هُن نساء محافظة مطروح اللاتي استطعن التغلب على العادات والتقاليد الصارمة التى كانت تحكم المرأة القبلية في مطروح، وتحدت كل منهن نفسها ومجتمعها وتمكنت من إحداث التوزان والربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، دون أن تفقد إحداهن موروثها الثقافي الذى كاد أن يقتل أحلام العديد من الفتيات داخل المجتمع البدوى فى مدينة مطروح، فاستطاعت كلًا منهن أن تدمج حلمها بموروثها الثقافي.
عانت المرأة البدوية من التهميش لعقود طويلة، وعدم الاعتراف بحقوقها الشرعية، من عدم ثبوتها في الأوراق الرسمية وإصدار شهادة ميلاد لها، وحقوقها في الميراث الشرعي، ثم التسرب من التعليم وإلقاء المسئولية علي عاتقها في تربية إخوانها الصغار، ومسئولية البيت إلى أن تتزوج وأكثرهن تتزوج عرفي بإشهار فيصعب الاعتراف بها في القيد العائلي، بالإضافة إلى انتشار تعدد الزوجات الذي قد يجعل بعضهن يشعرن بشيء من القهر، وعانت الكثير من الفتيات في مطروح من التسرب من التعليم، وهو ما جعل القيادة السياسية تولي اهتمامًا كبيرًا بمشروع محو الأمية خاصة في المحافظات الحدودية، ومن بينها محافظة مطروح، والتى يتوقع أن يتم القضاء على الأمية فيها خلال عامين، بفضل التكاتف والتعاون بين الأجهزة التنفيذية ومحافظة مطروح والهيئة العامة لتعليم الكبار لتنفيذ مبادرة مطروح بلا أمية في جميع القرى والنجوع.
"سليمة" أول طبيبة بيطرية بدوية خرجت من البادية للعالمية
"أشعر أن حياتي عبارة عن فيلم، ما حدث لى معجزة إلهية؛ من الصعب أن يتخيل أحد سأحصل على أهم حقوقي وأتعلم" ولدت سليمة عام 1955 في "المقتلة" قرية تابعة لمدينة سيدى برانى، والتي تبعد نحو 120 كم غرب مطروح، لأم بدوية ووالد كان يعمل مزراعا، "سليمة" الأخت الوسطى وترتيبها الثالثة، رفضت الزواج وكرست حياتها في خدمة مجتمعها البدوى، قالت "سليمة" عن ولادة البنات في المجتمع البدوى: "كان في العهد السابق حين تلد المرأة بنت تنعدم مباهج الفرحة؛ أما الولد فكانت له سعادة تغمر القلوب".
وتتذكر"سَليمة" ابنة قبيلة الشرصات: حكت لى جدتي عن يوم ولادتى فقالت "كان يوم إثنين وكان نفس يوم ولادة فَرسة كانت لدينا، من شدة فرحتها بولادتها زغرطت وأقامت الذبيح للمهرة الصغيرة"، لأن المهرة لها فائدة خاصة لدى البدو، أما البنت فيرون أنها ليس لديها أي أهمية، بالإضافة إلى النظرة الدونية التي كانت تملأ أعينهم للفتاة في تلك الفترة، تخوفًا من أن تصدر أي فعل مُشين يقلل من شأنهم، لذلك كانت الأوامر والقرارات صارمة جدًا على الفتاة، على الرغم كان الاعتماد عليها في كل شيء، في فصل الشتاء كنا نعيش في المباني التي شيدها الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية في بلدنا لتحمينا من البرد "الكامب"، وهذا من حسن حظنا أهل قرية "مقتلة"، لأن جميع القرى المجاورة كانوا يعيشون في الخيام صيفًا شتاًء، مثلما كنا نعيش نحن في الخيمات البدوية في الصحراء في فصل الصيف.
لحسن حظ الصغيرة تم نقل والدها من "مقتلة" إلى محافظة مطروح في عام 1960، ضمن مزارعى جهاز تنمية الساحل الشمالى الغربي لتنمية منطقة مطروح، في بيتٍ بالطين من دور واحد، ومن عادات البدو أن تتولى البنت الكبرى تربية أحد إخوتها، ولذلك فـ"سليمة" كانت منوطة بتربية أخيها الصغير الذي تناديه بـ"ابني".
سليمة محَت أميتها بنفسها في سن الثامنة
كانت سليمة فتاة مختلفة حققت المعادلة المفقودة في زمن تقهر فيه الفتاة، فلازمت أخيها الذي كانت تكبره بعامين، لذلك وكّل لها والدها أن تصحب الصغير إلى المدرسة كل يوم، فجذبتها الحروف والأرقام وبدأت تطّلع على واجباته المدرسية اليومية وتدرب نفسها، حتى استطاعت تعليم نفسها القراءة والكتابة، وهي في سن الثامنة.
حين علم والدها بهذا الأمر طلبت منه أن تلتحق بالمدرسة وترافق أخيها، فوافق على الفور، تقول" سليمة": وافق والدى كي يضمن ذهاب أخى للمدرسة كل يوم وكى أتابع دراسته، ولم يخطر في باله أنى سأكمل تعليمى، اجتزت المرحلة الابتدائية بتفوق، ومن ورائها الإعدادية، فقد وافق والدى بعد إلحاح شديد وتعهد بأن أحافظ على عادتى البدوية ولا أخل بواجباتى المنزلية وأن أكون بصحبة أخى لا أفارقه ولم يكن يعلم أحد من قبيلتى في "مقتلة" بشيء، فكان ذلك خرقًا لكافة الأعراف داخل مجتمعي البدوى.
كبرت الفتاة والتحقت بمرحلة الثانوية العامة، حينها علمت القبيلة وكان رد فعلها صارم ولاقت تهديدات كثيرة كي تتوقف عن الدراسة وتتزوج، ولكنها رفضت بشدة ولم يقف بجانبها سوى تفوقها الدراسي. تقول"سليمة":" كنت بذاكر على لمبة الجاز، وياما اتحرق شعرى ووشي، كنت بالزق رجلى في رجل التربيزة عشان لما أنعس وجع رجلي يصحينى فأكمل المذاكرة، ونجحت وحقتت نص حلمى".
بـ"20 جنيها" سليمة تدخل الجامعة
واجهت" سليمة" العقبة الكبرى، فطلب منها والدها التوقف عن الاستمرار في التعليم إلى هذا الحد، وخيرها إما أن تٌكمل هي أو يُعّلم أخواتها الصغار، بكت الفتاة وقضت ليلتها حزينة، ولكن بطبيعتها لم تستسلم لقتل حلمها، في صباح اليوم التالى وأثناء شرائها الخضار من السوق، توجهت إلى مبنى المحافظة، وصعدت الدرج متجهة إلى مكتب المحافظ اللواء إبراهيم كامل في ذلك الوقت وطلبت مقابلته؛ وبعد إلحاح دخلت إليه وقالت له " عايزة أتعلم، ليا سبعة أخوات ووالدى راتبه بسيط، وحضرتك كبير القوم هنا وأنا عايزة أتعلم" نظر إليها الرجل وضحك وصرف لها على الفور مبلغ عشرون جنيهًا وانصرفت تغمرها السعادة.
الفتاة تحصل على اليكالوريوس وتلتحق بمنظمة الفاو
التحقت "سليمة" بالجامعة. وكانت نصيحة والدها لها ألا يصدر منها أي خرق للعادات والتقاليد التي تربت عليها، وإلا ستعود على الفور وستحرم إخوتها البنات من التعليم مثلها. اجتازت الفتاة كافة الاختبارات وتخطت العقبات. وفي عام 1983 تخرجت في الجامعة وحصلت على بكالوريوس الطب البيطرى جامعة الإسكندرية، وفي فبرير 1984 تم تعيينها بمديرية الطب البيطرى بمطروح. وفي مارس من نفس العام التحقت بـ "منظمة الفاو" وسافرت إلى قبرص مع فريق المنظمة، وحصلت على منحة دراسية تابعة للمنظمة، وبدأت المسيرة المهنية للفتاة البدوية على الصعيد العالمى وليس المحلي أو الإقليمي فقط.
سليمة من صحراء البدو إلى أمريكا واوروبا
بعد عام من التحاقها بـ"منظمة الفاو"؛ التحقت "بمنظمة العمل الدولية". ثم برنامج الغذاء العالمي؛ وفى عام 1988 كانت النقلة التي استفادة منها "سليمة " بالانضمام إلى "هيئة المعونة الألمانية" "GIZ"، وبحكم عملها زارت بعض من دول العالم منها "إنجلترا" في دورة تدريبية عن تنمية المرأة، ثم "واشنطن" لحضور برنامج عن المرأة والتصحر، ودولة المغرب لتبادل الخبرات، ومنها إلى كينيا وليبيا، أما دولة الإمارات فكانت لحصولها على جائزة الموظف المثالي من دبي.
وحاليًا تعمل د/ سليمة عبد الرحيم مقررة المجلس القومى للمرأة بمطروح، ورئيس مجلس إدارة الهلال الأحمر بالمحافظة، ومؤسس ورئيس الجمعية الخيرية للأيتام وتلاميذ المدارس، كما أنها كانت عضو مجلس نواب عام 2010، اتقنت الدكتورة سليمة العمل الميداني فعشقته، كان هدفها ومازال تنمية البيئة البدوية والاهتمام بالمرأة وتعليمها.
"بدوية" فى هيئة الاستعلام.. "أم العز": لولا ذكاء أمى ما كنتش تعلمت
" أعترف أنى محظوظة، لأني عشت في المدينة وكانت لي أم تدعمني وتدفع بي للتعليم وإكمال حلمي"، أم العز ابنة قبيلة السنيني، ولدت في مطروح أواخر سبعينيات القرن الماضي، الابنة الثالثة في ترتيب أخواتها، "أم العز" واحدة من فتيات مطروح الآتي وصلن إلى تحقيق الحُلم في التعليم واعتلاء المناصب العليا، روت"أم العز" عن أمها: كانت دعمها وتتحمل انتقاضات الجميع سواء من قبيلتها أو من أهل مطروح أنفسهم، لأنها تُعّلم بناتها، فكان ردها عليهم " أنا بستثمر في بناتي".
أغلقت الأم الباب على بناتها ومنعت عنهن الاختلاط حتى مع العائلة، فمنعت الزيارات المنزلية والمشاركة في المناسبات الاجتماعية، تخوفًا على بناتها من أن يتقدم أحد من أبناء العمومة لهمن، وتضطر إلى المواقفة بحكم العادات والتقاليد البدوية، فيوجد في أعراف المرأة البدوية ما يمسى بـ" إمساك بنت العم" فإذا قال "فلان" أمسك ابنة عمى "فلانة" فهي له حتى إذا بقيت عمرها كله في بيت والدها بدون زواج. فكان التفكير الأوحد في هذا البيت للتعليم فقط وبدون دروس خصوصية، الخروج من البيت يكون للمدرسة فقط، أما في فصل الصيف كانت تشترى الأم الكتب والمجلات لكي تقضي بناتها أوقات فراغهن في القراءة والثقافة، ولا يحتجن إلى الخروج من المنزل لأي سبب.
كانت تحلم "أم العز" بالالتحاق في كلية الإعلام جامعة القاهرة ولتصبح صحفية، وهنا اعترضت الأمنية مع العادات والتقاليد، تقول "أم العز": فقد رفض والدى السفر والعيش في المدينة الجامعية بمفردى خوفًا عليا، وقرر أن أقدم أوراقى في كلية التجارة جامعة الاسكندرية، وبسبب هذا القرار تعرضت لظروف صحية صعبة؛ وحينها تدخل خالى الأكبر وكانت له مكانته وكلمته داخل قبيلة "السنيني" فأقنع والدى بالعودة إلى كلية "الإعلام" بعد أن تعهدت أنى لا أخل بعادات وتقاليد البدوية، حتى أكمل تعليمي وتعليم أخواتى، فأى خلل سيؤثر عليهن. وفعلًا أغلقت عليا حياتى وكرستها لإنهاء دراستى وبتفوق.
حققت الفتاة حُلم التعليم وتمنت أن تكمل دراستها العليا في القاهرة، وأن تعمل صحفية في إحدى المؤسسات الصحفية الكبرى، ولكن هنا جاء الرفض من الجميع داخل القبيلة، فعادت الفتاة لتعمل مدرسة لغة إنجليزية في إحدى المدارس الخاصة، وبعدها مذيعة في الإذاعة المحلية لمحافظة مطروح، ثم الالتحاق بهيئة الاستعلام بالمحافظة وتدرجت في وظيفتها حتى أصبحت مدير إدارة الإعلام بمطروح.
وأثناء مشوراها حصلت "أم العز" ابنة قبيلة "السنيني" على درجة الماجستير في "تنمية المواطنة للأطفال" بدرجة امتياز من جامعة الاسكندرية .
من البادية للبرلمان.. "ناجية" تحدت الأحكام القبلية ووصلت لمجلس النواب
"أنا ناجية زايد بدوية من أولاد على، قبيلة العشيبات على الأحمر، مواليد 1968 والدي كان من ذوى الإعاقة فقد إحدى ذراعيه في حادث لغم، لكنه رجل عصامي عمل في تجارة الفاكهة بالتجزئة، ترتيبي الصغرى بين أخواتي البنات، اللاتي لم يتعلم منهن سواى، بدأت المعاناة حين صممت على التعليم، وقفت أمامى عادات وتقاليد القبيلة البدوية من عدم خروج الفتاة خوفًا عليها، سمعت بأذنى قولهم: "ايش تريدي تريدي بالتعليم.. الست مكانها البيت" بمعنى أخر "هتعمل إيه بتعليمها" ولكنى صممت ودعمتني أمى التي كانت تحفظ جزء من القرآن الكريم، والكثير من أبيات الشعر، وهذا كان أقصي ما يمكن أن تتعلمه الفتاة في البيئة البدوية الصحراوية، كنت أذهب للمدرسة صباحًا ثم أعود إلى البيت لأساعد والدى في بيع الخضروات".
ناجية تحصل على دبلوم التجارة
لا يمكن للفتاة داخل المجتمع البدوى أن تخرج للعمل إلا بصعوبة شديدة، مثل: العمل العام أو السياسي أو التنفيذي، أتمت الفتاة المرحلة الإعدادية، وكانت تحلم بالالتحاق بمدرسة المعلمين، ولكي لا تخرج من محيطها خُيرت بين ترك التعليم أو الالتحاق بالمدرسة التجارية في مطروح؛ فاختارت المدرسة التجارية. وكان كل أملها أن تلتحق بالجامعة، ولكن تنفيذا للعادات والتقاليد التي تتحكم هذا المجتمع اكتفت بالدبلوم.
أكملت الفتاة تعليمها ثم التحقت بالعمل الميداني لخدمة مجتمعها البدوي في سن صغير، وساعدها في ذلك التحاقها بوظيفة رئيس لجنة الشؤون الصحية بالمجلس المحلي لمدينة مطروح، وكان ذلك على حد قولها بـ" العمل الجلل" فلم يدعمها احد في هذا الوقت سوى أخيها الأكبر وأمها فقط، حيث اعترض أبيها على قبولها الوظيفة وخروجها كل يوم، والتعامل مع الرجال أثناء العمل الميدانى، فتحدت الفتاة العوائق التي قيدت أخواتها البنات وصممت على الخروج من نفق المظلم، فكانت اليد اليمنى لسيدات مطروح اللاتي يعانين مشاكل كثيرة مثل: المطلقات والأرامل، والأطفال الأيتام، ومساعدتهم في فتح مشروعات صغيرة في منازلهم كغزل صوف الماشية وصناعة السجاد اليدوى، مما أثقل شخصيتها العمل التنفيذي مع العمل الميدانى، وجعل قبيلتها تشعر بالفخر منها، وحينها نالت دعم كافة القبائل في مطروح لترشحيها لمجلس النواب 2010، وهى الأن مستمرة في خدمة المجتمع والنهوض بالفتاة البدوية.
الأغنام في الصحراء
الأغنام
الجمال في الصحراء
الخيمة البدوية
بدوية تخبز
بدوية ترعى الغنم
بدوية تعد العجين (2)
بدوية في الصحراء
بدوية مع الأغنام
بدوية وشجرة الزيتون
سليمة عبد الرحيم
صحراء مطروح.
صحراء مطروح
ناجية زايد