الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يتلو القرآن الكريم
أرمنت 1934
في مدينة أرمنت عام 1934– جنوب صعيد مصر – كانت في البلدة كلها جهاز استقبال راديو واحد فقط، كما يروى الكاتب الصحفى الراحل محمود السعدني في كتابه ألحان السماء، وكان أهل البلدة يجتمعون لدى صاحب الجهاز للاستماع إليه، ومن بين أهل البلدة، عبد الباسط عبد الصمد، فتىً صغير اختار أن يقطع مسافة نحو 5 كيلومترات من منزله مرتين كل أسبوع "يومى الثلاثاء والجمعة"، للاستماع إلى ذلك الصوت المنبعث من جهاز الراديو ليأخذه لعالم آخر وينقله إلى السماء صوت الشيخ محمد رفعت، ولم يكن يعلم أنه عما قريب سيكون هو من يستمع إليه أهل البلدة في الراديو.الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فى إحدى السهرات مع عدد من المقرئين
القدر يخدم عبد الباسط
وكأن القدر أراد أن يخدم هذا الطفل ويرفع عنه مشقة السفر والعيش بمفرده في بلد تبعد عن أهله مئات الكيلومترات، فأتى بالشيخ محمد سلم حمادة من طنطا إلى المعهد الديني بأرمنت، على الفور التحق "عبد الباسط" بالمعهد وراجع القرآن الكريم كاملاً عليه ثم حفظ الشاطبية التي هي المتن الخاص بعلم القراءات السبع، وكل ذلك ولم يكن عمره تجاوز 14 عامًا.بداية الموهبة
في المعهد الديني بأرمنت، اكتشف الشيخ محمد سليم حمادة، موهبة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وصوته العذب، فكان يصطحبه معه في الحفلات والسهرات، وسريعًا توالت عليه الدعوات لإحياء الليالى والسهرات، وكان أول حفل قرأ فيه الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وهو في سن 14 عامًا وتقاضى أجرًا عن الحفل 3 جنيهات، ثم توالت الحفلات في أرمنت والقرى المحيطة.الشيخ الراحل عبد الباسط عبد الصمد مع أبناءه
من السيدة زينب للعالمية
في عام 1950 قرر الشيخ عبد الباسط عبد الصمد السفر من مدينة أرمنت إلى القاهرة لزيارة السيدة زينب رضى الله عنها، حيث يحتفل المصريون بذكرى مولدها عدة ليالٍ، يتلون فيها القرآن الكريم وينشدون المديح، وفى إحدى ليالى المولد كان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يجلس داخل مسجد السيدة زينب، حيث يتنافس كبار قراء القرآن الكريم لجذب المستمعين إليهم، وبينما جميعهم يستريحون، إذا ببعض الناس ممن يعرفون الشيخ عبد الباسط، يدعونه للتلاوة في هذا الوقت القصير الذى لم يكن ليتجاوز 10 دقائق، فتقدم عبد الباسط وصعد إلى دكة التلاوة، وأخذ يتلو مما تيسر من كتاب الله، فإذا بصيحات الإعجاب من الحضور وكبار قراء القرآن الكريم الذين يستريحون إلى جواره تعلو ويتكدس المسجد بالدخل والخارج لتمتد هذه الدقائق العشر نحو الساعتين حتى أذان الفجر، فكانت البداية الحقيقية للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، حيث قرر وقتها ترك أرمنت والاستفرار في القاهرة، وسافر إلى أرمنت لإحضار زوجته وأطفاله للعيش معه في القاهرة، وكان قد تزوج الشيخ صغيرًا وهو في عمر 17 عامًا – كما يروى في لقاء إذاعى سابق - .
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد عقب صلاة الجمعة بمسجد الإمام الشافعى
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فى زيارته لإحدى الدول
الإذاعة .. العشق الأول
بعد الشهرة الواسعة التي حققها الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، في القاهرة، حيث توالت عليها الليال والسهرات لإحيائها، أشار عليه الشيخ علي الضباع شيخ القراء وشيخ عموم المقارئ المصرية وقتها، التقدم بأوراقه للالتحاق بالإذاعة، تقدم الشيخ عبد الباسط للإذاعة في عام 1952 وقبلته الإذاعة على الفور، وأصبحت تذيع له تلاوات، حتى قيل أن انضمام الشيخ عبد الباسط عبد الصمد للإذاعة كان سببا في إقبال الناس على شراء الراديو للاستماع إلى صوته، ووصل أجره – بحسب الكاتب الصحفي الراحل محمود السعدني – في ذلك الوقت إلى 12 جنيها كل نصف ساعة، ووصل أجره في الليلة 100 جنيه، ثم ذاع صيته في كل مكان وقفز أجره إلى 200 جنيه ثم 300 جنيه.صوت مكة
بعد اعتماده في الإذاعة عُيّن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، قارئًا للسورة بمسجد الإمام الشافعي سنة 1952، ثم لمسجد الإمام الحسين سنة 1958 خلفًا للشيخ محمود علي البنا، وسافر الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، إلى السعودية لأداء فريضة الحج بصحبة والده، وطلبت منه الحكومة السعودية تسجيل عدة تلاوات للمملكة تذاع عبر موجات الإذاعة، وسجل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد عدة تلاوات أشهرها التى سجلت بالحرم المكى والمسجد النبوى الشريف، ولقب بعدها بـ"صوت مكة"، و"صاحب الحنجرة الذهبية".
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يتلقد الأوسمة التى حصل عليها
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ مصطفى إسماعيل
أول نقيب لقراء القرآن الكريم
في أواخر السبعينيات اجتمع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وعدد من كبار قراء القرآن الكريم، لبحث إمكانية إنشاء نقابة خاصة بهم تكون مظلة حماية لهم وتدافع عن المهنة من المندسين، وبعد مداولات وتحركات للحصول على تصريح إنشاء النقابة، تم بالفعل إنشاء النقابة أول نقابة لقراء القرآن الكريم في مصر عام 1984، ووقع الاختيار وقتها على الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ليكون أول نقيب للقراء.
رحيل صوت السماء
في مثل هذا اليوم 30 نوفمبر 1988، شهدت مصر والعالم الإسلامي حالة من الحزن العام، حيث غيب الموت صوت عموم المسلمين وصاحب الحنجرة الذهبية صوت السماء الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وشيعت جنازته إلى مقابر الأسرة بالبساتين وحضرها عدد من سفراء دول العالم في القاهرة نيابة عن دولهم.الشيخ عبد الباسط عبد الصمد يعزف على العود
ماسبيرو 2020
قبل عامين أهدت أسرة الشيخ الراحل عبد الباسط عبد الصمد، للإذاعة المصرية القرآن الكريم كاملاً ومسجلاً للشيخ الراحل، برواية ورش عن نافع، وهى ختمة سٌجلت فى دولة المغرب بناء على طلب الملك الحسن الثانى الذى أهداها لروح والده الملك محمد الخامس عام 1986 أي قبل وفاة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بعامين، فى مدة لم تتجاوز 13 يوما الذى حضر تسجيلها الشيخ زرق خليل حبة، شيخ عموم المقارئ المصرية في ذلك الوقت، وأحضر الشيخ نسخة من التسجيل على شرائط ريل "ربع بوصة" وأعيد الاستماع اليها من المشايخ رزق خليل حبة والشيخ محمود طنطاوى والشيخ محمود برانق وتم مراجعتها وأرسلت لتذاع بالإذاعة والتليفزيون الرسمى بالمملكة المغربية .الشيخ الراحل عبد الباسط عبد الصمد مع أبناءه
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد فى زيارته لإحدى الدول