على هذه الكنوز من التلف يحتاج إمكانيات كبيرة ، فضلا عن مصير هذه الكنوز فى المستقبل وخاصة فى حالة رغبة الورثة فى إخلاء هذا المكتب لأى سبب، وبالطبع فى كل هذه الأحوال تبقى هذه المقتنيات والتاريخ الفنى العظيم حبيس هذه الجدران ويحرم منه عشاق سمراء النيل وفنها فى كل بقاع الأرض.
وائل السمرى مع مقتنيات سمير صبرى
وائل السمرى
وغير ذلك الكثير من مقتنيات وكنوز نجوم وعمالقة الفن والترتيل والإنشاد والفكر والأدب تحتاج من ينقذها ويجمعها ويحافظ عليها بالتواصل مع الورثة الذين قد لا يدرك بعضهم قيمة ما بحوزتهم من هذا التراث أو يود التخلص من بعضه، أو يرغب بعضهم فى التنازل عنه لجهة تحافظ لتخلد اسم وذكرى النجم، وكل هذا يحتاج إلى لجنة تكون مهمتها جمع هذه الكنوز والتراث والحفاظ عليه وتصنيفه ورعايته، وتخصيص مكان يصلح متحفاً كبيراً لعرض هذه المقتنيات والتراث النادر للجمهور المتعطش والمحب للفنون ولهؤلاء العمالقة، بدلاً من أن يتسرب هذ التراث لمن يشتريه أو من لا يعرف قيمته ونفقد معه جزء هاماً من تراثنا وكنوزنا وتاريخنا ، فى الوقت الذى تهتم فيه الكثير من الدول التى لا تملك ما نملكه بالقليل مما لديها وتقيم له المتاحف والمزارات ،أو تسعى للحصول على ما بحوزة ورثة هؤلاء الرموز من كنوز لاستغلاله.
وبعد أن أنقذ وائل السمرى تراث سمير صبرى من الضياع هل نجد من يتحرك لإنقاذ كنوز ومقتنيات وتراث مئات النجوم من عمالقة الفن الفكر الترتيل والإنشاد والثقافة قبل ضياعه؟
ماجدة
عبد المنعم مدبولى 1
الصحفية زينب عبد اللاه ومقتنيات مديحة يسرى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة