خفق قلب مصر، وهى تشيع جثمان الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، يوم 10 مارس 1969، حسبما تصف جريدة «الأهرام» مشهد جنازته المليونية، فى عددها 11 مارس 1969، كان الرئيس جمال عبدالناصر يتقدم المشيعين، وبمشاركة وزراء خارجية عرب، وقادة أركان جيوش: «العراق، وسوريا، ولبنان، والأردن»، وتذكر «الأهرام» أن الجنازة كان مقررا أن تكون عسكرية، لكنها تغيرت بقدوم عشرات الآلاف من الجماهير من مختلف الفئات إلى ميدان التحرير، حيث كان السرادق منصوبا بجوار مسجد عمر مكرم.
استشهد «رياض» بقذيفة مدفع أطلقتها إسرائيل عليه أثناء وجوده بين جنوده فى خط المواجهة بالإسماعيلية، يوم 9 مارس 1969، وفى 10 مارس، مثل هذا اليوم، وجه الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية أمرا إلى ضباط وجنود القوات المسلحة بهذه المناسبة، نشرت «الأهرام» نصه فى 11 مارس، 1969:
«استشهد فى معركة الشرف يوم 9 مارس 1969، البطل الشجاع الفريق أول عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وأننى إذ أنعيه إليكم لأسجل أن الشهيد العظيم قد ضرب أروع الأمثلة فى شجاعة القائد بوجوده على رأس قواته فى الخطوط الأمامية أثناء القتال، وقدم الدليل الحى على روح الإيمان بغير حدود بحق الوطن وبرسالة المقاتل، وعلى صدق ما عقدنا عليه العزم فى قسمنا الذى نردده كل يوم بتقديم أرواحنا فداء لتحرير الوطن، وأننى أعتبر أن شهيدنا العزيز فى مفهوم الروح القتالية الحالية فى القوات المسلحة، ما زال حيا تتمثل روحه فى كل لبنة من بناء القوات المسلحة الجديد الذى أقامه معنا بكل الجهد والعرق والدم، وما زال حيا بكل ما خلَفه من آثار لا تُمحى لأعماله وتعاليمه فى جميع مجالات القوات المسلحة، لذلك فإن كل الحزن على فقد هذا القائد العظيم يتحول فى قلوبنا جميعا إلى أقوى ماعرفته إرادة المقاتلين من كراهية للعدو والتصميم على قهره، ولنأخذ من حياة الشهيد الحافلة بأجل الأعمال المخلصة لصالح الوطن، والتى ختمها بأروع آيات البطولة فى الجهاد والفداء حافزا لاستمرار التقدم على طريق الجهاد ووقودا يذكى روح الثأر ونورا يهدينا إلى طريق النصر.
فهنيئا لهذا القائد العظيم الذى حظى بالشهادة، وهنيئا لأبطالنا الذين نالهم شرف الشهادة من أجل معركة المصير وهو ليس أول شهيد، ولن يكون آخر شهيد يسقط فى ساحة الشرف والفداء، فإن أصالة شعبنا العظيم التى أخرجت على مر العصور الأبطال تلو الأبطال، الذين قهروا أقوى الغزاة، ورفعوا رايات النصر على أعداء الوطن، معين لا ينضب من الأبطال المجاهدين الصادقين الذين يتخذون الشهادة أمنية وأملا «فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء، والصالحين وحسن أولئك رفيقا، فذلك الفضل من الله».
ولقد شاء القدر أن يمهله حتى يرى بعض نتائج جهده فى إعادة بناء القوات المسلحة، فرأى الصورة الرائعة للمقاتل المصرى يقضى على أسطورة التفوق الإسرائيلى التى روج لها العدو بعد معركة 5 يونيو 1967، فرأى كيف استطاعت حفنة من الرجال فى معركة رأس العش فى يونيو 1967، أن يصمدوا فى مواجهة قوات متفوقة فى العدد والعدة، وأن ينتصروا عليها فى أصعب الظروف، ورأى الصورة الرائعة للبحار المصرى حينما استطاع أن يُغرق أكبر قطعة فى أسطول العدو البحرى (المدمرة إيلات) مستخدما الصاروخ لأول مرة فى التاريخ، ورأى الصورة الرائعة للطيار المصرى حينما استطاع فى المعارك الجوية إسقاط أقوى طائرات العدو.
وأخير شاء القدر أن يمهله حتى يرى بعينه كفاءة القوات المسلحة، وقدرتها فى المعارك الأخيرة على توجيه الضربات الرادعة بكل عنف إلى كل محاولة للعدو للاعتداء على حياة المواطنين وعلى المنشآت الحيوية، وإذا كان القدر لم يمهله حتى يشهد تحقيق الهدف الذى كان يعمل معنا من أجله، وهو تحرير أرض الوطن، فإننا نعاهده على أننا سوف نعمل بكل ما أوتينا من طاقة وقدرة على تحقيق هذا الهدف، وفى تلك الحالة وبعد تحقيق الهدف، سوف نقف على قبره ونزف إليه البشرى بأن عمله قد تحقق، وهذا وعد نقطعه على أنفسنا.
ولقد حظى الشهيد بتكريم القائد الأعلى للقوات المسلحة والشعب بمنحه أكبر وسام عسكرى، وبترقيته كبطل إلى أكبر رتبة عسكرية وهى رتبة الفريق أول، ولقد قررت أن تقوم القوات المسلحة بتخليد ذكراه بالأساليب المختلفة الأدبية والمعنوية، بما يراه القادة ومديرو الأكاديميات والكليات العسكرية، كذلك قررت أن ترتبط خطط العمليات القادمة بروح الشهيد، وأن الوطن كله سوف يذكر على الدوام ذلك البطل العظيم الذى قدم روحه فى معركة الشرف، وسوف يضعه فى مكانه فى سجل الأبطال الخالدين».
الفريق-محمد-فوزى
عبد-المنعم-رياض
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة