هنا "المطرية".. ساحة صناعة المراكب الشراعية والقوارب الخشبية فى محافظة الدقهلية، تاريخ حى حفرت سطوره بعيون مخلصة ساهرة تبذل الجهد دون أن تكل أو تمل، ونفوس راضية صابرة تضحى وتبذل كل غال بعرق جبينها، وأنامل مبدعة تهزم الظروف وتصنع الأمل تصنع من الخشب مراكب صيد مبهرة غاية فى الروعة والجمال، إنها ملحمة من الكفاح والعطاء صنعها أبناء مدينة المطرية رواد الصيد وصناعة المراكب على مدار عقود طويلة بحثا عن لقمة العيش والرزق الحلال، محافظين بإبداعاتهم وإتقانهم لعملهم على صناعة عريقة شارفت على الإندثار.
بضحكة من القلب ارتسمت على شفاهم، وقلوب صافية أخفت إرهاق أرواحهم، ونظرة لامعة يشع بريقها فخرا واعتزازا، يقضى أبناء المطرية من الجد للحفيد ساعات طويلة من العمل الشاق، منهم من يجسد أفكاره وتصميماته المرسومة، ومن يجمع أخشاب "التوت والكافور والسويدي" ويقطعه لشرائح و"يسنفره"، ومنهم من يبنى ويشكل الهيكل الداخلى والخارجى للمركب بتفان وإتقان ومتعة.
وفى هذا الصدد، زار "اليوم السابع" عدد من أقدم ورش صناعة المراكب الخشبية فى مدينة المطرية، التقى خلالها برواد الصناعة الذين لا يزالون يعملون فى المهنة بأيديهم بالرغم من تطور الحياة وتغير طبيعة المهنة.
وقال على عبده شطا، أحد أقدم صناع المراكب الخشبية لـ"اليوم السابع"، إنه عمل بالمهنة منذ أن كان فى السابعة من عمره، حيث ولد وجد والده وأجداده وجميع من فى المدينة بكبارهم وصغارهم يمتهنون النجارة والصيد ويصنعون ببراعة أيديهم أجمل مراكب الصيد البدائية والشراعية لاستخدامها محليا فى عدة مدن كالإسكندرية ودمياط وبورسعيد، مشيرا إلى أنه عكف على مراقبتهم وهم يتفننون فى صناعتها، حتى عشق المهنة وتعلم أصولها وأسرارها وأكمل مسيرة أجداده بالحفاظ على الورشة، ومواصلة العمل منها بعد أن تخطى الخمسين من عمره، وأصر على تعليم أبنائه المهنة ليكملوا المسيرة من بعده، ونجح فى الحفاظ على المهنة من الإندثار بخبرته ومهارته الكبيرة فى المجال وسواعد أبناء المطرية الذين لا يزالون يقدرون المهنة ويبدعون فيها.
واستطرد أن صناعة المركب الخشبى تمر بعدة مراحل، يستغرق خلالها صناعها ما يزيد عن الشهر للإنتهاء من تنفيذه وفقا لتصميمه وطوله وعرضه وما يحتاجه من مواد خام، حيث تبدأ مراحل صناعته برسم مخطط تفصيلى له يحدد تصميمه ومقاساته من طول وعرض، ثم تجميع المواد الخام التى يتطلبها التصميم المطلوب من أخشاب يتم تقطيعها لشرائح وتهذيبها و"سنفرتها" لتتلائم مع حجم المركب، ومن ثم البدء فى تكوين الهيكل الداخلى للمركب من أسفل إلى أعلى، فيتم تركيب العمود الفقرى فى قاعدة القارب أو المركب، ومن ثم تركيب الضلوع المصنعة من أخشاب "التوت، والكافور" أجود أنواع الخشب لمتانته وقدرته على تحمل المياه والظروف البيئية المختلفة، فتصف ألواح الخشب الداخلية للمركب بجانب بعضها البعض، وبعدها يتم إعداد الهيكل الخارجى له وتجليده باستخدام أخشاب السويدي، ومن ثم تغليف المركب بمادة الفايبر العازلة والأصبغة المختلفة.
وأوضح "علي"، مسترجعا الذكريات، أن مهنة صناعة المراكب طرأ عليها العديد من التغييرات مع مرور الزمن وتطور الحياة، فقديما كانت تصنع المراكب بشكل تقليدى بمواد خام بسيطة غير مكلفة، وكانت المراكب المصنعة صغيرة الحجم شراعية أو بالمجداف، وأغلب أهالى المدينة كانوا يمتهنون الصيد والنجارة ويعملون فى صناعة المراكب، أما اليوم فأصبحت المراكب أكبر حجما وبمواتير، وتصنع بخامات عالية الجودة والثمن إلا أنها تحافظ على بقاء المركب لأطول فترة ممكنة، فضلا عن عزوف عدد كبير من أبناء المطرية أصحاب المراكب والصيادين عن المهنة بحثا عن فرص عمل أخرى تجنى لهم ربحا أكبر وتوفر لهم حياة كريمة بعد ارتفاع تكاليف صناعة المراكب، وهجرة البعض الآخر لمدن محلية أخرى كبورسعيد والإسكندرية والغردقة وشرم الشيخ، والتى تقدر صناعة السفن وتمكنهم من مواصلة عملهم فى المجال الذى يعشقونه ويحترفونه.
أحد صناع المراكب الخشبية في الدقهلية
مراكب صيد صنعت في الدقهلية
صناعة المراكب الخشبية
علي شطا أحد رواد صناعة المراكب الخشبية في المطرية
صانع المراكب الخشبية علي شطا
ورش صناعة المراكب الخشبية في الدقهلية
طفل بارع في صناعة المراكب الخشبية
مهارة أبناء المطرية في صناعة مراكب الصيد الخشبية
الهيكل الداخلي للمركب الخشبي
صناعة مراكب الصيد الخشبية في الدقهلية
مراكب صيد صنعت بأيادي أهالي المطرية
مهارة أبناء المطرية في صناعة المراكب الخشبية
المطرية-ساحة-صناعة-المراكب-الخشبية-في-الدقهلية
صناعة-المراكب-الخشبية-في-الدقهلية