إذا كان الفن تسلية ومتعة، فإن الأمر يختلف فى حضرة زكى رستم بجبروته وسطوته، فعنده يتحول الهزل إلى الجد، والفوضى ترتب نفسها، ولا مكان لأى عبث، فالأستاذ يعنى القيمة والالتزام وهنا ترتدى الكلمات وقارها لأن كل كلمة يصبح لها وزن، هذا ما قاله كتاب "أبيض وأسود" للكاتب أشرف بيدس، عن الفنان الكبير زكى رستم، الذى تحل اليوم ذكرى ميلاده، إذ ولد فى مثل هذا اليوم 5 مارس من عام 1903م.
كما رأى الكتاب أن كثبر من الفنانين تصنعهم بعض الأدوار التى يجدون تجسيدها على الشاشة، وترتبط بهم طوال مشوارهم الفنى، لكن القليل يستطيعون صناعة الدور بإلقاء الضوء عليه، وكان من بين هؤلاء العظماء زكى محرم محمود رستم، فقد كان ومازال حالة استثنائية فريدة، شديدة الإبداع والتفرد.
لم يكن اشتغال الفتى بالفن أمرا هينًا، لا سيما أنه ينحدر من أسرة ارستقراطية عريقة وثرية امتلكت أكثر من 1800 فدان من الأراضى الزراعية، فوالده كان وزيرًا فى عهد الخديو إسماعيل، وجده كان أحد رجال الجيش البارزين، وكانت رغبة العائلة أن يسلك مسلك الأب والجد فى دراسة الحقوق، خصوصًا أن نظرة المجتمع للفن كانت خالية من الاحترام، كما ذكر الكاتب أشرف بيدوس فى كتابه "أبيض وأسود".
كان زكى رستم يقطن فى سرايا العائلة فى حى الحلمية التى شيدت على مساحة 5 أفدنه وتكونت من 50 غرفة غير طابور طويل من الخدم والحشم، كان لديه 14 أخا وأختا من ثلاثة زوجات للأب، وحاولت والدته أن تثنيه عن الانشغال بالفن لكنها لم تفلح، هدده والده بالطرد أوحبسه بالعزبة.
ولكن بعد رحيل والده هرع زكى رسم إلى صديقة سليمان نجيب "أبن مصطفى باشا نجيب صديق" الذى سبقه للعمل بالفن ليساعده وبالفعل يلتحق بفرقة عبد الرحمن رشدى، وعندما عملت الأم أصيبت بالشلل، لكنه لم يتراجع وواصل مشواره مهما كلفه من متاعب وتضحيات، ثم أنضم بعد ذلك لفرقة أولاد عكاشة التى حظى فيها بقبول شديد، ومنها إلى فرقة جورج أبيض، ثم فرقة رمسيس الذى تقاضى نظير العمل بها مبلغًا وقدره 25 جنيهًا شهريًا، وتواصل عطاؤه المسرحى فى 45 مسرحية، ثم اتجه بعد ذلك للعمل فى السينما لتصل مجمل أفلامه لـ 240 فيلمًا.
كان زكى رستم غير محب للسهر والحفلات فهو لا يعرف غير البلاتوه، يميل إلى العزلة والوحدة التى يستمتع فيها بالقراءة والتأمل، قضى معظم أوقاته فى منزله يستقبل به عدد محدد من الأصدقاء "عباس فارس، وعبد الوارث عسر"، ولم يتزوج، ونتيجة حياة العزوبية التى عاشها نعما بالهدوء، لقى فى أواخر أيامه عذابات الوحدة، وجحود الناس بالسؤال عنه، ووما ضاعف قسوة هذه الأيام عليه هو ضعف سمعه الذى راح يتلاشى، وكان يعتقد أنه أمر عارض سيزول بمرور الوقت، لكن المؤلم أن السمع كان فى طريقه إلى الزوال، وتمضى الأيام ببطء، ليرحل فى هدوء ويسدل الستار عن واحد من أهم الممثلين المصريين خلال القرن العشرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة