في إطار تحليله لما يسمى بفتاوى التريندات والموضوعات الدينية، لفت المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم إلى أنه منذ بداية القرن الجديد، أخذت الحروب الميدانية والمواجهات المسلحة في الانحسار، وما لبث أن حلّت محلها الحروب الإلكترونية وحروب الجيلين الرابع والخامس، وصولًا إلى ما يسمى في الوقت الحالي بـ (التريندات) التي باتت تسوق الرأي العام سوقًا من خلال الفتاوى والموضوعات، وما تثيره من تعليقات وردود ثم ردود على الردود..إلخ.
وأوضح المؤشر العالمي للفتوى في تقرير له، أن أكثر من (90%) من موضوعات وفتاوى (التريندات) تهدف الآن إلى احتلال العقول بدلًا من الأراضي دون جيوش أو عتاد، كما أنها تعد بمثابة حروب بالوكالة أو "حروب جيل سادس" تشبه إلى حدٍّ كبير ما حدث على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة فيما سُمي بـ(ثورات الربيع العربي) عام 2011 في عدة دول عربية، والتي حرّكتها دعوات ومطالبات ومظاهرات أثبتت فيما بعد أنها كانت ممولة من أجندات خارجية عبر المنصات الاجتماعية.
كيف تتعامل دار الإفتاء المصرية مع التريندات؟ مواكبة التطورات وفق معايير علمية
وأشار مؤشر الفتوى إلى أنه بعد متابعة متأنية لما طرأ على الساحة الدينية العالمية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، سواء الفتاوى التي صنعت تريندات، أو الموضوعات التي استدعت إصدار فتاوى مُلحّة، وأحداث أخرى تجاهلتها الفتوى؛ خلصت دار الإفتاء المصرية في هذا الجانب إلى أنه لا بدّ من الانتباه لأمرين مهمين:
أولهما: أن مواكبة التطورات، لا سيما التكنولوجية والرقمية منها، أمرٌ من الأهمية بمكان للمؤسسات الدينية والإفتائية.
والأمر الثاني: أنه يجب مراعاة فقه الواقع والأولوية ومصلحة الأمة الحالية عند إصدار فتوى حول الموضوعات أو الأحداث التي تثير البلبلة وتؤدي إلى زعزعة الثوابت والأفكار وحيرة الناس، وذلك بعد كثرة التساؤلات المرتبطة بهذه الموضوعات، دون اللهث وراء كل تريند، وإنما بهدف اتخاذ قرار في هذه الحالة أو إصدار بيان يوضح الأمر الذي يشغل الأذهان مستندًا إلى فتوى شرعية مؤصلة وفق منهجية علمية اجتهادية عصرية.
ولا أدلّ على ما سبق من فتوى دار الإفتاء المصرية الخاصة بتزوير شهادات لقاح كورونا، والتي نالت الكثير من الإشادات والترويج على كافة المنصات الاجتماعية المصرية والعربية في الوقت نفسه؛ كونها خرجت في الوقت المناسب تمامًا ولامست الناس وأوقفت الشقاق المثار، حيث أكدت درا الإفتاء أن "تزوير الشهادات المُثْبِتة لَتلقِّي لقاح «فيروس كورونا» مُحرَّمٌ شرعًا؛ لما اشتمل عليها من كَذِبٍ ومفاسد عِدَّة، ويقع به الإثم على صاحبها، وعلى مَن زوَّرها له".
كما أكدت أن الطبيب المزوِّر لشهادة تلقي لقاح كورونا يعدّ شاهد زور، وخائنًا للأمانة بسبب تساهله في كتابة مثل هذه التقارير الكاذبة مع عِلْمه بعدم صحتها وعدم مطابقتها لواقع التشخيص الصحيح للشخص هو مِن صور شهادة الزور وخيانة الأمانة التي يأثم صاحبها شرعًا.
وأصّلت دار الإفتاء للفتوى السابقة من الناحية الشرعية، وراعت الزمان والمكان والحاجة، واستدلت بأدلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة مستخدمةً إياها في سياقها الصحيح.