أثرت الحرب الروسية الأوكرانية بشكل مباشر على توجه العالم نحو الاقتصاد الأخضر، حيث أعادت العديد من الدول خطط استخدام الفحم والوقود الاحفوري ، بعد أن أوقفت تلك الخطط والمشروعات فى إطار الحفاظ على الكوكب وخفض الانبعاثات الكربونية والميثانية وغيرها، ووفقا لمقررات قمة المناخ في جلاسكو باسكتلندا cop 26 .
ومع التداعيات السلبية للحرب والخوف من نقص امدادات الطاقة سواء النفط أو الغاز، بدأت بعض الدول الاوروبية فى إعادة استخدام الفحم، وهو الملوث الأول للكوكب، بجانب زيادة وتيرة استخراج النفط الصحرى الامريكى فى محاولة للسيطرة على ارتفاع أسعار الطاقة وتوفيرها فى الوقت ذاته، ولا سيما بعد قرار الرئيس الأمريكى جو بايدن، بحظر النفط والغاز الروسى، وسط اعتراض بعض الشركات الامريكية من جانب، ورفض الحلفاء فى أوروبا حظر الغاز الروسى .
مع بداية الحرب ارتفعت أسعار الغاز لنحو 70 دولارا للمليون وحدة حرارية، وكان سعرها نحو 1.6 دولارا عام 2020، وهو ارتفاع غير مسبوق تسبب فى خسائر اقتصادية كبيرة لمختلف القطاعات الأوروبية، ما انعكس على الصناعة وعلى الشعوب التى ترفض حظر الغاز الروسى حيث تعتمد أوروبا عليه بنسبة 41% من الامدادات السنوية ويمثل 50% لألمانيا .
وفى حال حظر الغاز الروسى سيتصاعد سعر المليون وحدة حرارية لما فوق الـ 100 دولار، وستتكبد الاقتصادات خسائر فادحة، وهو ما يدركه الساسة الاوروبيون وبالتالى فإنهم اتجهوا إلى:
الأول: قصير المدى ومضر بالبيئة ومضر كثيرا بخطط التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال اللجوء إلى الفحم، سواء فى إيطاليا أو المانيا لعدم الاعتماد على الغاز الروسى برغم ارتفاع سعر طن الفحم لنحو 450 دولارا، مقابل نحو 180 دولار عام 2020 أي انه زاد نحو ضعفين، هذا بجانب خطط للاعتماد على الأشجار أيضا لتوليد الطاقة.
ولأول مرة فى أوروبا تراجعت نبرة الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات الحرارية ووقف استخدام الفحم بحلول 2030، فى مساعى لانقاذ الاقتصادات فى الوقت الراهن، وهو ما أعاد إمكانية تشغيل المفاعلات النووية مرة ثانية لانقاذ الوضع رغم مخاطر إعادة تشغيلها فى المانيا بعدما قررت وقفها نهائيا .
إيطاليا بدورها تراجعت عن خطط التخلص من الفحم والذى كان مقررا له عام 2027 ، وطلب رئيس وزراء إيطاليا، ماريو دراجى، الاستعداد لإعادة تشغيل محطات الفحم، لخفض الاعتماد على غاز روسيا بحسب ما تناقلته العديد من وسائل الإعلام،موضحا أن 45% من واردات إيطاليا من الغاز تأتي من روسيا، وهي أعلى بنسبة 27% من صادرات موسكو إلى روما قبل 10 سنوات.
وميدانيا بدأت الشركات تنفيذ خطط لاستمرار التشغيل واستخراج الفحم بوتيرة أسرع ، مما يمثل تهديدا كبيرا للاقتصاد الأخضر ولكوكب الأرض ولمقررات اتفاقية باريس للمناخ وقمة جلاسكو.
والفحم مساهم أساسي في التلوث المحلي وتغير المناخ، حيث يساهم بنسبة 44% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم. وحين يُحرق الفحم لتوليد الحرارة أو الكهرباء، تعادل كثافته 2,2 كثافة الغاز الطبيعي – أي أن حرق الفحم يولد أكثر من ضعفي ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث عن الغاز الطبيعي لتوليد نفس الكم من الطاقة.
وعند تشغيل محطات الطاقة الحرارية التي تعمل بالفحم، فإن ثاني أكسيد الكبريت، وثاني أكسيد النيتروجين، وجسيمات دقيقة، وزئبق تنطلق كلها في الهواء والأنهار والجداول والبحيرات. وهذه الانبعاثات لا تتسبب في تدهور البيئة وحسب، بل إن هناك أدلة مستقرة منذ وقت طويل تؤكد الخطر الذي تشكله على صحة الإنسان – إذ قدرت التقارير الطبية الصادرة عن الحكومة البريطانية أن "الضباب الدخاني العظيم" في لندن، الناجم عن حرق الفحم وعادم الديزل، كان السبب المباشر لوفاة 4 آلاف نسمة في عام 1952.
ومع خطورة الفحم واضطرار الدول إليه من المهم إيجاد بدائل سريعة من الطاقة النظيفة من الشمس والرياح ومساقط المياه ، بجانب سرعة التوصل لحلول للأزمة الروسية الأوكرانية ووقف الحرب لانقاذ الاقتصاد العالمى، ولا سيما بعد ارتفاع أسعار النفط وتخطيها حاجز ال 132 دولارا للبرميل ، وسط مخاوف وتوقعات من تخطيه حاجز ال 200 دولار خلال أشهر قليلة، مما يكبد الاقتصاد العالمى خسائر كبيرة بجانب ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق والنتيجة انهيار الدول الفقيرة والاقتصادات الناشئة .