يعمل نيكولاس مولدر في أبحاث التاريخ الأوروبي والعالمي من عام 1870 حتى الوقت الحاضر في جامعة كورنيل ويركز بحثه على التاريخ السياسي والاقتصادي مع إيلاء اهتمام خاص لحقبة الحروب العالمية بين عامي 1914 و 1945، وهو مؤلف الكتاب الجديد "السلاح الاقتصادي: صعود العقوبات كأداة للحرب الحديثة" الذى يقدم تاريخًا لأصول العقوبات الاقتصادية ويوضح كيف أعادت تشكيل الشؤون الدولية.
يبدأ المؤلف من 24 فبراير الماضى حيث أعلنت الحكومة الأمريكية والقادة الأوروبيون عن حزمة كبيرة ومنسقة من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، وعلى مدى الأشهر الماضية هددت إدارة بايدن بفرض عقوبات "كبيرة وشديدة" على موسكو في حالة قيام فلاديمير بوتين بمهاجمة أوكرانيا عندما شنت روسيا غزوها.
ويقارن الكاتب بين ما جرى فى الحرب الإيطالية الإثيوبية وما يحدث في أوكرانيا ويثبت أن التشابهات مذهلة فقد كان الحشد العسكري للمعتدي واضحًا لفترة طويلة فى كلتا الحالتين، لكن العواصم الغربية اختلفت حول مدى صعوبة فرض العقوبات، وقد استعد الغزاة أيضًا للعقوبات وتلك العقوبات الدولية.
خلال عامي 1934 و 1935 بنى موسوليني جيشًا ضخمًا في شرق إفريقيا في مستعمرات إيطاليا في إريتريا والصومال إذ حشد ما يقرب من 390.000 جندي و 100.000 فرد داعم - وهو أكبر جيش أرسلته قوة أوروبية إلى إفريقيا على الإطلاق - على حدود إثيوبيا، تم تزويدهم بالسفن الإيطالية المبحرة عبر قناة السويس، كانت تهديدات موسوليني للدولة الإثيوبية واستعداداته للحرب واضحة للعالم.
ومع ذلك فقد خشيت بريطانيا وفرنسا من استفزاز موسوليني في حرب مفتوحة ضدهما فقد أرادوا الاحتفاظ باحتمال التوصل إلى تسوية دبلوماسية لذلك في سبتمبر 1935 اتفقت باريس ولندن على حزمة عقوبات معتدلة تتضمن حظر قروض وبيع الأسلحة والعديد من السلع الأساسية لإيطاليا. لكن تركيزها الأساسي كان على منع الصادرات الإيطالية من دول العصبة. كان الهدف هو استنزاف الاحتياطيات الأجنبية للبلاد ، مما يجعل استمرار العدوان العسكري في إفريقيا باهظ التكلفة.
بحلول مايو 1936 احتلت القوات الإيطالية أديس أبابا وفر الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي إلى المنفى وعانت بلاده خمس سنوات من الاحتلال، وتُظهر الحالة الإيطالية الإثيوبية أنه بمجرد بدء النزاع من الصعب الاعتماد على العقوبات وحدها لإيقافه، وبالتالى من المؤكد أن روسيا ستتعرض لأضرار كبيرة من العقوبات الغربية ، لكنها استعدت للتغلب على تأثيرها الفوري بطريقة ستستمر في منحها قوة قتالية على المدى القصير.
ومع ذلك ففى حالة أثيوبيا، فإن الفشل الحقيقي لعصبة الأمم لم يكن فشلها في تنفيذ ما يكفي من العقوبات، كان الفشل الحقيقى أنها لم تتخذ إجراءات من شأنها أن تساعد إثيوبيا في الدفاع عن نفسها، جادل الخبير الاقتصادي جون ماينارد كينز بأن الدعم المالي الواسع النطاق لأديس أبابا من شأنه أن "يُحدث ثورة في فعالية الدفاع الإثيوبي"، لكن الهواجس الغربية المتعلقة بتوازن الميزانية وعدم الرغبة في مساعدة تقرير المصير الأفريقي جعلت هذه المساعدة حبرا على ورق.
يجب أن يكون درس اليوم واضحًا فتقديم المساعدة لأوكرانيا ذى أهمية قصوى إذ يجب أن تكون المساعدة الإيجابية للضحية، وليس فقط العقوبات السلبية ضد المعتدي أولوية.
ومع احتدام الحرب بين روسيا وأوكرانيا من الضروري تقييم ما يمكن للعقوبات أن تحققه وما لا يمكن أن تحققه عند استخدامها كجزء من استراتيجية الإنهاك وهل يمكن للعقوبات وحدها إبطاء تقدم القوات الروسية بالسرعة الكافية لإنقاذ استقلال أوكرانيا؟