ملك البحرين فى الحفل الختامي : مشاركة شيخ الأزهر والبابا فرانسيس فى الملتقي تعكس حرصهما علي إثراءه
الإمام الأكبر: الغرب بحاجة إلى حكمة الشرق وأسواقه وسواعد ابنائه وموارده .. والشرق مطالب بـ" الفهم المتسامح" لمدنية الغربيين
الطيب يرد علي تصريح "الحديقة الأوروبية" لـ"جوزيب بوريل": يعكس جهلا واضحاً بتاريخ الشرق
البابا فرانسيس فى حفل الختام : الإنسان المتدين رجل سلام .. ونشاهد اليوم سيناريو مأساوي نلعب فيه بالنار والصواريخ والأسلحة التي تغطي بيتنا المشترك بالرماد والكراهية
بعد سلسلة من المناقشات الهادفة لنشر التعايش السلمي، شهد ميدان صرح الشهيد بمملكة البحرين مراسم الحفل الختامى لـ متلقى البحرين للحوار، والذى عقد على يومين تحت عنوان "الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني"، وذلك بمشاركة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وفضيلة الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة بابا الفاتيكان البابا فرانسيس.
وشهد الحفل الختامي، صباح الجمعة، مشاركة الملك لكل من شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان فى زراعة نخلة، تعبيراً عن رسائل الأخوة والمحبة التى شهدتها جلسات ملتقى البحرين على مدار اليومين الماضيين.
وفى كلمته، قال الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، إن مشاركة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان، تعكس حرصهما على إثراء ملتقى البحرين للحوار وإنجاح هذه المبادرة، لافتا إلى أن اهداف الملتقى تتفق مع ما تسعى إليه مملكة البحرين لخير البشرية ورفعتها لينعم كل إنسان بالحياة الكريمة والمطمئنة فى عالم أكثر استقراراً وأمناً.
وأضاف الملك: "يطيب لنا أن نعرب للجميع عن حرصنا واهتمامنا الكبير برعاية هذا التجمع العالمى الهام، إيماناً منا بالدور المؤثر للقيادات الدينية، وأصحاب الفكر، وأهل الاختصاص فى معالجة مختلف التحديات والأزمات التى تواجهها مجتمعاتنا لمزيد من السلام والاستقرار".
وأعرب الملك فى كلمته عن تفاؤله بنتائج الملتقى، قائلاً: "لقد تابعنا جميعاً، وبكل اهتمام، مداولات الملتقى ونقاشاته، وإننا لننظر إلى مخرجاته وتوصياته القيّمة، بعين التفاؤل وبكثير من الأمل، كخير دليل لتقوية مسيرة الأخوة الإنسانية، التى هى بحاجة ماسة، أكثر من أى وقت مضى، لإحياء سبل التقارب والتفاهم بين جميع أهل الأديان والمعتقدات كمدخل أساسى لإحلال التوافق محل الخلاف، وإرساء الوحدة محل الفرقة".
وتطرق ملك البحرين فى كلمته إلى الحرب الأوكرانية الدائرة منذ 24 فبراير الماضى، قائلاً: تحتم علينا الأوضاع الراهنة، ونحن نعمل، يداً بيد، لتحقيق أمل المستقبل المزدهر، بأن نتوافق أولاً على رأى واحد لوقف الحرب الروسية الاوكرانية وبدء مفاوضات جادة لخير البشرية جمعاء، والبحرين على أتم الاستعداد لتقديم ما يتطلبه هذا المسعى".
الإمام الأكبر خلال كلمته فى حفل ختام ملتقي البحرين للحوار
من جانبه ، علق فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ، شيخ الأزهر ، على تصريح سابق لمنسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قال خلاله إن "أوروبا حديقة وما حولها أدغال"، معتبراً أن مثل تلك التصريحات "غير المدروسة"، تعكس جهلاً واضحاً بحضارات الشرق.
وحرص الإمام الأكبر على التعليق على تصريح بوريل السابق دون أن يسميه ، قائلاً: منذ أيام قليلة فقط سمعنا تصريحات لأحد كبار المسؤولين الغربيين يقول فيها ما معناه: أن أوروبا حديقة غناء، والعالـَم من حولها أدغال وأحراش، ومثلُ هذه التصريحات غير المدروسة إن دلت على شيء فإنما تدل على جهل واضح بحضارات الشرق، وبتاريخها الذي يضربُ بجذوره إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وليس إلى ثلاثمائة أو أربعمائة عام فقط.
وتحدث الدكتور أحمد الطيب خلال كلمته عن ضحايا حروب "اقتصاد السوق"، قائلاً إن احتكار الثروات وجشع التملك والاستهلاك وتجارة الأسلحة الثقيلة والفتاكة وتصديرها لبلدان العالم الثالث وما يلزم ترويجها من تصدير للنزاع الطائفي والمذهبي وتشجع الفتن وزعزعة الاستقرار.
ورغم انتقاده لبعض السياسات الغربية، فإن الإمام الأكبر قال فى كلمته إن المخاوف التي تساور نفوس الشرقيين من الحضارة الغربية، تساور وبالقدر ذاته عقول نخبة متميزة من مفكري الغرب وكبار قادته، حيث أدرك بعضهم أن السياسة الغربية لم تعد مجدية فى معالجة الأزمات العالمية لما تتسم به من "تشنجات قائمة على استعراض عضلات السلاح المدمر الذي يهدد الإنسانية"، مقترحاً أن تحل الثقافة محل السياسة فى العلاقات الدولية لما للثقافة من قدرة علي فهم الإنسان واستيعاب أبعاده المتعددة ، جسداً وروحاً وعقلاً ووجداناً.
وتطرق الإمام الأكبر فى كلمته إلى حاجة الغرب والشرق لبعضهما البعض، قائلاً إن الغرب فى حاجة إلى حكمة الشرق وأديانه وما تربي عليه الناس ونظرة متوازنة إلى الإنسان والكون وخالق الكون ، وكذلك يحتاج إلى أسواق الشرق وسواعد أبنائه في مصانعه فى أفريقيا وآسيا وغيرهما، وهو فى حاجة إلى المواد الخام المكنوزة فى أعماق القارتين، والتي لولاها ما وجدت مصانع الغرب ما تنتجه.
وأضاف: كما يجب علي الشرقيين أن ينظروا إلى الغرب نظرة جديدة فيها شئ من التواضع وكثير من حسن الظن والشعور بالجار القريب والفهم المتسامح لمدنية الغرب وعادات الغربيين بحسبانها نتاج لظروف وتطورات وتفاعلات خاصة بهم دفعوا ثمنها غالياً عبر قرون عدة.
وحرص الإمام الأكبر علي توجيه نداءً إلى علماء الأديان والمفكرين والإعلامين ، وطالبهم ببذل المزيد من الجهد فى تربية النشء وتثقيف الشباب بمشتركات الأديان وتحويلها إلى برامج علمية وتربوية معاصرة تعلم الشباب بأن الحياة فى فلسفة الأديان تتسع للمخالف فى الدين والعرق واللون واللسان، وأن تنوع الثقافات يثري الحضارة الإنسانية ويبني السلام المفقود.
وفي ختام كلمته ، دعا الإمام الأكبر لوقف الحرب الأوكرانية ، قائلاً: "بهذه المناسبة ومن هذا الملتقى الذي يحتضن حوار الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني فإنني أضم صوتي إلى صوتِ محبي الخير ممن يدعون إلى السلام ووقف الحرب الروسية الأوكرانية، وحقن دماء الأبرياء ممن لا ناقة لهم ولا جمل في هذه المأساة، ورفع راية السلام بدلًا من راية الانتصار، والجلوس إلى دائرة الحوار والمفاوضات، كما أدعو إلى وقف الاقتتال الدائر في شتى بقاع الأرض "لإعادة بناء جسور الحوار والتفاهم والثقة" من أجل استعادة السلام في عالم مثخَن بالجراح؛ وحتى لا يكون البديل هو المزيد من معاناة الشعوب الفقيرة، والمزيد من العواقب الوخيمة على الشرق والغرب معًا".
البابا فرانسيس فى ضيافة الملك حمد بن عيسي بقصر الصخير
بدوره، حرص البابا فرانسيس بابا الفاتيكان خلال كلمته على التأكيد علي أن وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي ، بإمكانها أن تجنب العالم بحر الصراعات ، وتدشن طريقاً للقاء مثمر بين الغرب والشرق من خلال رفض "الفكر العازل"، والسعي إلى تسوية الخلافات من أجل خير الجميع.
واستشهد البابا فرانسيس فى كلمته باسم مملكة البحرين ، قائلاً: "أن المثل القديم يقول ما تقسمه الأرض يوحده البحر.. وكوكب الأرض، إذا نظرنا إليه من الفضاء، يبدو وكأنه بحر أزرق واسع، يربط بين شواطئ مختلفة. من السماء، يبدو أنها تذكرنا بأننا عائلة واحدة: لسنا جزرًا، بل نحن مجموعة واحدة كبيرة من الجزر. هكذا يريدنا الإله العلي. وهذا البلد، مجموعة جزر مكونة من أكثر من ثلاثين جزيرة، يمكن أن يكون رمزا لهذه الإرادة الإلهية".
وأضاف بابا الفاتيكان : رغم ذلك ، نحن نعيش في أوقات فيها البشرية، المرتبطة بعضها مع بعض كما لم تكن من قبل، تبدو أكثر انقساما، وغير متحدة. يمكن أن يساعدنا اسم "البحرين في متابعة تفكيرنا: "البحران" اللذان يشير إليهما هما المياه العذبة في ينابيعها الجوفية، ومياه الخليج المالحة. كذلك، نجد أنفسنا اليوم أمام بحرين متعارضين في مذاقهما: من ناحية، العيش المشترك، بحر هادئ وعذب، ومن ناحية أخرى، البحر المرير من اللامبالاة، وتشوبه العلاقات، التي تثيرها رياح الحرب، وأمواجه المدمرة والمضطربة بشكل متزايد، والتي تهدد بهلاك الجميع.
واستطرد البابا فرانسيس : للأسف، الشرق والغرب يشبهان بصورة متزايدة بحرين متخاصمين. لكن، نحن هنا معا لأننا عازمون على الإبحار في البحر نفسه، واختيارنا هو طريق اللقاء، بدلا من طريق المواجهة، وطريق الحوار الذي يشير إليه هذا المنتدى: "الشرق والغرب من أجل العيش الإنساني معا".
وتابع البابا فرانسيس فى كلمته : "غالبية سكان العالم يجدون أنفسهم موحدين بنفس الصعوبات، ويعانون، أزمات خطيرة، في الغذاء والبيئة والوباء، بالإضافة إلى العبث المتزايد بكوكبنا، ومن ناحية أخرى، عدد قليل من أصحاب السلطان يتركزون في صراع حازم من أجل المصالح الخاصة، يحيون اللغات القديمة (لغات الحرب)، ويعيدون رسم مناطق النفوذ والكتل المتعارضة.. وهكذا يبدو أننا نشاهد سيناريو مأساوي فبدلا من أن نعتني ونهتم بالكل، نلعب بالنار، وبالصواريخ والقذائف، وبأسلحة تسبب البكاء والموت، وتغطي البيت المشترك بالرماد والكراهية.
وحصر بابا الفاتيكان التحديات التي تواجه التقارب بين الشرق والغرب فى 3 تحديات ، هي الصلاة والتربية والعمل، فالصلاة ، معتبراً أنها أمر أساسي لتطهير النفس ، فالإنسان المتدين، إنسان السلام، هو الذي يسير مع الآخرين على الأرض، ويدعوهم بلطف واحترام إلى أن يرفعوا نظرهم إلى السماء، لكن لتحقيق ذلك هناك مقدمات لابد منها وهي الحرية الدينية ، فيقول إعلان مملكة البحرين إن "الله هدانا إلى عطيته الإلهية، عطية حرية الاختيار"، "فلا يمكن لأي شكل من أشكال الإكراه الديني أن يقود الشخص إلى علاقة لها معنى مع الله"، فكل نوع من الإكراه يتنافى مع جلال الله وقدرته.
وعن التربية ، قال قداسة البابا فرانسيس إنها سلوكاً يخص العقل ، فالجهل ـ كما نص إعلان مملكة البحرين ـ عدو السلام، فحينما تنقص فرص التعليم، يزداد التطرف وتتجذر الأصولية. وإن كان الجهل عدو السلام، فإن التربية صديقة للتنمية، شرط أن تكون تعليما يليق حقا بالإنسان.
أما التحدي الثالث ، فحدده بابا الفاتيكان ، وهو العمل علي نبذ الفرقة والتطرف ، دون الاكتفاء بالافكار والنظريات ، قائلاً إن الإنسان مطالب بأن يقول بقوة "لا" للحرب التي هي تجديف على الله، واستخدام العنف. ويترجم هذا الـ "لا"، بصوة متسقة في العمل، لأنه لا يكفي أن نقول إن هذه الديانة مسالمة، بل من الضروري أن ندين ونعزل من ينتهجون العنف، والذين يسيئون إلى اسم الدين ولا يكفي حتى أن نبتعد عن التعصب والتطرف، بل يجب العمل في الاتجاه المعاكس. لذلك يجب وقف دعم الحركات الإرهابية بالمال أو بالسلاح أو التخطيط أو التبرير، أو بتوفير الغطاء الإعلامي لها، ويجب اعتبار ذلك من الجرائم الدولية التي تهدد الأمن والسلم العالميين، ويجب إدانة ذلك التطرف بكل أشكاله وصوره".
وقال البابا إن الإنسان المتدين هو رجل سلام ، يعارض السباق إلى التسلح، وشؤون الحرب، وسوق الموت، ولا يدعم "التحالفات ضد أحد ما"، بل يدعم طرق اللقاء مع الجميع ويسلك طريقا واحدا فقط، هو طريق الأخوة والحوار والسلام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة