أوروبا واليمين المتطرف × 2022.. عام الرهان على "الشعبوية".. إيطاليا تحيى ميراث موسوليني بعد فوز ميلونى.. خسارة بطعم الفوز لـ مارين لوبان أمام ماكرون.. اليمين المجرى يثبت أركانه.. وألمانيا تبدأ عصر الانقلابات

الجمعة، 30 ديسمبر 2022 02:00 ص
أوروبا واليمين المتطرف × 2022.. عام الرهان على "الشعبوية".. إيطاليا تحيى ميراث موسوليني بعد فوز ميلونى.. خسارة بطعم الفوز لـ مارين لوبان أمام ماكرون.. اليمين المجرى يثبت أركانه.. وألمانيا تبدأ عصر الانقلابات قيادات اليمين المتطرف
كتبت هناء أبو العز

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تكتلات وأحزاب طالتها فوضى الأزمات وباتت قريبة من الفشل فى ملفات داخلية ودولية عدة.. هذا ما كشفته نتائج الاختبارات الكبرى التى خاضتها أوروبا خلال السنوات القليلة الماضية، بداية من الاستسلام لعدوى الصعود الشعبوى المخالف للتقديرات فى الولايات المتحدة، حينما فاز الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب على حساب السياسية المخضرمة هيلارى كلينتون، مروراً باختبار جائحة كورونا الصعب الذى كشف زيف ادعاءات التحالف والتضامن تحت مظلة الاتحاد الأوروبى، وهو ما تجلى واضحاً فى مرارة الخذلان التى عانتها إيطاليا حينما انهيار النظام الصحى بشكل درامى دون أن تحرك بروكسل ـ عاصمة الاتحاد الأوروبى ـ ساكناً، ووصولاً إلى الحرب الأوكرانية التى تجيد روسيا ـ حتى الآن ـ تحقيق أهدافها ولو عن طريق حصد النقاط، برغم فشلها فى الحسم داخل ميادين القتال.

وحمل مشهد فوز ترامب آثاراً كانت قادرة على عبور المحيط الأطلنطى، وشكلت إلهاماً لأحزاب وتشكيلات اليمين واليمين المتطرف داخل الدول الأوروبية التى كانت أقصى طموحاتها انتزاع مقعد تحت قبة البرلمان، لتعرف صحف القارة العجوز ومراكز الفكر ودوائر صنع القرار مصطلحات من بينها "الترامبية" و"الترامبية الأوروبية"، ويقترن اسم ترامب بمرشحين وساسة أثاروا جدلاً فى الأوساط الأوروبية كما هو الحال مع إريك زامور المرشح الفرنسى لانتخابات الرئاسة الأخيرة، الذى وصفته وسائل الإعلام الفرنسية بـ"ترامب فرنسا"، وتخللت حملته الانتخابية مكالمات هاتفية متبادلة ومشاورات ونصائح متبادلة بينه وبين الرئيس الأمريكى السابق .

وخلال ولاية ترامب الشائكة داخل البيت الأبيض تحركت فى بحور السياسة الأوروبية والغربية الكثير من المياه الراكدة، لتبدأ الموجة الأولى من صعود اليمين المتطرف بتمثيل قوى على صعيد البرلمانات والمجالس التشريعية والحكومات، لتستمر موجات الصعود وتصل ذروتها من المجر إلى النمسا والسويد وصولا إلى فرنسا وأخيرا إيطاليا، حيث وجدت أحزاب اليمين المتطرف وتحالفاتها، فى موجات الهجرة والاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية وتراجع القدرة الشرائية وأزمات الطاقة نتيجة الحرب الروسية ـ الأوكرانية، بيئة خصبة للصعود على حساب النخب التقليدية وأحزاب اليسار والكيانات الوسطية.

 

ميلونى تحكم.. رهان إيطالى على "ميراث موسولينى" 

تزايد نفوذ "نادى اليمين الأوروبي"، مؤخرًا إثر فوز زعيمة حزب "إخوة إيطالياجورجيا ميلونى برئاسة حكومة إيطاليا فى 2022 بعد صعود أحزاب أخرى من "اليمين المتطرف" فى السويد وإسبانيا وبولندا والمجر وفرنسا وكذلك ألمانيا.

ففى حدث غير مسبوق منذ عام 1945، حصد تحالف الأحزاب اليمينية فى ايطاليا 44.2% من أصوات الناخبين فى الانتخابات التى جرت 25 سبتمبر الماضى، وحصل حزب "إخوة إيطاليا" برئاسة جورجيا ميلونى على 26.2%، و8.2% لحزب "الرابطة" بقيادة ماتيو سالفينى، و8% لحزب "فورزا إيطاليا" بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني.

وبهذه النتيجة تتخذ إيطاليا القوة الاقتصادية الثالثة فى الاتحاد الأوروبى وأحد الأعضاء المؤسسين له، منعطفا حادا نحو اليمين، فتح الباب لامرأة -أبدت إعجابها بالزعيم الفاشى بينيتو موسوليني- لتكون أول رئيسة للوزراء فى تاريخ هذا البلد.

وشكلت ميلونى حكومة ائتلافية يغلب عليها الساسة اليمينيون، لتكون الأكثر تطرفا فى تاريخ البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويعد فوز جورجيا ميلونى فى الانتخابات البرلمانية ضربة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وزلزالا حقيقيا فى الاتحاد الأوروبى الذى سيضطر إلى التعامل مع السياسية المقربة من رئيس حكومة المجر صديق ميلونى المقرب الذى ما انفك يعرقل قرارات بروكسل الجماعية، ويرفض الزج ببلاده فى الأزمة الأوكرانية ضد روسيا.

إلا أن نجاح ميلونى المعجبة سابقا بموسولينى والتى ترفع شعار "الله الوطن العائلة"، يواجه عقبات عدة، حيث سيتحتم عليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحاد فى الأسعار فى وقت تواجه إيطاليا دينًا يمثل 150% من إجمالى ناتجها المحلى، أعلى نسبة فى منطقة اليورو بعد اليونان.

ويتخوف الكثيرين بعد وصول ميلونى إلى السلطة أيضا من إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنويا عشرات آلاف المهاجرين، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التى تغيث المهاجرين سرا ممن يعبرون البحر فى مراكب متداعية هربا من البؤس فى دول الأزمات وبلدان العالم الثالث.

 

السويد.. "صعود يميني" قبل استلام رئاسة الاتحاد الأوروبي

وفى السويد حقق اليمين المتطرف فى السويد نتائج جيدة فى الانتخابات التى شهدتها البلاد يوم 11 سبتمبر وتراجعت قوى اليسار ويمين الوسط، وفازت كتلة من اليمين المتطرف واليمين المحافظ الليبرالى بالانتخابات بنسبة 51%، حيث حصلت على 176 مقعدا، مقابل 173 مقعدا لليمين الوسطى والخضر، من إجمالى 349 مقعدا.

وحصل "ديمقراطيو السويد" على 73 مقعدا، أى أكثر بـ11 مقعدا من الانتخابات السابقة عام 2018، فى حين نال "المعتدلون" 68 مقعدا، و"المسيحيون الديمقراطيون" 19 مقعدا، و"الليبراليون" 16 مقعدا.

ويفتح فوز اليمين بدعم من اليمين المتطرف مرحلة سياسية جديدة فى السويد فى وقت تستعد البلاد لتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبى فى الأول من يناير، ولإنجاز آلية ترشيحها التاريخى للانضمام إلى الحلف الأطلسى.

 

المجر.. اليمين يثبت أركانه

وفى المجر وتحديدًا فى انتخابات أبريل الماضى، حصل حزب "فيدز"، بزعامة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، على 59%، فى رابع فوز له على التوالى منذ 2010، وقد نجح الحزب مع تحالف الأحزاب اليمينية المتطرفة فى الحصول على الأغلبية بالبرلمان المكون من 199 مقعدا.

ويتهم أوربان الحركات اليسارية بالتآمر على الغرب وعلى المجر، ويلجأ أحيانا إلى النظرية اليمينية الشهيرة التى تعرف باسم "الاستبدال العظيم" من أجل تقديم حججه، والتى تهدف وفقا لمؤيديها، إلى إضعاف "السكان البيض فى الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن طريق الهجرة".

 

فرنسا واليمين .. خسارة بطعم الفوز لـ"الإليزية" وصعود جديد فى البرلمان

أما الانتخابات الرئاسية الفرنسية  فقد شهدت صعودا كبيرا لحزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف بزعامة مارين لوبان، فرغم فوز الرئيس إيمانويل ماكرون بنسبة 58.5% من الأصوات، إلا أن لوبان حصلت على نسبة لا يستهان بها فى ثالث محاولة لها للرئاسة وحصدت 44% من الأصوات الوطنية، وهى أعلى نتيجة لها حتى الآن، وبعد شهرين، فاز حزبها بأكبر عدد من مقاعده حتى الآن فى مجلس النواب بالبرلمان.

واقتنصت رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية مارين لوبان مقعد فى البرلمان الفرنسى للمرة الأولى، إذ إنها كانت حتى الآن نائبة فى البرلمان الأوروبي.

وبذلت لوبان جهوداً كبيرة لإزالة وصمة العنصرية ومعاداة السامية التى لصقت بالحزب اليمينى، بهدف تلميع صورته وتوسيع قاعدتها الشعبية، ونأت بنفسها بشكل ملحوظ عن والدها جان مارى لوبان، الذى شارك فى تأسيس الحزب الذى كان يسمى سابقاً "الجبهة الوطنية".

ولجون مارى لوبن، والد مارين لوبن والرئيس السابق للتجمع الوطنى (الجبهة الوطنية آنذاك)، تاريخ طويل من التصريحات العنصرية والأفكار المعادية للمسلمين، وقد سعى التجمع الوطنى إلى الربط بين الهجرة والإرهاب فى محاولة لحشد تأييد الناخبين.

ومن بين تصريحات مارين لوبن العديدة المناوئة للهجرة ما قالته فى مقابلة مع صحيفة ذا تايمز عام 2017: "إننا نواجه طوفانا من المهاجرين يغرقنا ويكتسح كل ما فى طريقه، والمجتمع متعدد الثقافات هو مجتمع متعدد الصراعات.

 

ألمانيا تطوى صفحة ميركل.. وتبدأ عهد الانقلابات 

فيما قوبلت سياسة الباب المفتوح التى انتهجتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل مع اللاجئين السوريين عام 2015 بانتقادات من خارج ألمانيا وداخلها - بل ومن داخل حزبها المحافظ، الحزب المسيحى الديمقراطي.

ويرى مراقبون أن تلك السياسة أدت مع مرور الوقت إلى صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليمينى الشعبوى المعارض للهجرة، الذى أصبح بعد ذلك بعامين ثالث أكبر حزب فى البرلمان الاتحادى الألمانى "البوندستاج".

وفاز حزب البديل اليمينى المتطرف من أجل ألمانيا بنسبة 10٪ من الأصوات فى الانتخابات البرلمانية الألمانية الأخيرة، إلا أن محاولة الانقلاب الأخيرة أشارت إلى اليمين المتطرف بأصابع الاتهام مرة آخرى، بعد أن قامت السلطات الألمانية قامت بعمليات دهم فى مختلف أنحاء البلاد أوقفت خلالها 25 شخصا من أفراد "مجموعة إرهابية" من اليمين المتطرف للاشتباه بتخطيطها للإطاحة بالقوة بالمؤسسات الدستورية الفدرالية، وفى مقدمتها البوندستاج، وهو مجلس النواب الألماني.

وضمّت الشبكة نبلاء وجنود نخبة سابقين وامرأة روسية ونائبة سابقة من اليمين المتطرّف، ووفق السلطات، كانت هذه الخلية المفكّكة "مدفوعة بأوهام الإطاحة العنيفة والأيديولوجيات التآمرية"، وفى الربيع الماضى، قامت السلطات بتفكيك مجموعة يمينية متطرّفة أخرى يُشتبه فى أنها خططت لهجمات فى البلاد ولخطف وزير الصحة على خلفية إجراءات مكافحة كوفيد-19.

وصنّفت السلطات الألمانية فى السنوات الأخيرة عنف اليمين المتطرف بفى البلاد من التهديدات الأولى للنظام العام، قبل الخطر الجهادي.

ويستخدم المتطرفون اليمينيون التمييز والأفكار العنصرية لحماية الهوية الأوروبية، ويتبنى اليمين المتطرف أفكارًا معادية للأجانب، وينشر خطابًا عنصريًا وانعزاليًا، ويختبئ وراء الأفكار القومية.

ويكمن خطر هذا الخطاب الانعزالى المتزايد فى قدرته على تفكيك الاتحاد الأوروبى، وهذا ما حدث بشكل خاص بعد خروج بريطانيا، الأمر الذى شكل بالتأكيد صدمة غير مسبوقة لهذا الكيان وفتح الأبواب أمام الخروج النهائى المحتمل للعديد من الدول وتفكك الغرب بشكله الحالي.

كانت بداية هذه الأزمات فى عام 2008، عندما حدثت الأزمة الاقتصادية، تلتها الأزمة الأوكرانية، وأخيراً أزمة تدفق اللاجئين بعد التحولات الاستراتيجية فى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى خطط وقف الاتفاق الذى يسمح بحرية التنقل بين الدول الأعضاء.

وأشارت الجارديان إلى أن الأزمة الحقيقية التى يعانى منها الاتحاد الأوروبى حالياً وتؤدى إلى تنامى الخطاب المتطرف هى أزمة انعدام الثقة بين الحكومات والسياسيين من جهة وبين الحكومات ومواطنى الاتحاد من جهة أخرى.

ومما لا شك فيه أن النجاحات التى تحققها روسيا يومًا بعد يوم منذ عام 2008 من أهم الأزمات التى تقوض ثقة المواطن الأوروبى فى قدرة الاتحاد على توفير الأمن والسلام، كان هذا صحيحًا بشكل خاص منذ أن تأسس الاتحاد الأوروبى فى المقام الأول لإنهاء الدمار والمعاناة التى سببتها الحرب العالمية الثانية فى القارة.

فى عام 2008، غزت روسيا جورجيا وضمت فعليًا منطقتى أوسيتيا الجنوبية وأنجازيا، ولم يكن الاتحاد الأوروبى قادرًا على إنقاذها فى ذلك الوقت. بعد ذلك، شنت روسيا حربًا ثانية على أوكرانيا وتمكنت من ضم منطقة القرم، بينما لم يتمكن الاتحاد الأوروبى مرة أخرى من اتخاذ أى إجراء لوقف ذلك.

واليوم تخوض روسيا حربها الثالثة، وأعلن بوتين ضم أربع مناطق أوكرانية جديدة لروسيا، كل هذا يحدث بينما يقف الاتحاد الأوروبى عاجزًا عن فعل أى شيء حيال ذلك سوى فرض العقوبات، التى أصبحت غير فعالة تمامًا.

وأثار هذا النجاح الروسى الخوف بين الأوروبيين وأقنعهم بأن اعتمادهم على بعضهم البعض لا يضمن توفير الأمن وأن المشروع الأوروبى لا يوفر ضمانات كافية لتحقيق الأمن والسلام فى مواجهة هذه التهديدات.

وبالإضافة إلى عدم قدرة الاتحاد على توفير الأمن للمواطن الأوروبى، فى السنوات الأخيرة، أصبح عجز الاتحاد عن توفير الرفاهية الاقتصادية سائدًا أيضًا، حيث ارتفع معدل البطالة والديون الخارجية بشكل كبير، خاصة بعد أوبئة فيروس كورونا وأزمة تدفق اللاجئين، كما أن هناك انخفاض حاد فى معدلات النمو الاقتصادى، بحسب العديد من التقارير، إلى جانب المشكلة الرئيسية وهى التفاوت الاقتصادى الكبير بين الدول الأعضاء.

لذلك ثبت للمواطن الأوروبى اليوم أن الاتحاد لم يعد قادرًا على تحقيق الأهداف التى تم إنشاؤه لتحقيقها.، ولم يعد الاتحاد الأوروبى قادرًا على تحقيق الرفاهية الاقتصادية للمواطنين، ولا تحقيق الأمن والاستقرار فى مواجهة التحديات المختلفة، ووجد الناخب الأوروبى ملاذًا فى مفهوم الدولة القومية من خلال اليمين المتطرف.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة