تعد المدن الجديدة في مصر استراتيجية قومية تهدف إلى إحداث التنمية الشاملة، عبر إعادة توزيع السكان وتحديث الخريطة السكانية والعمرانية. وتقوم الدولة المصرية حاليًا بتطوير سياسة عمرانية وطنية؛ بهدف تعزيز الرفاه الاجتماعي، وخلق فرص للتنمية الاقتصادية المستدامة، وتوفير بيئة عمرانية أفضل للجميع، ومعالجة المشكلات الناشئة عن تكدس النمو السكاني والنشاط الاقتصادي.
وكشفت دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات الأهمية والدافع وراء التوسع في إنشاء المدن الجديدة المصرية، كوسيلة لاستيعاب الزيادات السكانية، وتمثل كذلك وسيلة لإحداث تنمية شاملة في كافة أرجاء الجمهورية، والتوسع في بناء ظهير عمراني وخدمي وتجاري وسياحي جديد يستوعب الزيادة السكانية المطردة.
التنمية العمرانية في مصر ضرورة تنبع من حاجة ملحة
تشير التوقعات أن يبلغ معدل الزيادة المتوقعة في عدد السكان من 100 مليون إلى 160 مليون نسمة بحلول عام 2050، وفقاً لآخر الإحصائيات السكانية للأمم المتحدة (UN Data, 2019) وكانت إحدى أهم نتائج هذا التشخيص أنه على الرغم من الانطباع العام بشأن الازدحام المفرط، فمن المتوقع أن يفوق عدد سكان الحضر في مصر عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية لأول مرة في عام 2041، بحلول ذلك الوقت سيعيش 69 مليون شخص مصري في المناطق الحضرية.
يبلغ عدد المدن المصرية نحو 223 مدينة يسكنها 43.1% من السكان، يتركز 56% منهم في منطقة القاهرة الكبرى ومحافظات الإسكندرية. ويمثل إقليم القاهرة الكبرى أكبر منطقة حضرية في القارة الأفريقية، وهو المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي في مصر، مع وجود أكثر من 19 مليون نسمة يمثلون نحو 20% من سكان البلاد.
جدير بالإشارة أن معدل النمو الحضري السنوي الحالي في مصر يبلغ 2%، بما يعني أن المدن المصرية يجب أن تستوعب ما يقرب من مليون مواطن جديد (كل عام تقريبًا)، فقد شهدت القاهرة وحدها نصف مليون ساكن جديد في عام 2017، مما يجعلها المدينة الأسرع نموًا في العالم. وتشير الخريطة التالية إلى سرعة التحول الحضري على مدى الثلاثين سنة الماضية.
الأثار الاقتصادية للتوسع في إنشاء المدن الجديدة في مصر
تشير الأدبيات الاقتصادية إلى أن عملية التحول إلى مدن عالية الكثافة السكانية تسهم في: تنشيط النمو الاقتصادي، وإتاحة الوصول إلى بنية تحتية عالية الجودة، واستخدام للموارد الطبيعية بشكل أفضل. ومن هذا المنطلق، تنطلق الحكومة المصرية نحو التوسع في إقامة المجتمعات العمرانية الجديدة بوصفها الحل الناجع لكل مشاكل مصر العمرانية. ومنذ أن خُطِطَ لإنشائها في السبعينيات من القرن الماضي، بهدف توزيع النمو العمراني بشكل أكثر توازنًا عبر الأراضي الصحراوية الشاسعة في مصر، توالى ظهور هذه المجتمعات المخططة من قبل الدولة واحدة تلو الأخرى في جميع أنحاء الجمهورية.
وتستهدف الدولة المصرية ثلاثة مستهدفات رئيسة: أولها هو أن قطاعات العقارات والإنشاءات سوف تؤدى إلى تحفيز النمو الاقتصادي، وثانيها هو أن مبيعات الأراضي سوف تحقق فوائض مالية، وثالثها هو أن المساكن الجديدة سوف تحل أزمة الإسكان. والفلسفة التي تكمن وراء هذا النهج الحكومي هي أن القطاع يسهم بأكثر من 25% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات 6 الماضية.
وينظر إلى قطاع التشييد والبناء في مصر بوصفه قاطرة للنمو والتنمية؛ نظرا إلى دوره في نمو القطاعات المغذية الأخرى والمستهلكة لمنتجاتها، بالإضافة إلى قدرته على استيعاب العمالة وخاصة العمالة غير الماهرة أو المدربة، فبحسب الدراسات الاقتصادية أن كل فرصة عمل في القطاع توفر حوالي 7 فرص للعمل في القطاعات الأخرى. حيث يعمل في هذه الصناعة أكثر من 3.5 مليون عامل على مستوى الجمهورية بصفة مباشرة، وهذا بخلاف الوظائف المؤقتة وغير المباشرة والتي يتم توفيرها.
وبالتالي سيكون تطوير مدن الجيل الرابع في جميع أنحاء الجمهورية بما في ذلك (مدينة المنصورة الجديدة، العاصمة الإدارية) محركًا رئيسًا لأنشطة البناء في السنوات القادمة. ومن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى رفع القدرة التنافسية للسوق المحلية وتحسين مستويات المعيشة وخلق فرص العمل.
المنصورة الجديدة كنموذج للتنمية الشاملة
تأتي المنصورة الجديدة كإحدى مدن الجيل الرابع التي تتوسع فيها الدولة حاليًا بإنشاء أكثر من 30 مدينة على ذات النمط، وقد تم إطلاق المخطط في عام 2017 ليبدأ العمل بها في بداية مارس عام 2018. وتتميز تلك المدينة بكونها تمثل امتدادًا قويًا لمدن الدلتا المزدحمة بالسكان، وفي حاجة ماسة إلى التوسع العمراني لاستيعاب الزيادات السكانية المتلاحقة.
وتم اختيار الموقع ليتوسط تجمعات ذات ثقل سكاني وقاعدة اقتصادية؛ بحيث تحقق التوازن والتنمية الشاملة لمنطقة الدلتا. ومن هذا المنطلق، تم التخطيط لأن تستوعب تلك المدينة أكثر من 600 ألف نسمة، هذا وتحتوي المدينة على عدد من الخدمات المتنوعة، بداية من توافر الخدمات التعليمية وذلك عبر إنشاء جامعة أهلية وهي جامعة المنصورة الجديدة للعلوم والتكنولوجيا. بالإضافة إلى عدد من المدارس العامة والدولية أيضًا، ويضم مخطط المدينة عدة مشروعات سكنية، مختلفة الفئات كـ: (إسكان سياحي، وإسكان الفيلات، وإسكان متوسط، وإسكان اجتماعي).
ختامًا؛ يجب الاعتراف بأن التوسع العمراني يمثل قوة دافعة مهمة للتنمية الشاملة في مصر؛ فعلى سبيل المثال توجد 80٪ من فرص العمل في المدن؛ وتسهم القاهرة والإسكندرية وحدهما بأكثر من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمصر. فقد نجحت تلك المدن في جذب الشركات والاستثمارات، مع إمكانيات مستقبلية أكبر. ويمكن أن تساعد الروابط القوية بين المدن كمراكز اقتصادية والمناطق الريفية في ضمان استفادة الجميع من ثمار التوسع الحضري.
وأخيرًا، يجب أن تضمن التنمية الحضرية والتخطيط العمرانية قدرًا من التكامل والتنافس والتواصل بين المدن؛ من أجل تعزيز قدرتها التنافسية الدولية والوطنية. من خلال معالجة هذه القضايا، ستستطيع السياسة العمرانية الوطنية لمصر توجيه المدن المصرية إلى نظم أكثر كثافة وتكاملًا. وسيؤدي ذلك بدوره إلى تأمين نظام أكثر توازنًا تصبح فيه المدن عامل تمكين للنمو الاقتصادي وارتفاع مستويات المعيشة للجميع.