لم تكن مادلين أولبرايت مجرد سيدة شغلت منصبا رفيعا فى بلادها لتكون أول امرأة تصل إليه، بل إن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، التى توفيت أمس الأربعاء عن عمر يناهز 84 عاما بسبب السرطان، استطاعت أن تخلق نهجا خاصا لها فى الدبلوماسية، حتى وأن تجاوز فى بعض الأحيان حدود "الدبلوماسية".
ولم يقتصر هذا النهج على الخطابات أو الرسائل التى حرصت على توجيها لقادة العالم خلال سنوات عملها فى الخارجية الأمريكية بين عامى 1997 و2001، بل أن حتى الدبابيس "البروش" التى كانت تضعها على ملابسها عند لقائها مسئولين أو زعماء كانت ذات مدلول.
ونشر موقع readmypins.state.gov التابع للخارجية الأمريكية تقريرا عن تلك الدبابيس، والذى أقامه المتحف الوطنى للدبلوماسية الأمريكية، وأشار إلى أن بعض هذه المجوهرات التى استعملتها أولبرايت فى بعض المناسب كانت بمثابة رسائل سياسية خفية.
وأشار التقرير إلى أن المعرض تم تنظيمه تحت شعار "اقرأ دبابيسى .. مجموعة مادلين أولبرايت"، وضم أكثر من 200 دبوس مصنوعة من الذهب ومرصعة بالأحجار الكريمة، معظمها من مجمعة أزياء ارتدتها أولبرات خصيصا لتوجيه رسائلها قبل وأثناء وبعد انتهاء خدمتها العامة.
وعلى سبيل المثال، في 24 فبراير ، عام 1996 ، اسقط طيارون كوبيون طائرتين مدنيتين غير مسلحتين فوق المياه الدولية بين كوبا وفلوريدا ، وحينها اختارت أولبرايت بروش طائر أزرق يحني رأسه للأسفل في تعبير عن الحداد، ونددت أولبرايت حينها بجرائم القتل ، قائلة: "هذا ليس فخر ، إنه جبن".
بروش الطائر الأزرق علي صدر اولبرايت
وعندما التقت أولبرايت بعدد من المسئولين العراقيين عام 1997، ارتدت دبوس على شكل أفعى، وذلك ردا على وصفها من قبل شاعر الرئيس صدام حسين بأنها حية لا مثيل لها، كما ارتدت البروش نفسه فى جلسة بالأمم المتحدة لمناقشة عقوبات بحق العراق.
بروش الحية
مادلين اولبرايت ترتدي بروش علي شكل ثعبان
وفى عام 1999، التقت بالزعيم الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، ، وارتدت دبوسا على شكل نحلة، كتعبير عن جهودها الحثيثة لساعات طويلة لإقناعه بأهمية التوصل إلى حل سلمى.
بروش النحلة فى مباحثات مع الراحل ياسر عرفات
وقال موقع روسيا اليوم إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أبلغ نطيره الأمريكى بيل كلينتون عام 2000 أنه كان يقرأ دبابيس أولبرايت. وقال أنه فى أول يوم من محادثات معقدة مع المسئولين الروس بشأن الأسلحة النووية، سألها وزير الخارجية الروسى فى هذا الوقت إيجور إيفانونف، عن دبوس كانت ترتديه على شكل سهم، وقال" هل هذا واحد من صواريخكم المعترضة؟"، فردت أولبرايت قائلة: إنهم، وكما ترى يمكننا أن نصنعها بحجم صغير للغاية، لذا من الأفضل أن تكون جاهزا للتفاوض.
دبلوماسية البروش ، كانت حاضرة منذ بداية عهد مادلين أولبرايت ففي 23 يناير 1997 ، حينما أدت اليمين لتسلم منصبها اختارت دبوس علي شكل نسر ، في تعبير عن القوة .
أطلق البعض على أولبرايت اسم المرأة الحديدية للسياسة الخارجية الأمريكية، نظرا للقوة التى بدت عليها خلال الفترة التى تولت فيها حقيبة الخارجية الأمريكية فى عهد الرئيس الديمقراطى بيل كلينتون.
تقول صحيفة واشنطن بوست إن أولبرايت، وصلت إلى الولايات المتحدة وعمرها 11 عاما كلاجئة سياسيةمن تشيكوسلوفاكيا، وأصبحت بعد عقود من أبرز مهاجمى الفظائع الجماعية فى أوروبا الشرقية عندما شغلت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ثم وزارة الخارجية.
وقبل اقتحامها مجال صناعة القرار الخارجى فى الولايات المتحدة، كان هذا المجال واقعا تحت هيمنة شبه كاملة من الرجال، وكان لنشأتها الأولى التى شهدت فيها القمع النازى والشيوعى دافعا لصعودها إلى أرقى مستويات السياسات الدولية.
ويقول عنها الكاتب الصحفى البارز بصحيفة واشنطن بوست ديفيد أجناتيوس إن أولبرايت شكلت أجيالا من قادة السياسة الخارجية، برفق وعادة بابتسامة. وعرفت كل مسئول رفيع المستوى ووجهت الكثير منهم.
وحتى عندما وصلت إلى الثمانينيات من العمر، يقول أجناتيوس، لديه نمط أشبه بعدم الحاصلين على تعليم جامعى، فكانت تقوم بالنميمة ليلا مع أصدقائها الذين لا يحصى عددها فى الولايات المتحدة وخارجها.
وكانت عائلتها يهودية، نجت بصعوبة من الإبادة على يد النازيين، وفروا إلى إنجلترا بعد وقت قصير من دخول دبابات هتلر إلى تشيكويلوفاكيا فى عام 1938.
درست أولبرايت العلوم السياسية فى كلية ويسيلى، وتزوجت وريث صحيفة ثرى وبدأت عائلة، وعندما أنجبت ابنتيها التوأم قبل الموعد المحددة، تم وضعهما فى حضانات، فكانت تمضى أولبرايت وقتها فى المستشفى بتعلم اللغة الروسية.
وفى عام 1976 حصلت على الدكتوراه فى القانون العام والحكم فى جامعة كولومبيا، ودرست تحت قيادة زبيجنيو بريجنيسكى، الذى كان لاجئا أيضا من أوروبا الشرقية، وأصبح أحد أبرز الأسماء فى السياسة الخارجية، وكان أحد عوامل صعودها فى أروقة هذا المجال.