تجلس "انتصار" أمام نولها بنظرة عين يملؤها الاعتزاز وتنظر إليه قائلة: "مافيش بدوية في مطروح ماتعرفش تغزل على النول" والتقطت خيوطه لتكمل إبداعها في سجادتها، التي تشبه معزوفة رقيقة ومتناغمة تجمع بين خيوط الصوف الملونة وأوتار الخيوط المشدودة على النول.
جز صوف الخروف وتحويله لغزول
انتصار رافلة، بدوية "أبًا عن جد" اصطحبتنا في جولة داخل مصنع لإنتاج السجاد اليدوي في مطروح، والتقينا مع إسلام عيسى مسئول عن وحدة الغزل وإنتاج الصوف داخل المصنع، فقال: هذا المصنع الوحيد لصناعة السجاد في مطروح، أنشئ في سبعينيات القرن الماضى، بهدف الحفاظ على الهوية والتراث الحضارى لمحافظة مطروح، وتبدأ أول مرحلة في تصنيع السجاد بجز الصوف من الأغنام البرقي بصورته الطبيعية، بعد القيام بقصه أو جزه بصورة دورية كل عام. وفي الغالب يكون في شهر مايو، وعادة لا يؤخذ بصوف البطن والأرجل.
بعد مرحلة الجز يدخل الصوف عدة مراحل كما أوضحها "اسلام" أولها الفرز وفيها يتم فصل ألوان الصوف منفردة الأبيض والأحمر والأسود، ثم مرحلة الغسيل داخل غسالات خاصة ويتم وضع معجون الصابون عليه مع كربونات الصوديوم، وبعدها يدخل مرحلة التجفيف أو العصر، ثم نبدأ في مرحلة التصنيع أو تحويل الصوف إلى خيوط وفيها ندخل الصوف ماكينة "الديبا" يليها آلة المضرب وهى لتنقية الصوف من الشوائب، ثم نضع عليه زيت الصابون كى تتماسك الخيوط مع بعضها، ثم مرحلة الغزول وتحديد سماكة الخيط وهى متنوعة ومنها، الفتلة 3000 وتكون أو رفيعة جدًا وتستخدم في السجاد العقدة، 2000 وتستخدم في صناعة الكليم والحوايا البدوية، والفتلة 1000 وهذه لتصنيع البطانية الصوف.
صناعة السجادة اليدوية
بعد الانتهاء من صالة الغزل؛ توجهنا إلى صالة كبيرة تجمع العديد من الفتيات الجالسات أمام أنوالهن، كل واحدة تتسابق أناملها على خيوط النول المشدود لتصنع سجادتها، هنا جلست الفتاة البدوية "انتصار" أمام نولها وبدأنا حديث مطول عن عشقها للنول وخيوط الصوف. فقالت: أعمل في صناعة السجاد اليدوى منذ ما يقرب من 20 عامًا، فقد تعلمت هذه الحرفة من جدتى، حين كان جدى يقلم الأغنام كانت تأخذ الصوف وتغسله وتصبغه بالألوان الطبيعية كالبصل والكركم وتغزله ثم تصنع منه الحوايا، كنت أجلس بجانبها وأتعلم منها، لم أكن أعلم أنني سأمتهن حرفة صناعة السجاد اليدوى، الأن وفي هذا المكان أعمل وأنتج وأدرب البنات الصغار، والطالبات اللاتي يأتين من المدارس الفنية لتتدريب هنا.
النول الصديق الوفي وكاتم الأسرار
في عشق النوال وخيوطه تحدثت انتصار فقالت: "النول مش آلة ده صديقي اللى بفضفض له وبتكلم معاه لما بكون متضايقة كاتم أسراري واللى بيشوف دمعتى لو يعرف يتكلم يحكى حكايات، بيسمعنى وبيطوع الصوف في إيدى وأنا بشتغل، وبعدها الهم بيروح. عشان كده لما بتيجى بنت أعلمها بقولها اختارى ألوانك، ومن اختيارها ببتدى أتعامل معها، لأنى بعرف إذا كان عندها مشكلة ولا لاء، ودايمًا بوجهها لازم البنت تشتغل بحب، كانت جدتى تنصحنى بكده، كانت تؤكد اشتغلتى باحساسك هتطلعى شغل فيه روحك وهيكون أجمل، وكانت بتقولي لازم تحترمى خيوط الصوف لأنه بيحس بيكي، ولو اشتغلتيه بحب هيطلع أجمل شغل".
فرحة الفتاة بصنع يدها
بعد أن تشد الفتاة نولها بخيوط الكتان "شد خيوط النول"، تبدأ في تعشيق تلك الخيوط ببعضها، بعدها نقوم بعمل الحبكة وهى بداية السجادة التي نبنى عليها الجدلة وهي إخراج خيوط الصوف بالعدد والشكل المراد تصنيعه، وتبدأ البدوية في تصنيع السجاد أو القطعة المراد إخراجها، والأهم هو الدق بـ "المدرا" على الشغل بشدة لضغط خيوط الصوف جيدًا حتى لا تظهر حشرة الصوف بين الخيوط فتفسده، ونستمر على ذلك حتى ينتهى عمل السجادة، تتراوح مدة تصنيع السجادة من ثلاثة إلى أربعة أشهر، أما البطانية يومًا واحدًا، تقول البدوية" لما أخلص السجادة وأفك خيوطها وأشوف جمالها في النهاية ببقي في منتهى السعادة بتبقي عزيزة عليه جدًا، وخاصة لما بتعب الزوار وحد يشتريها، بتدينى دافع أنى أشتغل وأطلع إنتاج أكثر".
أسعار متر السجاد اليدوى في مطروح
في جولتنا داخل مصنع مطروح لصناعة السجاد اليدوى، اصطحبتنا "انتصار" إلى مخزن السجاد وأكملنا الحديث مع "إسلام عيسى" مسئول عن وحدة الغزل وإنتاج الصوف داخل المصنع، والذى كان حدثنا عن مرحلة جز الصوف وغزله لخيوط، فقال: ما تشاهدونه في المخزن أنواع متعددة من الأعمال اليدوية على النول منها السجاد، والحوايا البدوية القديمة، والبطانية الصوف، وشغل الجبلان وهو الرسومات الطبيعية بألوانها المبهجة التي يتم تعليقها على الحوائط، أما عن الأسعار فشغل الهاند ميد مرتفع ثمنه لأن جميع مراحلة يدوية، وفي الغالب لا يوجد تسويق هنا في مطروح سوى المعرض الخاص بنا، وتكون الأسعار فيه منخفضة عن البازارات الخاصة، ويعتمد على الزوار الأجانب بشكل كبير، فقد يصل متر السجاد هنا في المصنع إلى 1200 جنيه مصري، ولكن خارجه قد يصل إلى 3000 جنيه، أما الحوايا بـ 400 جنيه وفي البازارات قد تصل إلى 800 جنيه.
الوصول للعالمية حلم الفتاة البدوية
في نهاية جولتنا ختمت "انتصار" حديثها قالت" أنا زى الفنان وده فنى إبداعى على النول زى الرسام بالضبط، لما بشتغل في سجادة أو حوايا بدوية بخرج حتة من روحى معاها، اللى يشوفها لازم يعرف إن انتصار هي إللى عملاها، أنا كمان بطور نفسي وبعمل رسومات جديدة، أنا بعلم البنات وبتعلم معاهم، نفسي شغلي يوصل للعالمية ".