حالة من الترقب تشهدها البرازيل استعداداً للانتخابات الرئاسية المقرر انطلاقها أكتوبر المقبل، والتى يتنافس فيها الرئيس الحالى جايير بولسونارو مع الرئيس السابق لولا دا سيلفا الذى يلقبه كثيرون بـ"رئيس الفقراء"، فى وقت تعانى فيه البلاد أزمات عدة بمقدمتها الاقتصاد وسبل مكافحة وباء كورونا، شأنها فى ذلك شأن كثير من دول أمريكا الجنوبية التى تندت فيها كافة المؤشرات الاقتصادية منذ ظهور الوباء.
المعركة الانتخابية التى تنطلق أكتوبر المقبل، كانت محل اهتمام غالبية وسائل الإعلام اللاتينية والبرازيلية على حد سواء، حيث قالت صحيفة "او جلوبو" البرازيلية فى تقرير لها أن السيناريو الأكثر احتمالا لانتخابات أكتوبر هو مواجهة وجها لوجه بين اليسار ممثلاً فى لولا دا سيلفا واليمين المتطرف ممثلاً فى الرئيس الحالى بولسونارو بعد حملة شرسة ركزت على الاقتصاد.
وتعتبر البرازيل رابع أكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان، وأغنى دولة فى أمريكا اللاتينية، وتستعد بحسب مراقبين لمبارزة انتخابية عالية المخاطر وستكون لنتيجتها تأثيرات تتجاوز حدودها بكثير، حيث أن على أحد جانبى الحلبة، كان اليسارى لولا دا سيلفا الملقب برئيس الفقراء، صاحب شخصية كاريزمية وولد من جديد للسياسة عندما لم يتوقعه أحد.
ويستعد لولا دا سيلفا فى عمر الـ 76، للحصول على فترة حكم ثالثة بعد السجن وإلغاء عقوبته، ويعتبر هو المفضل لدى الغالبية من السكان البرازيليين، وعلى الجانب الآخر، يأتى جايير بولسونارو، 66 عامًا، من اليمين المتطرف، والذى استطاع صدارة المشهد فى الانتخابات الماضية بعد الموجة القومية الشعبوية التى اجتاحت العالم، والاستفادة من السخط العام على النخب السياسية فى ذلك الحين، وتحسين قوة الشبكات الاجتماعية والوصول إلى السلطة، وفقا للتقرير.
وأشار التقرير إلى أنه حتى الوقت الحالى، لم يقدم كلاً من بولسونارو ودا سيلفا ترشيحه رسميًا، لكن لا أحد يشك فى أن كلاهما لديه الإرادة القوية للقتال فى معركة صناديق الاقتراع الإلكترونية.
ووفقا لاستطلاعات الرأى فإن لولا هو الذى يتصدر فى القائمة المفضلة لدى البرازيليين، حيث من المتوقع أن يفوز زعيم حزب العمال (PT) فى الجولة الثانية بنسبة 59% على الرئيس الحالى (30%)، وفقًا لآخر مسح على الناخبين.
ويحتفظ اليمين المتطرف، على أى حال، بقاعدة مخلصة، وآلية غير متقلبة للدولة وبرلمان تسيطر عليه مجموعة من الأحزاب الانتهازية التى لا تزال إلى جانبه حتى الآن.
ومن ناحية أخرى، فإن هناك الطبقة الاقتصادية التى تعتبر بولسونارو ولولا غير صالحين للبرازيل فى الوقت الحالى، ولذلك فإنها تفضل القاضى سيرجيو مورو، الذى سجن لولا وكان وزيرا لبولسونارو، ويعطيه معهد داتا فولها فى استطلاعات الرأى 9% فى الجولة الأولى. وخلفه، هناك مرشحين آخرين، مثل الحاكم جواو دوريا، والوزيرة السابقة سيرو جوميز أو السناتور سيمون تيبيت، وهى المرأة الوحيدة من بين المرشحين، حسبما قالت صحيفة "الباييس" الإسبانية فى تقرير نشرته على موقعها الإلكترونى.
ويعد السيناريو الأكثر ترجيحًا، وفقًا للمحللين واستطلاعات الرأى، فى هذا الوقت هو أن يتأهل لولا وبولسونارو إلى الجولة الثانية ويفوز الأول. لكن التوقعات تشير إلى أنه بدلاً من الرئيس الحالى، فإن خصم لولا فى الجولة الثانية هو يمينى أكثر اعتدالاً، ومن ثم فإن اليسار سيواجه أوقاتاً أكثر صعوبة. لقد أظهرت حملة 2018 بالفعل أنه لا ينبغى استبعاد المفاجآت.
هناك إجماع على أن الاقتصاد المنهك سيكون قضية الحملة الكبرى، وستكون هى نقطة التركيز لإعادة انعاش الاقتصاد الذى أنهار فى عهد بولسونارو، بعد عقد جمع بين فترة سنتين من الركود والنمو الهزيل، و تبدو التوقعات متشائمة. ثم هناك الأثر المدمر لوباء كورونا، حيث يعانى ما يقرب من 20 مليون برازيلى من الجوع، أى 9٪.
ومن بين الأمور المثيرة للجدل التى تدار حول بولسونارو، رفض المثول أمام الشرطة للإدلاء بشهادته بعد أن استدعاه قاضى المحكمة الفيدرالية العليا وأمرت الشرطة باستجوابه فى تحقيق فى تسريب وثائق.
وأشارت صحيفة "أو جلوبو" البرازيلية إلى أن النائب العام للحكومة، برونو بيانكو، كان حاضرًا مكان بولسونارو، وقدم أمرًا قضائيًا يستأنف استدعاء القاضى ألكسندر دى مورايس. ومع ذلك، بالنسبة للقاضى جاء هذا الطلب بعد فوات الأوان، ورأى القاضى أن رئيس الدولة استخدم معلومات على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعى للقول بأن نظام التصويت الإلكترونى فى البرازيل كان عرضة للتلاعب والاحتيال.
وأمر مورايس الرئيس اليمينى بالمثول أمام مقر الشرطة الفيدرالية فى برازيليا فى اليوم التالى لاستجوابه بسبب انتهاء فترة الستين يومًا التى منحها لبولسونارو للإدلاء بشهادته.
وجادل دفاع الرئيس بأن المحكمة الاتحادية العليا حكمت فى قضيتين سابقتين، لم يظهر فيهما الأشخاص الذين تم استدعاؤهم للإدلاء بشهاداتهم، بأن الإكراه على الحصول على هذه الشهادات غير دستورى.
وفتح التحقيق الذى استُدعى من أجله فى أغسطس 2021 بعد تقرير للشرطة على مواقع التواصل الاجتماعى عن هجوم إلكترونى استهدف المحكمة العليا للانتخابات فى 2018.
وعرض الرئيس الوثائق السرية، حسب المحكمة العليا للانتخابات، فى بث مباشر ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى للتشكيك فى مصداقية التصويت الإلكترونى السارى منذ 1996 فى البرازيل.
ويتهم بولسونارو نظام التصويت الانتخابى فى البرازيل منذ سنوات بتسهيل "التزوير"، دون أى دليل.
وأدى تشكيكه فى النظام الانتخابى إلى فتح تحقيق آخر فى المحكمة العليا بتهمة "القدح" و"التحريض على الجريمة".
وقبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية المقررة فى أكتوبر، بلغت شعبية الرئيس مستوى متدنياً غير مسبوق، وأظهرت كل استطلاعات الرأى تقدم الرئيس اليسارى السابق لولا فى الجولة الثانية من الانتخابات.
ومن ناحية آخرى، تدرس أعلى سلطة انتخابية فى البرازيل، TSE، ما إذا كانت ستحظر تطبيق المراسلة تليجرام خلال الفترة التى تسبق انتخابات أكتوبر لأن إدارته لم تستجب لطلبات المساعدة فى مكافحة انتشار المعلومات المضللة.
ويعد تليجرام هو ثانى أكثر خدمة مراسلة شعبية فى البرازيل ولكن ليس لديه مكتب تمثيلى فى البلاد، وسعى رئيس المحكمة الانتخابية فى TSE، لويس روبرتو باروسو، منذ منتصف ديسمبر للقاء المدير التنفيذى ومؤسس تليجرام بافيل دوروف لمناقشة سبل مكافحة انتشار المعلومات الكاذبة.
وقال باروسو فى بيان: "لا يمكن لأى جهة فاعلة ذات صلة فى العملية الانتخابية لعام 2022 العمل فى البرازيل دون تمثيل قانونى مناسب، يكون مسؤولاً عن الامتثال للتشريعات الوطنية والقرارات القضائية".
وأشار باروسو إلى أن TSE دخلت بالفعل فى شراكات مع جميع منصات وسائل التواصل الاجتماعى الرئيسية تقريبًا للحد من الأخبار المزيفة وانتشار نظريات المؤامرة حول شرعية النظام الانتخابى فى البرازيل.
ولم ترد تليجرام على طلب للتعليق، ووفقًا لـ TSE، يستخدم 53% من الهواتف الذكية فى البرازيل تطبيق تليجرام، ولدى الرئيس اليمينى فى البلاد جاير بولسونارو مليون مشترك فى تليجرام، ولجأ حلفاء الرئيس إلى التطبيق بعد أن أزالت منصات أخرى، مثل WhatsApp وFacebook وInstagram التابعة لشركة Meta Platforms Inc، بعض منشوراته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة