بفخامة وشموخ وعزة، وخطوات جريئة ورنانة، وجمالا لا يضاهيه جمال، ووجه يفيض بالحسن والكبرياء، تمتطى فارسة صغيرة، تهز أرجاء قريتها بقوتها وشجاعتها، جوادا قويا ساحرا، بنى اللون منمق، ذا شعر مرسل، يشدو صهيله بالبطولة والمجد، تبارى به الريح بقوة جامحة، تراقصه بأناقة وقوة وحزم، لتتآلف رقصاته مع نغمات المزمار والطبل.
"عاشقة وراقصة الخيل".. هكذا لقبت الفارسة الصغيرة هنا أشرف صاحبة الـ17 عاما، بعد أن خطفت الأنظار بموهبتها الفريدة فى ترويض الخيول والرقص معها على أنغام الطبل والمزمار البلدى فى الأفراح والمناسبات الشعبية، واحترافها لأدب الخيل العربى على يد والدها وعمرها لا يتجاوز الـ13 عاما، فهو حالة عشق وغرام من نوع خاص نشبت بين الفارسة الصغيرة والخيل منذ نعومة أظافرها، فاعتادت على تدريب الخيل على الأدب، والخروج أمام جماهير غفيرة فى المناسبات والأفراح الشعبية، وهى تمتطى خيلا تتراقص وتتمايل معه، تداعبه، وبإشارة ونظرة منها تدفعه لأن ينفذ ويطيع أوامرها.
"حب الخيل بيسرى فى دمي".. هكذا بدأت الفارسة الصغيرة هنا أشرف ابنة قرية الألف بمحافظة الدقهلية، حديثها لـ"اليوم السابع" فقالت، إنها أحبت الخيل وعشقته منذ أن كانت فى الثامنة من عمرها، حيث ولدت وجدت والدها تاجر الخيول يربى خيولا فى منزلهم، مما جعلها تعشقه وترغب فى ركوبه واصطحابه معها فى كل مكان، مضيفة أن خيلا ما كان سببا فى حبها وعشقها لركوبه وتعلم فروسيته، حيث اشترى والدها خيلا للنقل، وبسبب قسوة وإيذاء الكثيرين له، كان يرفض التعامل مع أى رجل كبير، ويتمرد على أى أوامر، مشيرة إلى أن بمجرد رؤيتها لذلك الخيل ومعاملته له بتودد وحنان ورقة وتفهمها لحالته النفسية، أنس لها وأصبح يطيع كل أوامرها بوفاء وإخلاص.
وأشارت إلى أن الألفة التى ولدت بينها وبين الخيول، ومكوثها لفترات طويلة معهم لرعايتهم والاعتناء بهم، دفعها لتعلم ركوب الخيل العربى واحترافه لتثبت ذاتها وكيانها، حتى أن والدها تفاجأ بها وهى تمتطى من تلقاء نفسها خيلا دون أن يعلمها أحد ركوبه، موضحة أنها أحبت أدب الخيل العربي، وقررت أن تتعلمه بعد أن شاهدت شبابا يتراقصون بالخيل فى الأفراح الشعبية التى كان يداوم والدها على اصطحابها معه فيها، حيث انبهرت بالعروض التى يقدمونها برفقة الخيل، وتناغم رقصات وحركات الخيل مع موسيقى الطبل والمزمار البلدي، فضلا عن حالة البهجة والسعادة التى تسيطر على الجميع وهم يشاهدون عروض الأدب والرقص الشعبى للخيل.
وقالت إنها واجهت انتقادات كثيرة ورفضا مجتمعيا فى بداية ركوبها للخيل وتعلمها لأدب الخيل، خاصة من أسرتها التى كانت ترى أن توجهها لهذا العالم سيبعدها عن تعليمها ودراستها، فضلا عن المشاكل التى واجهتها والتنمر الذى تعرضت له ولا تزال تتعرض له من المحيطين بها الذين يعتبرون أن ما تفعله عيبا يمس بالعادات والتقاليد، مؤكدة على أن ثقتها بذاتها وإيمانها بموهبتها وحلمها فى التميز والاختلاف عن الآخرين وعشقها لركوب الخيل ودعم والدها الدائم لها، شكلوا حاجزا متينا لها ضد أى محاولات تعمل على إحباطها وزعزعة ثقتها بنفسها.
وأوضحت أنها نجحت فى احتراف أدب الخيل العربى من خلال خبرة والدها الطويلة فى تربية وتدريب الخيل، والذى يحاول دوما أن يورثها لها ويرشدها بها لتحافظ على موهبتها ومستوى أدائها المميز، فيحذرها دوما من عدم الاستخفاف بموهبتها، وألا تمارس الأدب مع خيل ضعيف جسمانيا وذكاء لا يرقى لمهاراتها فى الأدب، فضلا عن مشاهدتها للعديد من الفيديوهات التعليمية حول فنون التعامل مع الخيل، وأساليب تدريبه وتطويعه على أن يحب صاحبه ومدربه ويألف عليه ويستمع لأوامره وينفذها، قائلة: "أنا هويت الخيل واتشديت ليه.. فكان لازم أعرف واتعلم إزاى أخليه يحبنى ويسمع كلامي، وبقيت قادرة أوجهه إنه ينفذ أوامرى بلغة تفاهم قوية وخفية، وبالمشاعر والإحساس الحصان بيعرف طلبى منه وبينفذه، بأنه يسلم أو يركع أو يشب أو يرقص أدب أو شعبي".
وأشارت إلى أنها نجحت فى تحقيق حلمها فى احتراف أداب الخيل، بدعم وتشجيع والدها الذى آمن بموهبتها فى ركوب الخيل منذ اللحظة الأولى، حيث عمل على تدريبها وتعليمها أصول الفروسية، وحقق رغبتها فى اصطحابها معه فى جميع المناسبات الشعبية، ووفر لها أنواع عديدة من الخيل العربى الأصيل القادر على ممارسة الأدب والرقص الشعبي، موضحة أنها بدأت تشارك فى العديد من الأفراح والمناسبات الشعبية وهى فى الـ14 من عمرها، حيث بدأ يطلبها عدد كبير من محبى فنون الخيل لتقديم عروض استعراضية لأدب الخيل والرقص الشعبي، فى جميع المحافظات كالدقهلية والبحيرة والإسكندرية وكفر الشيخ ودمياط والشرقية.
وأوضحت أن كل خيل لديه من المهارة والقدرة الجسمانية ومستوى الذكاء الذى يميزه عن غيره ويجعله يؤدى رقصة بعينها دون غيرها، إذ لا يمكن للخيل الواحد أن يحترف جميع الحركات الاستعراضية سواء كان فى رقص الأدب أو الرقص الشعبي، فكل خيل يتفوق ويتميز فى حركة ورقصة محددة، مشيرة إلى أن أدب الخيل هو أحد أهم التدريبات التى يشتهر بها الخيل العربي، حيث يتم فيها ترويض الخيل لأن يؤدى أداء حركى محدد على أنغام الطبل والمزمار البلدي، كرقصة المربع، ورقصات الشيرلستون، ورقصات الخيل على 3 أرجل، أو أن يؤدى نفس الحركات دون وجود الموسيقى، حيث أن إجازة الخيل للرقص نتيجة يجيدها وينجح فى تنفيذها بعد أن يعلمه مدربه المشى والجرى والوقت المناسب للحركة، وحتى يتمكن من تحقيق ذلك لابد من وجود قانون أو أسلوب يتبع مع الخيل أثناء تدريبه، وهو أسلوب الثواب والعقاب، أى أن يكافأ بالسكر والبطاطا على عمله ورقصه الجيد وتنفيذه للأوامر، ومعاقبته أن أخطأ وتمرد على صاحبه ورفض تنفيذ أوامر مدربه، أما الرقص الشعبى فهو أداء حركى صعب وقوى لكنه أقل قيمة ورقى من الأدب، فيقوم فيه الخيل بالشب، أو النوم أو الوقوف على كرسي.
وقالت إن الخيل الذكر قادر على تقديم أداء استعراضيا أفضل بكثير من الأنثى، لشدة ذكائه وقوة عضلاته وشدة تحمله وهيبته وهيمنته وشموخه أثناء الرقص، قائلة: "أنا بحب أركب الحصان الذكر لأن ركوبته فيها عز وفخر عن الأنثى، ومفيش حد يقدر ينافسه".. مضيفة أن الخيل بطبيعته له طاقة تحمل محددة إذا أهملها صاحبه، يصل الخيل لقمة غضبه وعنفه، فيقدم استعراضه فى الأفراح والمناسبات الشعبية على فترات متقطعة لا تتجاوز مدتها الخمس دقائق فقط، كما أن التدريب عملية تشترك فيها مجموعة من المقومات التى تضمن لها النجاح تتمثل فى ذكاء الخيل وطبيعته وقوته، وخبرة وكفاءة مدربه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة