فى لقاء استمر أربع ساعات تحدث الرئيس السادات إلى الصحفية اللبنانية «علياء الصلح» فى حوار نشرته «الأهرام»، 29 مارس، مثل هذا اليوم، 1974.. كانت ستة شهور مضت على انتصارات مصر وسوريا على إسرائيل فى حرب 6 أكتوبر 1973، ولهذا غلبت قصة الحرب على الحوار الذى تخلله لقطات أخرى، ومنها «صوت المؤذن الذى علا بالأذان «الله أكبر، الله أكبر»، فاستوى السادات فى جلسته وتمتم الشهادة فى خشوع أخذه بعيدا عن المكان».. تعلق «الصلح» على ذلك بأن هذا المشهد اعتبرته جوابا لأحد أسئلتها وهو: «أضيف إلى اسمك لقب جديد هو الرئيس المؤمن محمد أنور السادات.. هل هذا استحقاق أم رد على العلمانية التى باتت تهدد مصر؟»
طرحت «الصلح» أسئلتها مرة واحدة استمع إليها السادات، ثم علق عليها قبل أن يجب عليها قائلا: «بعضها يحمل اتهامات مضحكة، وبعضها ملىء بالعقلية الانهزامية قبل 6 أكتوبر وبعدها، وبعضها لا يساوى المداد الذى كتبت به، لكن مع كل اجتهادك فى نقل الأقاويل وإشاعة الضباب سأهديك سبقا صحفيا وهو قصة وقف إطلاق النار كاملة، أرويها لأول مرة».
استفاض السادات فى الحديث عن التحضير لحرب أكتوبر على الساحتين العالمية والعربية، ثم كشف عن أنه اتخذ قرار المعركة فى إبريل 1973 بينه وبين الرئيس حافظ الأسد، والمشير أحمد إسماعيل وزير الحربية، وأكد: «ظل سرا بيننا حتى صيف عام 1973، أى أن أحدا لم يكن يعرف به، وفى الصيف اجتمع المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية السورية، فى قيادة القوات البحرية برأس التين بالإسكندرية برئاسة أحمد إسماعيل، ودرس المجلس القرارات وناقش تفصيلات تنفيذه، وبدأت دراسة اليوم وساعة الصفر فى نفس اليوم، وفى زيارتى فى أواخر أغسطس للرئيس حافظ الأسد اتفقنا أثناء اجتماعنا فى القصر الجمهورى بدمشق على تاريخ البدء فى ضوء ما قرره المجلس الأعلى المشترك».
يذكر «السادات» أنه بعد ست ساعات من بدء القتال على الجبهتين يوم 6 أكتوبر، وتحديدا فى الساعة الثامنة مساء، وبينما تسير العمليات طبقا للخطة الموضوعة والأعلام المصرية رفعت على سيناء، طلب السفير السوفيتى لقاء عاجلا معه، وفوجئ بالسفير يبلغه بأن سوريا طلبت رسميا من الاتحاد السوفيتى وقف إطلاق النار.. يقول: إنه رفض الطلب رفضا باتا، وأبرق فى الحال إلى حافظ الأسد، الذى أرسل إليه فى اليوم التالى «7 أكتوبر» برقية ينفى فيها أنه طلب وقف إطلاق النار، وعقب وصول هذه البرقية طلب السفير السوفيتى اللقاء مرة ثانية، وكرر أن سوريا تطلب وقف إطلاق النار.. يقول: «كان ردى عليه عنيفا، وقلت له ببساطة أنه يكفينى رد حافظ الأسد».. يضيف أنه فى 13 أكتوبر طلب السفير البريطانى لقاءه فى الفجر ومعه رسالة من رئيس حكومته «إدوارد هيث»، يبلغه فيها بأن هنرى كيسنجر وزير خارجية أمريكا، يقول إن لديه أنباء عن موافقة مصر وسوريا على وقف القتال.. يذكر: «رويت للسفير البريطانى قصة السفير السوفيتى، وأن مصر لم توافق فى أى وقت على وقف إطلاق النار».
يكشف السادات سر قبوله وقف إطلاق النار يوم 19 أكتوبر، وكانت ثغرة «الدفرسوار» مضى عليها ثلاثة أيام، ويصفها «كانت معركة تليفزيونية أو معركة دعائية».. لكن فى نفس الوقت تأكد له واقع جديد يقول عنه: «بحساب بسيط استراتيجى وتكتيكى على الخرائط ودراسة لموقف إسرائيل، اتضح أن أمريكا رمت بكل ثقلها فى المعركة، وبأسلحة حديثة لم تكن استخدمت فى الجيش الأمريكى نفسه، ووضح لى أيضا أن النصر الذى أحرزناه مع سوريا يراد طمسه، بل إذا أمكن إجهاضه لصالح إسرائيل، وفى الساعة الثانية صباحا أرسلت إلى الرئيس حافظ الأسد هذه الرسالة: «أخى الرئيس حافظ الأسد، لقد حاربنا إسرائيل إلى اليوم الخامس عشر، وفى الأيام الأربعة الأولى كانت وحدها، فكشفنا موقفها فى الجبهتين المصرية والسورية، وسقط لهم باعترافهم 800 دبابة على الجبهتين، وأكثر من مائتى طائرة، أما فى الأيام العشرة الأخيرة فإننى على الجبهة المصرية أحارب أمريكا بأحدث ما لديها من أسلحة، إننى ببساطة لا أستطيع أن أحارب أمريكا أو أن أتحمل المسؤولية التاريخية لتدمير قواتنا المسلحة مرة أخرى، لذلك فإننى أخطرت الاتحاد السوفيتى بأننى أقبل وقف إطلاق النار على الحدود الحالية بالشروط التالية:
ضمان الاتحاد السوفيتى وأمريكا بانسحاب إسرائيل كما عرض الاتحاد السوفيتى.. بدء مؤتمر سلام فى الأمم المتحدة للاتفاق على تسوية شاملة، كما عرض الاتحاد السوفيتى.. إن قلبى ليقطر دما وأنا أخطرك بها، ولكننى أحس أن مسؤوليتى تحتم علىّ اتخاذ هذا القرار، ولسوف أواجه شعبنا وأمتنا فى الوقت المناسب لكى يحاسبنى الشعب»..فى 22 أكتوبر 1973 تقرر وقف إطلاق النار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة