سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 فبراير 1961.. أولى رسائل جمال عبدالناصر إلى الرئيس الأمريكى جون كينيدى بعد شهر من توليه منصبه

الأحد، 20 فبراير 2022 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 20 فبراير 1961.. أولى رسائل جمال عبدالناصر إلى الرئيس الأمريكى جون كينيدى بعد شهر من توليه منصبه جمال عبدالناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فاز جون كينيدى، بانتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1960، وفى 20 يناير 1961 ألقى خطابه فى حفل تنصيبه، فأعجب جمال عبدالناصر به، وفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «عبدالناصر والعالم»، مضيفا: «أعجبته إشارة الرئيس كينيدى إلى الجيل الذى ولد فى القرن العشرين، وقدرته على فهم القرن العشرين، كذلك أعجبته عبارة قال فيها: لا تسألوا عما تستطيع بلادكم أن تقدمه لكم، وإنما اسألوا أنفسكم عما تستطيعون أنتم تقديمه لبلادكم»، وبعد شهر واحد افتتح عبدالناصر حواره المستمر مع كينيدى بكتابة أول رسالة إليه فى 20 فبراير، مثل هذا اليوم، 1961.
 
دارت الرسالة حول أزمة الكونغو واغتيال لومومبا رئيس وزرائها وقائد حركة تحررها، يوم 17 يناير، 1961، يؤكد «هيكل»، أن عبدالناصر حزن حزنا عميقا على لومومبا، وغضب غضبا بالغا من جريمة قتله، ومن دور أمريكا فيها، وبالرغم من ذلك «كانت رسالته دبلوماسية هادئة لكنها لم تترك للرئيس الأمريكى الشاب شكا فى حقيقة مشاعره»، يذكر هيكل نصها، وتبدأ بقول عبدالناصر إن هناك ثلاثة عوامل تشغل باله وتثير قلقه، أولها: المأساة المؤلمة التى وقعت فى الكونغو، حتى وصل بعد الجريمة الوحشية التى وقعت فيه باغتيال لومومبا إلى حافة الحرب الأهلية، وهو الأمر الذى يجب تجنبه مهما كانت الظروف باعتبار ما يمكن أن ينشأ عن ذلك من أخطار على سلامة الشعب الكونغولى، وعلى سلامة شعوب أفريقيا عموما وعلى السلام العالمى.
 
ثانيها: الموقف العصيب الذى صارت إليه أعمال الأمم المتحدة فى الكونغو، وأهمية التفريق بين الأخطاء التى ارتكبت باسمها وتحت علمها، وبين ما تمثله هذه المنظمة بالنسبة إلى الشعوب جميعا فى سلام قائم على العدل، وذلك أمر يتحتم معه أن نتوجه جميعا فى هذه اللحظات إلى محاولة جادة ومخلصة لإعادة الهيبة والاحترام إلى هذه المنظمة التى تمثل - فى رأينا - احتمال السلام الوحيد فى جيلنا الذى نعيشه.
 
 وثالثها: أن الصدمة التى تلقتها شعوب أفريقيا المتطلعة إلى أملها - بعد ليل استعمارى طويل - لا بد لها على الفور من تصحيح صادق وأمين، فإن المرارة التى تشعر بها هذه الشعوب، التى تابعت بمزيج من الحزن والغضب ما حدث لاستقلال الكونغو المهدد، وما حدث لحكومته الشرعية ممثلة ببرلمانه، وهى الحكومة التى أخذت على عاتقها مسؤولية دعوة الأمم المتحدة لمساعدتها، هذه المرارة ينبغى ألا تترك آثارها تدفع شعوب أفريقيا - التى كانت تظن منذ أقل من عام أنها رأت النور - إلى ظلام يائس يمكن أن تكون له أوخم العواقب.
 
بعد عرض عبدالناصر لطبيعة الأزمة، يقدم إلى كينيدى اقتراحاته حولها، وهى: 1- ضرورة المسارعة بإجراء تحقيق شامل لكل ماحدث فى الكونغو منذ يوم الاستقلال إلى أن وقعت الحوادث المؤلمة الأخيرة، ولا يمكن التعلل بأن ذلك أمر داخلى، فالمسؤولية هى مسؤولية عالمية، وليست اختصاصا محليا، ويستتبع هذا التحقيق بالطبع أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بنزاهة إجرائه، وأن يتولى هذا التحقيق هيئة محايدة يقوم مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعيينها، وأن يكون هناك تمثيل لدول أفريقيا وآسيا خصوصا دولها غير المنحازة فى هذه اللجنة، بطريقة واضحة، يضيف: «إذا لم يتمكن مجلس الأمن مداولاته الحالية فى الوصول إلى قرارات ضامنة لاستقلال الكونغو ووحدة أراضيه، وإلى قرارات كفيلة بإخراج القوات البلجيكية منه، وتجريد العناصر المسلحة من أسلحتها إنهاء لحكم العصابات فى الكونغو ثم إعادة تنظيم الجيش الوطنى على أساس سليم، ففى رأينا دعوة الجمعية العامة إلى دورة خاصة عاجلة لبحث هذا الموضوع».
 
وحول تأثير أمريكا فى الأمم المتحدة، أعاد عبدالناصر لكينيدى ما ذكره لسلفه «آيزنهاور» أثناء اجتماعهما على هامش انعقاد دورة الأمم المتحدة (سبتمبر 1960)، قائلا إنه قال لآيزنهاور: «إن تأييد الولايات المتحدة الأمريكية لأعمال الأمم المتحدة يكون فى كثير من الظروف الحد الفاصل بين النجاح والفشل، وضربت على ذلك مثلا هو، الفشل الذريع الذى لاقته المنظمة سنة 1948 فى مأساة شعب فلسطين وفى قيام دولة إسرائيل على أنقاض هذه المأساة، وضاع عمل الأمم المتحدة فى ذلك الوقت، وتمرغ ميثاقها فى الهوان، لأن الولايات المتحدة لم تقدم لها ما كان لازما - بحكم مسؤوليتها - أن تقدمه، وعلى العكس من ذلك كان نجاح الأمم المتحدة فى تجربة السويس بارزا (العدوان الثلاثى 1956)، لأن الولايات المتحدة تحملت مسؤوليتها الكبيرة داخل المنظمة، بصرف النظر عما كان بين أمريكا ومصر فى ذلك الوقت من أسباب الخلاف والصدام.
 
يؤكد: «من سوء الحظ - فيما حدث فى الكونغو - أننا لا نستطيع أن نصف دور الولايات المتحدة فى هذه الأزمة التى نعيشها، بمثل ما وصف به موقفها فى الأمم المتحدة إبان أزمة السويس من أنها وقفت بجانب المبادئ بصرف النظر عن الصداقات».   






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة