بهدف الحفاظ على التراث المعماري وتوثيق الأماكن التي عاشت فيها شخصيات أثّرت في المجتمع، قام الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، باستكمال مشروع "حكاية شارع" ليكون امتدادًا لرؤية الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في الحفاظ على التراث العمراني والمعماري المتميز، ولذا ادرج اسم الشيخ حسونة النواوى فى مشروع حكاية شارع حيث إن الشارع يقع فى التجمع الأول.
ولد الشيخ حسونة عبد الله النواوي الحنفي، بقرية نواي مركز ملوي بمحافظة أسيوط سنة 1839م، وقد حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر، وتلقى دروسه على كبار مشايخه، أمثال الشيخ الإنبابي، والشيخ عبد الرحمن البحراوي، والشيخ علي خليل الأسيوطي، وغيرهم، واستمر في دراسته حتى حصل على شهادة العالمية.
بعدما أتم الشيخ النواوي دراسته جلس لتدريس أمهات الكتب العلمية فأقبلت عليه جموع الطلاب ولفت إليه الأنظار؛ فاختاره القائمون على الأزهر لتدريس الفقه في جامع محمد علي باشا بالقلعة، بجانب تدريسه له بالأزهر، ونظرًا لكفاءته وعلمه الواسع الغزير عُين بجانب ذلك أستاذًا للفقه بمدرسة دار العلوم، ومدرسة الحقوق.
وفي عام 1894م انتدب وكيلًا للأزهر، وذلك لمرض الشيخ الإنبابي وعجزه عن مباشرة مهام عمله، ثم صدر قرار بتعيين لجنة لمعاونته في إصلاح شؤون الأزهر وكانت مكونة من: الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان والشيخ سليمان العبد والشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي والشيخ أحمد البسيوني الحنبلي، كما عُيِّن الشيخ النواوي عضوًا دائمًا غير قابل للعزل بمجلس شورى القوانين.
لقد تولى الشيخ حسونة النواوي مشيخة الأزهر مرتين؛ الأولى عندما صدر قرار بتعيينه شيخًا للأزهر في يونية عام 1895م، خلفًا للشيخ الإنبابي الذي قدم استقالته من المشيخة. كما صدر قرار بتعيين الشيخ النواوي في المجلس العالي بالمحكمة الشرعية في العام نفسه، مع بقائه شيخًا للأزهر الشريف، وظل يواصل عمله في النهوض بالأزهر حتى أصدر الخديو قرارًا بتنحيته في 4 يونية عام 1899م، بسبب معارضته لندب قاضيين من مستشاري محكمة الاستئناف الأهلية ليشاركا قضاة المحكمة الشرعية في الحكم.
أما المرة الثانية التي تولى فيها مشيخة الأزهر فكانت في 30 يناير 1907م، حيث صدر قرار بتوليته مشيخة الأزهر مرة ثانية بعد أن توالى على المشيخة أربعة من المشايخ بعد الفترة الأولى لمشيخة الشيخ حسونة النواوي، ولكنه آثر ترك المنصب بعد أقل من ثلاث سنوات، فاستقال في عام 1910م، لأنه وجد أن الأمور في الأزهر لا تسير وفق ما كان يأمل من إصلاح وتطوير، وأن أهل الحكم وبعض مشايخ الأزهر يضعون العقبات في طريق الإصلاح ـ
لقد ارتبط اسم الشيخ النواوي بقانون تنظيم الأزهر الذي صدر بعد سنة واحدة من توليه المشيخة، وكان للشيخ محمد عبده يد صادقة وراء إصدار هذا القانون، الذي خطا بالأزهر خطوة واسعة نحو الإصلاح؛ إذ حدَّد هذا القانون سن قبول الطالب بالأزهر بخمسة عشر عامًا، وأن تكون له دراية بالقراءة والكتابة، وأن يكون حافظًا للقرآن الكريم أو على الأقل نصفه، ومنع هذا القانون تدريس كتب الحواشي منعًا باتًا، وقصرها على الطلبة المتقدمين دراسيًا، ونظم القانون الامتحانات، وجعلها على مرحلتين: الأولى بعد ثماني سنوات من التحاق الطالب بالأزهر، وتحصيله ثمانية علوم على الأقل من علوم اللغة والدين، ويختبر أمام لجنة تتكون من ثلاثة من العلماء برياسة شيخ الأزهر، والناجحون إما أن يكملوا دراستهم بالأزهر في المرحلة التالية، وإما أن يتم تعيينهم في وظائف الإمامة والخطابة والوعظ بالمساجد.
وأما المرحلة الثانية فتنتهي بامتحان الشهادة العالمية لمن أمضى اثنتي عشرة سنة من الدراسة، وتلقى العلوم المقررة بالأزهر، ويصبح من حق الحاصلين عليها التدريس بالأزهر. وعني القانون بشئون الطلاب، فاهتم بتحسين أحوالهم المعيشية، ووسع لهم في المساكن الصحية، وحدد لهم بعض المعونات المالية.
كما حاول الشيخ النواوي إعادة تنظيم الأزهر من الناحيتين المالية والإدارية، فرفع من رواتب العلماء والشيوخ وكذا عمل على إدخال العلوم الحديثة في الأزهر بعد أن كادت تهجر تمامًا، وأحضر لتدريس علوم الرياضيات والجغرافيا والتاريخ بالأزهر مدرسين مهرة من المدارس الأميرية، كما أنشئ في عهده الرواق العباسي بالجامع الأزهر، وكان الشيخ محمد عبده من أقرب المعاونين له في تنفيذ تلك الإصلاحات.
ويذكر للشيخ حسونة أنه قام في أثناء توليه مشيخة الأزهر بجمع مكتبات الأزهر، وكانت مبعثرة في المساجد وأروقة الأزهر، وتحتوي على نوادر المخطوطات والكتب، وضمها في مكتبة واحدة، وأعاد نظامها وترتيبها، فأنقذ بهذا العمل ضياع ثروة نادرة من المخطوطات النادرة، وكان الأساس للمكتبة الأزهرية العامرية، التي تعد أضخم مكتبة تضم المخطوطات في مصر بعد دار الكتب المصرية.
تولى الشيخ النواوي منصب الإفتاء بجانب مشيخة الأزهر، واستمر يشغل هذا المنصب في الفترة من 24 نوفمبر سنة 1895م وحتى 21 مايو 1899م، وأصدر خلال هذه الفترة حوالي (287) فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء.