أكد خبيران لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن خطر الإفلاس بات يهدد مئات الآلاف من الشركات الأوروبية، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وأن حزم الدعم الحكومية عاجزة حتى الآن عن مواجهة هذا الخطر المتضخم.
وتشير التقارير إلى أن فواتير الطاقة ارتفعت بنسبة 500 في المئة هذا العام مقارنة بالعام الماضي، مما جعل العبء ضخم على كاهل الشركات والأفراد.
وتتعالى الانتقادات للحكومات الأوروبية بسبب عدم العدالة في توزيع الدعم، واهتمامها بالشركات الكبرى وترك الشركات الصغرى تواجه خطر الإفلاس.
وقال المحلل الاقتصادي في صحيفة فايننشال تايمز في لندن، أنور القاسم، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن العديد من المؤسسات الأوروبية المستهلكة للغاز تقدمت بطلبات إفلاس بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة، ومنها شركات منتجة للأسمدة تعتمد على الغاز الطبيعي كمادة أساسية بالإضافة لشركات الصناعة الثقيلة، التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، وكذلك منتجي الألمنيوم والإسمنت.
وأضاف القاسم إن أسعار الغاز في أوروبا ارتفعت بشكل كبير وحطمت الأرقام القياسية، ولذلك تزيد احتمالات إفلاس شركات الطيران الأضعف في أوروبا خلال الشتاء الحالي، في الوقت الذي توجه فيه الدول التي ساندت تلك الشركات أثناء أزمة جائحة كورونا في العامين الماضيين الدعم حاليا إلى قطاعات أخرى نتيجة ارتفاع معدلات التضخم.
وتابع أنه في حين حصلت شركات الطيران على مساعدات حكومية كبيرة أثناء أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد، فإنها تواجه الآن صعوبات نتيجة ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف العمالة مع التراجع الموسمي لحركة السفر خلال الشتاء، وفي الوقت نفسه تكافح الحكومات من أجل تخفيف أعباء نفقات المعيشة المتزايدة على المستهلكين بعد وصول معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
وأشار إلى أنه وفق تأكيدات المتخصصين فإن شركات الطيران الأصغر حجما في وسط وشرق أوروبا ستكون الأشد عرضة للخطر خلال الشتاء، حيث بدأت فعلا في استخدام نموذج جديد لتقييم مخاطر الإفلاس وفقا لمستويات المنافسة والطاقة التشغيلية وشبكات الخطوط والنفقات المحتملة لتأجير الطائرات واستبدال الطائرات القديمة.
وأوضح أن شركات الطيران الست الكبرى في أوروبا تواجه خطرا بسيطا، حيث تتمتع شركات الطيران منخفض التكاليف "ريان أير هولدنجز" و"إيزي جيت" و"ويز أير هولدنجز" بتصنيفات ائتمان جيدة، في حين ما زالت شركات "أير فرانس-كيه.إل.إم" الفرنسية الهولندية و"آي.أيه.جي" المالكة لشركتي بريتش أيروايز البريطانية والأيبيرية الإسبانية وشركة "لوفتهانزا" الألمانية قادرة على الحصول على المساعدات الحكومية إذا طلبتها.
وأكد أن تبعات الحرب في أوكرانيا تصيب الاقتصاد الألماني بالأذى أكثر من أي اقتصاد أوروبي وعالمي آخر، لأن ألمانيا تعتمد أكثر من غيرها على صناعات أساسية في رفاهيتها وتوفير فرص العمل لسكانها، أما المشكلة الأخرى فتكمن في اعتمادها على المواد الأولية المستوردة التي تزداد صعوبة الحصول عليها بسبب تبعات العقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا وعقوبات الأخيرة المضادة لها.
وشدد القاسم على أنه في هذه الأثناء تتعالى التحذيرات من خطورة هذا الوضع على فرص العمل والشركات التي تواجه خطر الإفلاس، وتعد الحكومة الألمانية العدة لتقديم حزمة إعانات مالية جديدة بقيمة 65 مليار يورو، كما تتخذ خطوات راديكالية وصلت إلى حد التأميم ووضع اليد على شركات طاقة كبيرة بهدف ضمان استمرارها، وإن دل التأميم على شيء فعلى عمق المشكلة، لأن خطوة كهذه تتعارض بشكل تام مع مبادئ اقتصاد السوق والليبرالية.
ومن جانبها، قالت الخبيرة في الشئون السياسية والاقتصادية الأوربية من برلين، جيهان أبو زيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه مما لا شك فيه أن الاقتصاد الأوروبي كله مهدد، ولكن الاقتصاد الألماني خصوصا مهدد بشكل أكبر، فالاقتصاد الأوروبي تأذى كثيرا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن الاقتصاد الألماني معاناته أكبر لأسباب كثيرة، من بينها أن الاعتماد الأساسي في الطاقة كان على روسيا.
وتابعت أنه بوقوع الحرب واستمرارها صارت مشكلة الطاقة في أوروبا وفي ألمانيا هي الأزمة الأساسية التي تواجه الشركات والقطاع الاقتصادي وحتى السكان، وأيضا حينما حاولت ألمانيا وأغلب دول أوروبا الحصول على الطاقة من موارد أخرى، فإن الأسعار ارتفعت بشدة لأن أسعار الطاقة ارتفعت 4 مرات، لأن الغاز المسال الذي يستورد من الولايات المتحدة يدفع فيه 4 أضعاف ما كان يدفع في الغاز المستورد من روسيا.
وأوضحت أن الضرر الأكبر كان على ألمانيا لأنها في أغلب صناعاتها تعتمد على مواد أولية كان يتم استيرادها من روسيا أو أوكرانيا أو دول أخرى، ولكن نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا صار استيراد تلك المواد والمعادن أصعب كثيرا وأغلى سعرا، فعلى سبيل المثال، ألمانيا كانت تعتمد على الفحم المستورد بشكل أساسي من روسيا، فأصبحت تستورده من استراليا وهذا يكلف كثيرا نظرا لبعد المسافة.
وأشارت أبو زيد إلى أن صناعات كثيرة في أوروبا وألمانيا تضررت، فصناعة السيراميك على سبيل المثال تراجعت بنسبة 10 في المئة في الشهور الأخيرة نظرا لارتفاع أسعار الطاقة، والتوقعات الاقتصادية كلها تؤكد أن عدد الشركات المفلسة للأسف سيزداد هذا العام بنسبة أكبر كثيرا عن العام السابق.
وأكدت أن هناك مؤشرات على أن 300 ألف شركة في ألمانيا وحدها تواجه خطر الإفلاس، وأكثر هذه الشركات من ذات الحجم المتوسط لأن الدول تتدخل لإنقاذ الشركات الكبرى، وهذا يخلق توترا وغضبا بين الشركات المتوسطة، لأنها القاطرة الحقيقية للاقتصاد نظرا لأنها الأكثر عددا، فمثلا أحد مصانع السيراميك في ألمانيا به 100 عامل فقط، وكانت فاتورة الطاقة الشهرية له 700 ألف يورو، ولكن نتيجة متغيرات الحرب أصبحت فاتورته 5.5 مليون يورو شهريا، فأعلن هذا المصنع أنه قيد الإغلاق بنهاية هذا العام.
واستطردت أن الشركات المتوسطة مثل هذا المصنع المذكور تتهم الحكومة بأنها لا توليها نفس الاهتمام والدعم الذي توليه للشركات الكبرى، فمثلا وقت جائحة كورونا خصصت الدولة 9 مليارات يورو لإنقاذ شركة لوفتهانزا، ولكنها لم تقدم نفس الدعم للشركات المتوسطة.
ونوهت إلى أن أحد أسباب تهديد الشركات في أوروبا وألمانيا بالإفلاس هو انخفاض معدلات الاستهلاك، لأن المستهلكين يحجمون عن الإنفاق نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، وبسبب عدم الثقة في المستقبل، وكذلك بسبب ارتفاع معدلات البطالة، ففي 2022 أفلست 14500 شركة في ألمانيا وكل هذا نتج عنه تسريح للعمالة، وكل هذا يجعل شبح الإفلاس حاضرا أمام جميع الشركات، وحزم الدعم الحكومية غير كافية للإنقاذ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة