"لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، ولم تتوان يومًا في التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وإنها لجديرة بكل تقدير"، هكذا وصف السلطان الراحل قابوس بن سعيد سلطان عُمان مكانة مصر، في خطاب له إبان العيد القومي للسلطنة عام 1984، وكانت تلك الكلمات حجر الزاوية فى ترسيخ أركان العلاقات المصرية العمانية، التى لا يمكن إيجازها التعبير فى سطور، فهى علاقات ممتدة لعشرات السنوات وتحمل فى طياتها الكثير من التفاصيل والخصوصية
وتعبيرا عن أهميةتلك العلاقات، احتفت سفارة سلطنة عمان بالقاهرة ، الأربعاء ، بعيد السلطنة الثانى والخمسين، والذى يتزامن مع مرور 50 عاما على تدشين العلاقات الدبلوماسية بين مصر وسلطنة عمان.
أقيم الحفل برعاية سفير سلطنة عمان فى القاهرة عبد الله بن ناصر الرحبى، ومشاركة عدد من السفراء والدبلوماسيين وكبار الشخصيات العامة والمثقفين والسياسيين بالبلدين.، وتخلله كلمات مسجلة لوزير الخارجية سامح شكرى ووزير خارجية عُمان بدر بن حمد البوسعيدي .
وشهد أيضا الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الاثنين الماضى، فعاليات الاحتفالية التي أقيمت بالمتحف القومي للحضارة المصرية، بمناسبة العيد الوطني الثاني والخمسين لسلطنة عُمان، ومرور خمسين عاماً على بدء العلاقات المصرية – العُمانية، وذلك بحضور عدد من الوزراء، ومحافظي القاهرة والجيزة، وعدد من سفراء الدول والمسئولين.
وأشاد مدبولى بقوة ومتانة تلك العلاقات على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، قائلا:"شهدنا معاً على مدار التاريخ مواقف وأحداثاً دللت جميعها على متانة الوشائج التي تربطنا سوياً". كما نظمت سفارة مصر في سلطنة عمان، بالتنسيق مع وزارة الخارجية العمانية وتحت رعاية الشيخ خليفة الحارثي وكيل وزارة الخارجية للشئون الدبلوماسية، احتفالية ثقافية بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية سامح شكرى، فى كلمته المسجلة؛ إن مصر وسلطنةعمان تجمعهما علاقات أخوية وتنسيق عالى المستوى يظهر من خلال الزيارات المتبادلة وكان آخرها زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السلطنة فى يونيو الماضى، ولقائه بأخيه السلطان هيثم بن طارق وهو اللقاء الذى ساده الود والتفهم الأخوى.
أضاف شكرى ، أنه ثبت خلال تلك الزيارة والموضوعات ذات الاهتمام المشترك التى طُرحت للنقاش بين القيادتين ، ومن خلال العدد الكبير من مذكرات التفاهم التى تم توقيعها على هامش تلك الزيارة أيضا، تقارب الرؤى بين قيادتى البلدين وحرصهما الواضح على دعم مسيرة العلاقات بين الدولتين، فى كافة المجالات.
واستطرد شكرى؛ قائلا إن الاحتفاء بمرور 50 سنة على تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يُعد شاهدا جديدا على أهمية العلاقات الثنائية و اعتزاز البلدين بتلك العلاقات، والعزم المشترك على تطويرها فى المجالات كافة سواء سياسية واقتصادية وتكنولوجية؛ والمضى قُدما بتلك العلاقات نحو آفاق أرحب.
كما أشاروزير الخارجية، إلى الاهتمام الكبير والرعاية التى تحظى بها الجالية المصرية فى سلطة عُمان.
قواسم مشتركة
قال وزير خارجية سلطنة عمان بدر بن حمد البوسعيدي؛ فى كلمة مسجلة تم عرضها خلال الاحتفال بالعيد الوطنى للسلطنة وبمرور 50 سنة على العلاقات بين مصر والسلطنة؛ إن علاقاتنا الطيبة مع مصر تمضى بإرادة سياسية واعية ومدركة لقواسم مشتركة تجمع البلدين والشعبين الشقيقين.
وتربط مصر وعمان علاقات وأواصر قوية منذ فجر التاريخ ما قبل 3500 عامًا، امتدت تلك العلاقات ما بين التجارية والسياسية والاستراتيجية؛ فضًلا عن الروابط الاجتماعية والثقافية، فكانت العلاقات مشهود لها بالاحترام والتقدير من قبل الدولتين.
وأكد أن هذا النهج قد وضعه السلطان قابوس حينما قال عن مصر "لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس في بناء الكيان والصف العربي، وهي لم تتوان يومًا في التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها لجديرة بكل تقدير".
وشدد البوسعيدى، على استمرارية تلك العلاقات بنفس قوتها التى تستمدها من حضارة البلدين وتستمد من العروبة هويتها وتسود بروحها الطيبة دائما وستبقى البلدان دعما لبعضهما البعض.
رؤية 2040
ومن جانبه أكد سفير سلطنة عمان بالقاهرة السفير عبدالله الرحبى، أن مصر والإمارات تجمعهما علاقات أخوية على كافة الأصعدة ؛ مضيفا بأن تلك العلاقات أصلها ثابت بثبات جذورها منذ عهد القدماء المصريين، و مستمرة في التطور ترفرف عليها روح المحبة وترويها ينابيع التعاون المشترك، وقال السفير إننا نبدأ عاما جديدا يضاف للمسيرة المتميزة والراسخة للعلاقات العمانية المصرية.
أضاف الرحبى، فى كلمته خلال الاحتفالية؛ أن الحكمة والاتزان كانت دائما عنوان للعلاقات بين البلدين، وتمتد تلك العلاقات بثقة وثبات فى ظل القيادة السياسية الحكيمة للبلدين.
وألمح الرحبى إلى زيارة الرئيس السيسى التى قام بها إلى سلطنة عمان فى يونيو الماضى، ولقائه مع السلطان هيثم بن طارق وما مثلته تلك الزيارة من رمزية كبيرة لعمق العلاقات، وما أعطته من دفعة قوية لتلك العلاقات بين البلدين.
وأشار السفير العُمانى، إلى أن ثمار تلك الزيارة نشهدها فى الزيارات المتبادلة لرجال الأعمال وتوقيع اتفاقيات التعاون بين البلدين فى المجالات الصناعية والسياحية والاقتصادية.
وعلى صعيد التعاون بين البلدين، قال الرحبى إن مجالات التعاون تزداد يوما تلو الآخر، فخلال قمة المناخ التى عُقدت مؤخرا فى مدينة شرم الشيخ، تم توقيع مذكرة تفاهم مشتركة بين مصر وسلطنة عمان مثلة فى جهاز الاستثمار العُمانى وأكوا باور السعودية للاستثمار فى مشروع طاقة الرياح بالسويس، بحجم استثمارات تبلغ 1.5مليار دولار، يمتلك الجهاز العمانى فيها 10%، وأعرب عن أمنياته أن تكون تلك الشراكات زادا جديدا لمزيد من النمو للعلاقات بين الشقيقتين مصر وسلطنة عمان .
وثمن السفير العُمانى ما تقدمه الدولة المصرية ممثلة فى الحكومة من رعاية وتسهيلات للطلاب ولرجال الأعمال العُمانيين أيضا.
ومن جهة ثانية، تطرق السفير العُمانى إلى ما تشهده سلطنة عُمان من تطور كبير على مختلف الأصعدة ، والخطط التى تسير فى طريق تنفيها تحت رعاية السلطان هيثم بن طارق وصولا لتحقيق رؤية السلطنة 2040، والتى تعد رؤية واعدة تستشرف المستقبل وتتطلع إلى مزيد من التطور وتحقيق مزيد من الإنجازات وفق منظومة عمل طموحة تُسهم في صياغتها كل شرائح المجتمع العُمانى، و إننا نمضى بقوة نحو تنفيذ الاستراتيجيات الممكنة تحقيقا لتلك الرؤية.
وأضاف الرحبى ، إننا نحتفى أيضا بما تحقق من تقدم كبير فى مسيرة نهضتنا المتجددة بقيادة السلطان هيثم بن طارق الذي أكد على سعيه الدؤوب لتعزيز مكانة الدولة العصرية والحضارية والاقتصادية وأن يكون العُماني شريكا حقيقيا في التنمية الشاملة.
إن استشراف السلطان، لمستقبل السلطنة انعكس إيجابًا على تكامل وتناغم عمل المؤسسات والوحدات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني وهو ما ظهرت نتائجه جليا من منجزات ماثلة للعيان في مختلف المجالات اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
فجاء قرار إعادة هيكلة مجلس الوزراء في الـ16 من يونيو الماضي ليؤكد حرصه على متابعة الجهود المبذولة في تجويد الأداء الحكومي لوحدات الجهاز الإداري للدولة تحقيقًا لرؤية عُمان 2040 بالإضافة إلى إنشاء مجلس أعلى للقضاء برئاسته تكريسًا لنظام قضائي ناجز وتحقيق أرفع المعايير في العدالة والنزاهة والشفافية وتماشيًا مع أهداف وركائز رؤية عُمان 2040 وتوحيد جهات التقاضي والادعاء العام في منظومة قضائية واحدة.
ثم جاء قرار إضافة ولايتين جديدتين إلى التقسيم الإداري لسلطنة عُمان، وذلك برفع المستوى الإداري لكل من نيابتي الجبل الأخضر وسناو، لتكونا بمستوى ولايتين، وليصبح عدد ولايات سلطنة عُمان 63 ولاية لجذب الاستثمارات إليها وتنمية مواردها والارتقاء بالخدمات والأنشطة فيها. كما أن مواصلة السلطان عقد لقاءات مباشرة مع شيوخ ورشداء وأعيان سلطنة عُمان تحمل دلالات عميقة أبرزها حرصه على الاستماع المباشر لاحتياجات ولاياتهم ومحافظاتهم رغم وجود مؤسسات وأركان الدولة العصرية مثل مجلس عُمان الذي يضطلع بالجانبين التشريعي والرقابي والمجالس البلدية التي تقوم بأدوار تنموية وخدمية في كل محافظة.