شارك الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اليوم الخميس، في منتدى الاقتصاد العربي، والذي يحمل عنوان، "لبنان: الطريق إلى النفط"، والذى ينعقد في العاصمة اللبنانية بيروت.
وقال أبو الغيط خلال كلمته أمام المنتدى، إن يكتسب أهميته من حجم التحديات الراهنة التي تواجه لبنان، وأيضاً من الآمال الكبار المعقودة على خطواته القادمة على مسار الإصلاح الاقتصادي والمالي، خاصة بعد نجاحه في التوصل لـ اتفاق حول ترسيم حدوده البحرية الجنوبية فى لبنان، بما يسمح له باستغلال ثرواته الطبيعية، وزيادة دخله القومي بإضافة موارد جديدة يُمكن أن تسهم على نحو فعّال في تلبية طموحات الشعب، لا سيما إن أُحسنت إدارتها.
وأضاف الأمين العام أن لبنان مازال أسيراً لدائرة حزينة من المعاناة والألم من جانب وللتدهور الاقتصادي والجمود السياسي من جانب أخر، والجانبان يرتبطان برباطٍ وثيق، كما صار واضحاً للجميع فتحقيق الانطلاق الاقتصادي مرهون بكسر الانسداد السياسي.
وأعرب أبو الغيط عن ثقته في اللبنانيين، الذين طالما أبهروا العالم بقدراتهم الفريدة وإمكاناتهم الهائلة في التغلب على المحن، مؤكدا أنهم قادرون على طي هذه الصفحة المؤلمة، وتجاوز الأزمة الحالية مهما استحكمت حلقاتها.
وليست الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها لبنان بخافية على أحد، بحسب الأمين العام، فآثارها واضحة للعيان، وتبعاتها الاجتماعية والإنسانية والأمنية تُثير القلق الشديد، في ظل تدهور خطير في الناتج المحلي الإجمالي، وفي قيمة العملة، وأغلبية الشعب اللبناني تناضل لكي لا تسقط في هوة الفقر، ومعدل البطالة يُلامس 30%، أي أن نحو ثلث قوة العمل مُعطلة، والصعوبات المعيشية تدفع بأفضل العقول الشابة إلى الهجرة بحثاً عن الفرصة في مكان آخر.
واعتبر أن هجرة العقول تبدو أكثر الأمور المقلقة، حيث تبقى ثروة لبنان الحقيقية، وبصرف النظر عن المصادر الجديدة من الوقود الأحفوري، تظل كامنة في شعبه، وفي عقوله الشابة المُبدعة والمبادِرة، رغم كامل الاقتناع بأهمية دور الاغتراب اللبناني في دعم مسيرة الوطن، وتعزيز حيويته الاقتصادية.
وأوضح أن الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من الأزمة لم تعد بخافية على أحد، والإصلاح لم يعد خياراً، وإنما ضرورة مُلحة لا تقبل التأجيل، خاصة في ضوء تفاقم أزمتي الغذاء والطاقة، وما يشهده الاقتصاد العالمي من انجراف متسارع نحو الركود التضخمي، حيث زادت الأزمات، من صعوبة الوضع في لبنان وهي أيضاً باعثٌ قوي للإسراع بالإصلاح.
ويرى أبو الغيط أن الخطوة الأولى هي الإصلاح لكي يصل "الطريق إلى النفط" إلى غايته المنشودة، من الانتعاش الاقتصادي والازدهار، وبالتالي تبقى الحاجة ملحة إلى العمل الجاد على صعيد إصلاح النظام المالي والمصرفي وهيكلة الدين العام، بما يمكن من استعادة الثقة في النظام المصرفي، والحفاظ على حقوق المودعين وبخاصة من أصحاب الودائع الصغيرة، ووقف الانهيار في قيمة العملة المحلية.
ويبقى من الضروري استكمال بنود الاتفاق الأولي الذي تم التوصل إليه مع صندوق النقد الدولي، بحسب أبو الغيط، عبر إقرار القوانين اللازمة تمهيداً للتوصل إلى اتفاق نهائي يسهم في تحقيق التعافي الاقتصادي، ويفتح الطريق أمام تدفق أكبر للمساعدات الدولية.
وجوهر الإصلاح، من وجهة نظر الأمين العام، تتجسد في الثقة سواء من المستثمرين أو الداعمين من الأشقاء والأصدقاء في الإقليم وخارجه وقبل ذلك كله ثقة الشعب اللبناني ذاته في الحكومة والقيادات السياسية، وفي عزمها على السير في طريق الإصلاح إلى غايته، وهنا فإن الجميع يدرك ما تنطوي عليه الأوضاع السياسية والدستورية من أهمية كبرى في استعادة الثقة ومن ثمّ الخروج من الأزمة.
وأضاف أن لبنان لا يتحمل شغوراً رئاسياً يطول أمده لا يتحمل وضعه الاقتصادي أو الاجتماعي هذا الفراغ الذي يزعزع الثقة بدلاً من تعزيزها، ويؤثر سلباً على فرص التعافي الاقتصادي.
وناشد الأمين العام مختلف القيادات السياسية اللبنانية بالالتفات إلى خطورة اللحظة التي يمر بها البلد وسط ظرف دولي مضطرب يفرض على المجتمع الدولي قائمة أولوياتٍ مزدحمة.. إن هذا الظرف ذاته يفرض على الأفرقاء تجاوز كل الانقسامات واحتواءها، ويحتم على الجميع وضع المصلحة اللبنانية فوق كل اعتبار.
ودعا أبو الغيط إلى الإبقاء على قنوات الحوار مفتوحة ومباشرة بين جميع القوى والتيارات السياسية، مؤكدا استعداد الجامعة العربية للقيام بما يُطلب منها في هذا الصدد، فانسداد الحوار واستسهال التمترس خلف المواقف لتمرير الوقت لا يُمثل استراتيجية ناجعة لمعالجة الانسداد القائم.
واعتبر أن الحفاظ على السلم الأهلي والأمن في لبنان واجبٌ على كل لبناني في هذه الظروف الدقيقة ويظل دور الجيش، كمؤسسة وطنية جامعة، محورياً في صيانة أمن هذا البلد، ويظل اتفاق الطائف، عقداً وطنياً لا غِنى عنه للاستقرار، وسياجاً حامياً للسلم الأهلي في لبنان بكل مكوناته وطوائفه.