يحل علينا غدا شهر رمضان المبارك للسنة 1343هـ، حيث يستطلع المسلمون الليلة هلال الشهر الكريم، حيث يعد استطلاع رؤية هلال شهر الصيام من العادات القديمة لدى المصريين، وليلة الرؤية أحد الليالى ذات الأهمية العظمى فى أنها تحدد للمسلمين بداية صوم شهر رمضان المبارك.
تاريخيًا لم يتفق المؤرخون حول أول من قام باستطلاع هلال رمضان في مصر، ففي كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة للإمام السيوطي، جاء أن أول من خرج لرؤية الهلال في مصر كان القاضي غوث بن سليمان الحضرمي قاضي القضاة في مصر زمن أبي جعفر المنصور العباسي، أما كتاب ولاة مصر وقضاتها للكندي فجاء فيه أن أول من خرج من القضاة لرؤية الهلال كان عبد الرحمن بن عبد الله بن لهيعة الذي تولى القضاء زمن العباسيين.
واستمرت رؤية الهلال قمريًا بالعين المجردة في مصر ولم تتغير إلا في العصر الفاطمي، حيث إن المذهب الديني لدى الفاطميين لا يسير وفق ما يراه أهل السنة من استطلاع هلال رمضان، بل كانوا يحسبونها فلكياً، وحينما سقطت دولتهم استمرت الرؤية الاستطلاعية.
وحينما أتى الخلفاء الفاطميون، أبطلوا رؤية الهلال للقاضى، وجعلوا الشهور الرمضانية شهرا 29 يوما وشهرا 30 فإذا وقع رمضان فى أحدهما أمضوه كما هو، وأصبح ركوب الخليفة الفاطمى أول رمضان يقوم مقام إثبات الرؤية عندهم، ولكن الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله أباح صوم رمضان بالرؤية لمن يريد، وقد ترك القضاة فى العهود الأخيرة الخروج للرؤية وتحول ذلك إلى المفتين الذين يقومون بهذه المهمة.
وأما فى العصر المملوكى، فكانوا يستطلعون أهلة الأشهر الهجرية من خلال مئذنة المجموعة التي شيدها المنصور قلاوون المملوكى بالنحاسيين المرقب الرئيسي الذي كان القضاة في القاهرة يستطلعون من عليها هلال رمضان.
وكان من عادات الناس أنهم يشاركون القضاة في رؤية هلال رمضان من التجار وأصحاب المهن والحرف، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وخرج قاضي القضاة فى موكب تحف به الفوانيس بالشموع والمشاعل حتى يصل إلى داره ثم تتفرق الطوائف فى أحيائها معلنة شهر الصيام.
وكذلك فى العصر العثماني يحدث مثلما يحدث في العصور الأخرى من استقبال شهر رمضان عند ثبوت رؤيته، أما فى عهد محمد على وعلى مشارف القرن العشرين، استمرت حفلات طوائف الشعب تشارك فى رؤية هلال رمضان بعد انتقال إثبات الهلال إلى المحكمة الشرعية.
فيخرج الموكب من محافظة مصر إلى المحكمة الشرعية تتقدمه الموسيقى والجنود بطبولهم حتى إذا ثبتت رؤية الهلال تطلق الصواريخ والألعاب النارية وتطلق المدافع وتضاء المآذن ثم يمر موكب الرؤية فى أنحاء البلاد معلنًا الصيام.
وقد تحول الموكب إلى عمل رسمي يقوم به الجنود دون سواهم يعد قرار المحكمة فى بدايات هذا القرن بإلغاء التنظيمات النقابية لطوائف الحرف إذا انخرط عقد هؤلاء وابتلعتهم آلية الحياة الحديثة، وفقد الموكب أهم صفاته التقليدية.
تم إنشاء أول مرصد فلكي سنة 1838 م في القلعة ثم انتقل للعباسية باسم الرصد خانة، بعدها نُقِل لحلوان سنة 1903 م لتعذر رؤيته من منطقة العباسية؛ وظلت مصر تعمل بنظام الاستطلاع بالعين المجردة حتى سنة 1956 م ثم تم إلغاء نظام استطلاع رؤية الهلال بالعين المجردة واستبدل بنظام الحسابات الفلكية وكان السبب في ذلك كثافة السحب.