معارك عسكرية وجهود دبلوماسية ومبادرات عابرة للحدود خلقتها الحرب الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير الماضي ، حينما تحركت القوات الروسية في الشرق الأوكراني في عمليه بررتها موسكو بـ"الدفاع عن المدنيين" في إقليم دونباس ، فيما يراها الغرب عدوان علي سيادة كييف.
وما بين كر وفر في ميادين القتال ، كانت دوائر صنع القرار في كلاً من واشنطن وباريس ولندن تتأهب لتداعيات امتدت آثارها للداخل، وألقت بظلالها علي مؤشرات استطلاع الرأي في الانتخابات المرتقبة التي تتأهب لها تلك العواصم.
ثمن باهظ ينتظر الديمقراطيون في التجديد النصفي
وفى الولايات المتحدة ، يستعد الحزب الديمقراطي لانتخابات التجديد النصفي ، وسط توقعات بخسائر متفاوتة أمام الحزب الجمهوري الذي استطاع أن يحشد المزيد من الدعم في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما صاحبه من فوضي، وكذلك مع اندلاع العملية الروسية في الشرق الأوكراني التي نالت من اسم حزب الرئيس الأمريكي جو بايدن .
وتكبد الاقتصاد الأمريكي منذ الحرب الأوكرانية خسائر فادحة ، حيث ارتفع التضخم بشكل حاد ووصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ 40 عاماً، ما دفع صحيفة "ذا هيل" الأمريكية للتأكيد علي أن الغزو الروسي سيؤثر بما لا يدع مجالاً للشك في مؤشرات التصويت في انتخابات التجديد النصفي المقررة نوفمبر المقبل.
وأشارت الصحيفة إلى أنه برغم أن السياسة الخارجية الأمريكية نادرا ما يكون لها تأثير على الانتخابات، فإن التحركات الروسية فى أوروبا واستجابة أمريكا يمكن أن يكون له تداعيات هائلة ستضر الأسر الأمريكية، ويمكن أن تتصدر حتى مشكلة ارتفاع أسعار الغاز والتضخم القياسى، وهى القضايا التي يصنفها الناخبون من بين أكثر القضايا أهمية.
وإضافة على ذلك، هناك شبكات عميقة من المهاجرين من شرق أوروبا الذين يقيمون فى بعض من أهم الولايات الانتخابية، وكذلك فإن معدل الرضا عن أداء الرئيس، وهو مؤشر على أداء حزبه فى الانتخابات النصفية، تظل ضعيفة.
ويعتقد بعض الديمقراطيين أن بايدن فى موقع جيد لشرح قراراته حول أوكرانيا والدفع عن العقوبات الصارمة بشكل متزايد التي فرضها على موسكو. وكان الرئيس قد وصف الغزو الروسى بأنه هجوم وحشى على شعب أوكرانيا، وهجوم مع سبق الإصرار، وفرض عقوبات اقتصادية وتكنولوجية جديدة على موسكو يوم الخميس، وقال المسئولون إنه لا يزال هناك خيارات على الطاولة.
كما أن بايدن يسعى إلى تخفيف حدة الغضب التى يواجهها من الناخبين بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، وإلقاء اللوم على الرئيس الروسى فى ذلك بسبب إشعاله الحرب.
كما قالت وكالة رويترز إن استراتيجية الرئيس جو بايدن للتعامل مع التداعيات الداخلية فى الولايات المتحدة لارتفاع أسعار البنزين هى أن يوجه الأمريكيون غضبهم إلى رجل واحد وهو الرئيس الروسى فلاديمير بوتين. فقد اجتمع بايدن وإدارته حول عبارة "ارتفاع أسعار بوتين" لوصف تحديات تضخم أسعار الطاقة الذى تسبب فيه الغزو الروسى لأوكرانيا والعقوبات الغربية الانتقامية.
وقال بايدن على تويتر يوم الثلاثاء الماضى : "سأفعل كل شىء بإمكانى للتقليل من ارتفاع الأسعار الذى سببه بوتين هنا فى الداخل".
ومن المرجح أن تدفع الخطوة أسعار البنزين فى الولايات المتحدة التى وصلت إلى أكثر من 4 دولارات للجالون فى كثير من الأماكن، وهو ما يشكل مشكلة سياسية للرئيس الديمقراطى، والتى يأمل الجمهوريون استغلالها قبل الانتخابات النصفية فى نوفمبر المقبل، والتى ستحدد لمن سيكون له السيطرة على مجلسى الكونجرس.
ماكرون يستعد لجني ثمار الحرب
وفى فرنسا، ألقت أزمة أوكرانيا بظلالها على حملات انتخابات الرئاسة الفرنسية 2022 ، وتكاد تكون قد غيرت المشهد بشكل كبير لصالح الرئيس إيمانويل ماكرون. وقد كشف استطلاع للرأى أجراه معهد إلاب، ونشره فى 8 مارس الجارى أن شعبية ماكرون ارتفعت 8.5% مقارنة بالأسبوع الذى سبقه، كما حصل على تأييد 33.5% من نوايا التصويت، مقابل 25% فى الأسبوع السابق أيضا.
بينما تراجع منافسه إريك زمور، اليمينى المتطرف أيضا وظل فى المركز الثالث، فيما ظلت مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان فى المركز الثانى بنسبة 15%، لكنها قد فقدت نقطتين، وفقا لما ذكرت شبكة سكاى نيوز.
وأشار المحللون إلى أن ماكرون الذى كان يواجه انتقادات حادة من المعارضة، قد استفاد بشكل أو بأخر من الأزمة الأوكرانية، خاصة وأنه يقوم بجهود وساطة فى محاولة لتهدئة الوضع. كما أن الفرنسيين يتجهون لمساندة الدولة فى الأزمات. وفى الوقت نفسه، فإن مساحة الاهتمام التى كانت تحظى بها سباق الانتخابات الرئاسية تراجعت لتشاركها معها تطورات الحرب فى أوكرانيا.
وفى سياق الانتخابات أيضا، واجه زعيم اليسار الراديكالى جان لوك ميلانشون، والمرشح الرئاسى انتقادات شديدة أخذت عليه تأييده لروسيامما دفعه إلى "وقف غزو أوكرانيا"، بينما دعم فكرة تبنى فرنسا سياسة "عدم انحياز" التى لا تقبل "بنظام للعالم يكون فيه من جهة الحلف الأطلسي، ومن جهة أخرى كتلة روسية" وصينية.
جونسون يهرب من "حفلات داونيج ستريت" إلى الحرب الأوكرانية
ورغم الأزمات التي تعانيها حكومته، والهجوم الحاد الذي واجهته لندن بسبب تمسكها بفرض قيود علي استقبال اللاجئين الأوكرانيين الهاربين من الحرب، إلا أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون استطاع من خلال تلك الحرب كسب المزيد من الوقت ، في ظل انصراف الرأي العام البريطاني عن أزمة حفلات داونينج ستريت ، والتي يواجه فيها جونسون ومسئولي حكومته تهم ارتكاب تجاوزات خلال فترات الإغلاق الخاص بقواعد التباعد الاجتماعي في الموجة الأولي من كورونا.
ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية، تراجعت أزمة حفلات داونينج ستريت عن العناوين الرئيسة ليحل محلها الحرب وتداعياتها ، وسبل ملاحقة لندن للأوليجارش، أو رجال الأعمال الروس الذين كانت المملكة المتحدة مركزا لاستثماراتهم وأموالهم. كما انصب التركيز أيضا على جهود بريطانيا لدعم أوكرانيا فى مواجهة موسكو.