مع الاحتفال بـ«يوم الشهيد»، لا أحد ينسى الأبطال الأبرار من رجال الشرطة، الذين قدموا أرواحهم من أجل أن نعيش جميعا فى سلام وأمان، فهم باقون فى ضمير وذاكرة الوطن، ببطولاتهم وتضحياتهم، التى ساهمت فى التمهيد للإنتاج والعمل، وظهور الجمهورية الجديدة.
وفى السياق كرم اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، عددا من أسماء الشهداء والمصابين والمتميزين من رجال الشرطة وتسليمهم الأنواط التى صدّق الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، على منحها لهم، تقديرا لما قدموه من جهود وتضحيات من أجل تحقيق رسالة الأمن السامية وإرساء دعائم الأمن والاستقرار، وذلك خلال الاحتفال الذى أقامته الوزارة بهذه المناسبة.
وخلال الاحتفال أشاد «توفيق»، بما يبذله رجال الشرطة من جهود وما يقدمونه من تضحيات لتحقيق رسالة الأمن، وما حققته الأجهزة الأمنية خلال الفترة الماضية من نجاحات فى مختلف مجالات العمل الأمنى، موجها التحية والتقدير لأرواح الشهداء، موجها التحية والتقدير لرجال الشرطة المصابين لما قدموه من تضحيات فى سبيل إقرار أمن البلاد، مشيرا إلى أن تضحياتهم ستظل محل فخر واعتزاز لنا جميعا، وأن تكريم النماذج المشرفة من رجال الشرطة يعد تكريما لجميع العاملين بجهاز الشرطة، الذين يستحقون التقدير والشكر على ما يبذل من جهود بارزة فى دعم أمن واستقرار الوطن.
- قصة شهيدة فى سجل الشرف للمرأة المصرية
نحن فى مارس شهر المرأة، ضربت السيدة المصرية مثالا رائعا فى التضحية بالنفس، فقدمت روحها شهيدة فى سبيل الله، ومن بين هؤلاء الأبطال العريف شرطة «أسماء إبراهيم» أحد الأسماء التى انضمت لقوائم الشرف، حيث أكد عدد من زملائها بالشرطة النسائية، أن عيد الشرطة هذا العام مختلف، فلا توجد بينهن «أسماء» صاحبة الابتسامة والوجه البشوش، لكن هذه الأعمال الجبانة لن تزيدنا إلا إصرارا واستعدادا لتقديم الأنفس، مثل الرجال تماما، فالشهادة غايتنا جميعا.
عريف شرطة أسماء أحمد إبراهيم
عريف شرطة أسماء أحمد إبراهيم حسن، لم يمهلها القدر أن تكمل تربية طفليها، ولم تكن تدرى عندما تتحرك من منزلها فجرا أنها لن تعود مرة أخرى لترى رضيعتها.
العريف «أسماء إبراهيم»، ذات الابتسامة والوجه البشوش، كما تلقبها زميلاتها، لا يعرف كثيرون أنها أم لطفلتين «ساندى، ورودينا»، بالرغم من حداثة سنها.
«تمام يا افندم.. حاضر» بصوتها القوى، كل صباح أثناء وجودها بمكان خدمتها، لن يسمعها أحد مرة أخرى، فقد غيبها الموت عن الجميع «الزملاء، والزوج، والأطفال».
تساؤلات عديدة، كانت تطلقها زميلات «العريف أسماء» على مسامعها، عن كيفية توفيقها بين زوجها وأطفالها ونجاحها فى عملها، وكانت إجابتها المتكررة أنها تراعى الله، فيكتب لها النجاح فى كل شىء.
العريف «أسماء» كانت تقف على بعد خطوات قليلة من العميدة نجوى الحجار أمام الباب الرئيسى للكنيسة المرقسية لتفتيش السيدات لدى دخولهن للكنيسة، ولا تدرى أن انتحاريا جاء ليفجر نفسه ويحرمها من طفلتها التى لم تفطم بعد.
أشلاء «العريفة أسماء» جعلت من الصعوبة بمكان أن يتعرف عليها أحد، نظرا لقربها من الانتحارى، حتى تعرف عليها زوجها من بقايا ملابسها.
- ذهبت للجنة قبل زفافها بأيام
قوائم الشرف لرجال الشرطة لا تخلو من «الشرطة النسائية»، فلا أحد ينسى الشهيدة الشرطية «أمنية رشدى»، التى استشهدت بتفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، عندما منعت الانتحارى من الدخول للكنيسة لتضحى بنفسها.
امنية رشدي شهيدة الاسكندرية
قالت والدة الشهيدة، لـ«اليوم السابع»: بنتى كانت تبلغ من العمر 25 عاما من مواليد 29 إبريل عام 1991، وكانت تستعد لشراء جهازها وأثاث منزلها الجديد قبل استشهادها، لتبدأ حياة جديدة مع زوجها، ولكن القدر لم يشاء ذلك لتحتفل بزفافها فى الجنة وسط الشهداء وأعلى منازل السماء.
وأضافت والدة الشهيدة: كانت «أمنية» مثل الملاك الذى طالما ملأ الدنيا علينا فرحة وسعادة، فقد كانت بشوشة الوجه محبوبة لدى الجميع «الأقارب والأصدقاء والجيران»، فلا أحد يعرف «أمنية» ولا يحبها، ومنذ نعومة أظافرها كانت تضحى من أجل الآخرين.
ووجهت الأم رسالة لروح ابنتها الشهيدة قائلة: «وحشتينى جدا يا أمنية.. نفسى أشوفك.. أحضنك.. أضحك معاكى، لقد شرفتينا جميعا».
وحرصت الأم على توجيه رسالة للإرهابيين قائلة: «حسبنا الله ونعم الوكيل فى هؤلاء الأشخاص الذين حرمونى من ابنتى، وقتلوها قبل أن تفرح بنفسها وترتدى فستانها الأبيض، فقد ارتدت أشلاؤها الكفن الأبيض».
وأضافت الأم: أمنيتى أن يتم قبول ابنى «أحمد» شقيق الشهيدة فى كلية الشرطة ليكمل مشوار شقيقته، ويأخذ بالثأر ممن يحاولون النيل من وطننا، فلن يستطيعوا أن يقهرونا، فكلما مات شهيد سنقدم شهيدا آخر، فى سبيل الحفاظ على وطننا.
وتابعت الأم: وزارة الداخلية لا تترك أبناءها أبدا، حيث يتواصل معنا المسؤولون باستمرار لتلبية كل متطلباتنا.
- أطلقت اسمه على ابننا ليكمل مشوار والده
تعد قصة الشهيد «أحمد جمال الفقى»، من القصص التى لا ينساها المصريون، فى البطولة والشجاعة، والتضحية بالنفس لعريس لم يمر على زواجه سوى 6 أشهر، وإصرار زوجته على إطلاق اسم الشهيد على طفلها وتجهيزه ليكون مكان والده يكمل المشوار ويواصل التضحيات.
الشهيد أحمد جمال
بالرغم من أنه عريس، لكن ذلك لم يمنعه من مواجهة الموت، والتصدى بحسم للعناصر الإرهابية، والوقوف فى وجه الخارجين على القانون قبل أن يستشهد على أرض الفيروز.
تقول «مروة على»، زوجة الشهيد: زوجى التحق بكلية الشرطة عام 2004، وتخرج فى 2008، والتحق بالعمل فى الأمن العام بقسم أول إمبابة برتبة ملازم، ثم عمل بالانتشار السريع بمرور الجيزة، والتحق بالعمل فى مباحث المنطقة الأثرية بمباحث الهرم وهو برتبة ملازم أول، ثم التحق للعمل بقطاع قوات أمن الجيزة وهو برتبة نقيب لمدة 4 سنوات، وأخيرا التحق للعمل بمديرية أمن شمال سيناء بقسم ثالث العريش، منذ أغسطس 2014 حتى استشهد، مؤكدة أنه بعد انتقاله إلى قسم ثالث العريش رفض العودة إلى القاهرة وكان دائما يقول: لما كلنا نرجع القاهرة مين يحمى البلد؟! ويوم 12 إبريل 2015، بعد انتهاء خدمته فى الكمين، عاد إلى قسم شرطة ثالث العريش، وانفجرت عبوة ناسفة داخل سيارة مفخخة أمام القسم، فاستشهد.
ووجهت رسالة للإرهابيين قائلة: «أعمالكم الجبانة والخسيسة لن تنال منا، وإنما تزيدنا إصرارا وقوة، فقد قدمنا الشهداء، وسوف نقدم المزيد فداء لهذا الوطن»، مؤكدة أن رجال الشرطة نجحوا من خلال الحملات الأمنية والضربات الاستباقية المتكررة فى الثأر للشهداء واستعادة حقوقهم.
وتحدثت زوجة الشهيد عن ابنها، قائلة: «فخورة أننى زوجة الشهيد، وكنت حاملا فى طفل أثناء استشهاد زوجى، فأطلقت عليه اسم «أحمد» ليكون خلفا لوالده، ويكمل المشوار ويثأر للشهداء».
ووجهت الزوجة حديثها لروح الشهيد، قائلة: «كل عام وأنت بخير يا أحمد».
- بطل من طراز خاص
قائد من طراز خاص، أحب عمله وأفنى حياته به، فعشقه ضباطه، حتى استشهد معهم فى مكان واحد بملحمة الواحات الشهيرة.
الشهيد امتياز كامل
تقول سحر السيد أحمد، زوجة الشهيد العميد امتياز إسحاق كامل، الذى استشهد خلال مواجهات دامية مع عناصر إرهابية، بطريق الواحات، يوم 20 أكتوبر 2017، والتى أسفرت عن استشهاد 16 من قوات الأمن وإصابة 13 آخرين، ومقتل وإصابة 15 من الإرهابيين: إن استشهاد زوجها هو اختيار من الله سبحانه وتعالى ليضعه فى مكانة يستحقها وهو جدير بها، مضيفة: «أنا وأبناؤه نفتقده ولكن يقيننا بأنه فى مكانة سامية عند الله».
وأضافت زوجة الشهيد العميد امتياز كامل، لـ«اليوم السابع»، إن الشهيد كان مثالا للوطنية والحب والإخلاص لأرض الوطن، وكان محبوبا من الجميع، وما زلت أنا وأبناؤه وكل محبيه نعتبره ما زال حيا بيننا، قائلة: «هو بالنسبة لنا فى مأمورية وأنا أيضا فى مأمورية لتربية أبنائى على حب الوطن والانتماء إليه مثل والدهم الشهيد».
ووجهت زوجة الشهيد امتياز كامل، رسالة للإرهابيين قائلة: الإرهابيون ينطبق عليهم قول الله عز وجل «فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا»، فبأى منطق يقتلون الناس وأى دين يحث على ذلك، مؤكدة أنها تدعى الله أن يهديهم للنور وهذا ما تعلمته من زوجى الشهيد امتياز كامل أن نغلب مصلحة الوطن على كل شىء، لأنه لو أن الله هداهم وهو قادر على ذلك سنكسب مصلحة البلد دون إراقة أى دماء.
وأكدت زوجة الشهيد، أن وزارة الداخلية تبذل جهدا كبيرا فى محاربة الإرهاب ودحره، مشيرة إلى أنها فى الوقت نفسه ترعى مصالح أسر الشهداء.
- 18 عاما من العطاء
بطل من نوع خاص، قدم روحه فداء لمئات من الأقباط، اختلطت دماؤه الذكية بدماء أشقائه الأقباط على أبواب كنيسة مارى مينا فى حلوان، عندما تصدى بشجاعة لمحاولة إرهابى اقتحام الكنيسة وتفجير نفسه.
الشهيد رضا عبد الرحمن
تحدث نجل الشهيد رضا عبدالرحمن، أمين الشرطة، لـ«اليوم السابع»، ساردا جوانب من حياة والده، الذى عاش حياته كلها بهدوء، لم يسمع أحد به، وفضل أن يغادرها بهدوء دون ضجيج، حيث يقول «عبد الرحمن» نجل الشهيد: لا أكاد أصدق ما حدث حتى الآن، غير مقتنع بأننى لن أرى أبى مرة أخرى، لن أراه عندما يستقيظ فى الصباح الباكر متوجها من قريتنا «المنيرة» فى القليوبية إلى أقاصى جنوب القاهرة فى حلوان، حيث يعمل هناك منذ 18 سنة، نعم فالجميع يعرف أبى، الأهالى يتذكرون عندما وقف والدى يحمى قسم الشرطة أثناء فض اعتصام رابعة، وعندما كان يقف فى الشوارع يحمى المواطنين، فأبى كان محبوبا لدى الجميع، وأردف الابن: مات والدى الذى كان يعول أسرة مكونة من 6 أشقاء «شرين، وعبدالرحمن، وبسمة، وندى، وحبيبة، ومحمد»، ووالدتى، وجدتى وعمتى، كل هؤلاء كانوا مسؤولين من أبى، وأصبحنا بلا عائل.
وتابع الابن: جميعنا نتقاسم الأحزان، ودموعنا لم تجف بعد، لكننى لدى رغبة قوية فى الالتحاق بالعمل الشرطى، حتى أكون مثل أبى، نعم سأكمل المسيرة، وعلى أتم الاستعداد أن الحق بوالدى، إلا لم يكن اليوم سيكون غدا أو بعده، فالموت فى سبيل حماية الوطن والحفاظ على الأرض والعرض لا يساويه شرف.
- قصة بطل تمنى الشهادة ونالها
لا أحد ينسى اسم الشهيد البطل «إسلام مشهور»، أصغر شهيد فى ملحمة الواحات، التى ضرب فيها رجال الشرطة نموذجا للفداء والتضحية.. تخرج «مشهور» فى كلية الشرطة سنة 2012، وتمنى «مشهور» الشهادة ونالها، حيث كتب قبل استشهاده، نعيا لأحد زملائه الذى استشهد من قبل، وهو المقدم تامر شاهين، حيث كتب تعليقا على استشهاده قائلا: «فعلا الشهادة دى مش لأى حد وخلاص، ربنا دائما بيختار من يستحقها».
الشهيد اسلام مشهور
والد الشهيد إسلام مشهور، أكد أن لديه ابنا آخر يعمل فى القوات الخاصة أيضا، ولو استشهد سيكون سعيدا، لأن مصر ستنتصر على الإرهاب الذى يمول من دول أجنبية، والمعركة الحالية معركة طويلة الأمد، ولكن مصر ستنتصر.
تقول والدة الشهيد، لـ«اليوم السابع»: لا طعم للحياة من دون «إسلام» فقد كان كل شىء فى حياتى، كان الفرحة التى طالما ملأت منزلنا، متواضعا محبوبا للجميع، كان دوما يغازلنى برغبته فى الاستشهاد، وأرد عليه: «بلاش توجع قلبى يا ضنايا»، لكن كان لديه يقين وإصرار غير عادى على نيل الشهادة والانضمام لسجل الشرف.
وتضيف الأم، كان يقول لى: «نفسى أكون زى اللى استشهدوا، ويكتب ذلك على الفيس بوك»، فضلا عن حبه لبلده وحرصه على التصدى لكل ما يزعج المصريين، حتى رحل عن عالمنا وترك لنا الحزن، والألم يعتصر قلبى.
وعن رسالتها للشهيد، تقول الأم: «شكرا يا إسلام يا حبيبى، شرفتنى حيا وميتا، وحشتنى يا قلب ماما، فخورة بك لأنك ضحيت بنفسك عشان بلدك».
وحول رسالتها للإرهابيين، تقول الأم: «حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن حرمنى من ابنى، ربنا ينتقم منهم، أنتم أهل النار»، مضيفة: «الرئيس لا ينسى أسر الشهداء دوما، ويحتفل بنا باستمرار، ووزارة الداخلية متمثلة فى قطاع الإعلام والعلاقات تلبى كل رغباتنا واحتياجاتنا، ولا ينقصنا شىء، وحق ابنى قد عاد فور استشهاده مباشرة بمقتل الإرهابيين».
- قصة شهيد اغتالوه داخل المسجد
زعموا بأنهم يدافعون عن الدين، فقتلوا ضابطا داخل مسجد بكرداسة، حيث تقول «سحر يوسف» زوجة الشهيد مصطفى الخطيب، لـ«اليوم السابع»: أشعر بألم يعتصر قلبى على فراق زوجى الحبيب، الذى كان محبوبا من الجميع بما فيهم أهالى كرداسة أنفسهم الذين اغتالوه، فقد اعتاد على حل مشاكلهم، لكنهم خانوه واستدرجوه للمسجد وقتلوه بداخله.
وأضافت زوجة الشهيد: تزوجت البنات وبقيت أعيش على ذكراه، فلم يغب عنى لحظة من اللحظات، فقد كان نعم الزوج، حيث تزوجت منه فى 1986 حيث كان يحمل رتبة «نقيب»، وكان يعمل فى الأمن العام بمديرية أمن الجيزة لمدة سنتين، ومنها انتقل لأسيوط خلال أحداث الإرهاب، حيث واجه المتطرفين برفقة زملائه لمدة 3 سنوات، ثم انتقل لمباحث السياحة والآثار لمدة 17 سنة، وفى عام 2011 كان مأمورا لمركز شرطة أبو النمرس، وبعدها نقل مأمورا لمركز شرطة كرداسة، حيث كان يدير عمله من القرية الذكية وقتها بسبب حرق القسم، وخلال هذه الفترة نجح زوجى فى تقريب وجهات النظر بين الأهالى والشرطة، حيث كان يعقد الاجتماعات مع الأهالى فى كرداسة، ويصلى بهم فى المسجد القريب من المركز، حتى تمت إعادة افتتاح المركز وعاد الهدوء للمنطقة مرة أخرى، مضيفة أنه بالرغم من حصوله على ترقية كمساعد مدير أمن الجيزة لمنطقة الشمال، إلا أنه ظل متعلقا بكرداسة، فقد كان يفضل البقاء فى القسم والمرور عليه من حين لآخر، حيث كان يقع فى نطاق عمله ضمن عدة أقسام أخرى.
الشهيد مصطفى الخطيب
وتتحدث الزوجة عن يوم استشهاد زوجها فتقول: حاولت قوات الشرطة فض اعتصام رابعة والنهضة المسلحين، ويومها قرر زوجى الذهاب صباحا لمركز كرداسة، حيث أكد لى أن هناك تجمهرات وأنه سوف يتحدث مع الأهالى، خاصة أنه مقبول لدى الجميع وقادر على احتواء الأمر، وشعرت وقتها بشىء غريب، فقد كان وجهه مشرقا وبشوشا، ولم أدرى أنه سيكون المشهد الأخير الذى يجمعنا، وبعدها عرفت بتجمع الأهالى بمحيط القسم، وحاولت الاتصال بزوجى عدة مرات ورد علىّ قائلا: «فيه اشتباك اقفلى»، حيث كانت هذه الجملة آخر ما سمعته من زوجى الحبيب، ليستشهد بعد ذلك.
- زفوه للجنة قبل عُرسه
لم يكن ضابط شرطى تقليديا، ولكن كان ضابطا من طراز خاص، النقيب «محمد فاروق» معاون مباحث قسم كرداسة، الذى طالما أرق المتهمين، وأزاح الغموض عن الجرائم، ونجح فى أوقات زمنية قصيرة فى كشفها، وضبط الجناة وتقديمهم للعدالة، لكن يد الغدر اغتالته فى ريعان شبابه، عندما وقف بجوار زملائه بقسم شرطة كرداسة يدافع عن واجبه المقدس.
الشهيد محمد فاروق
تحدثت والدته فاطمة فتحى، لـ«اليوم السابع»، عن كواليس اللحظات الأخيرة قبل الاستشهاد ورسائلها لروح نجلها وللإرهابيين الذين اغتالوا الفرحة من منزلها، قائلة: كان «محمد» مختلفا عن كل الشباب، فهو البار بوالديه، المحب لأسرته، المتفانى فى عمله، لا يمل ولا يكل من العمل، يسعى جاهدا لتحقيق العدل والأمن للجميع، يتحرك قلبى خوفا عليه، طالما خارج المنزل، ولا تهدأ خفقات قلبى حتى يعود إلينا نهاية كل يوم.
وتابعت الأم: جلست مع «محمد» فى آخر رمضان له، تجاذبنا أطراف الحديث عن مستقبله، وطلبت منه الزواج، فوعدنى أن تكون عروسته بيننا فى رمضان المقبل، لكنه «غاب» هو، فقد ذهب للجنة بعدما اغتالته يد الإرهاب. وتضيف الأم: تابعت مثل كثيرين من المواطنين ما جرى فى كرداسة إبان فض اعتصامى رابعة وميدان النهضة المسلحين، حيث تحرك الإرهابيون لقسم شرطة كرداسة وحاصروه، وجاءت الاتصالات متكررة على «محمد» من زملائه فى الصباح الباكر، وقفت أمامه وتوسلت له بعدم النزول، وكان فى إمكانه أن يجلس أمام التلفاز ولا يتحرك من المنزل، لكنه كان لديه إصرار غير عادى على النزول سريعا للانضمام لزملائه المرابطين فى قسم شرطة كرداسة، وكأن «الشهادة» تناديه لينالها.
ذهب «محمد» وقلبى ذهب معه ـ الأم تواصل حديثها ـ ولم تنقطع الاتصالات بيننا وقتا طويلا، يحاول أن يطمئن قلبى ما بين الحين والآخر، وعندما زاد انشغالى عليه، أرسلت له شقيقه وزوج شقيقته لمحيط القسم، فشاهدا جثته على الأرض، وقد شربت أرض كرداسة من دمائه.
وأردفت الأم: مات «محمد» وترك النيران متوهجة فى قلبى، فالدموع لا تجف، والحديث عنه لا ينقطع.