انطلاقاً من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع "حكاية شارع"، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات الهامة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسمائهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى، ولهذا نستعرض يوميًا شخصية من الشخصيات التى لهم شوارع تحمل أسمائهم، حسب ما جاء فى حكاية شارع للتنسيق الحضارى، واليوم نستعرض شخصية " جهاركس الخليلى" والذى له شارع يحمل اسمه فى القاهرة التاريخية تحت اسم "خان الخليلى".
يقع المكان الذى يشغله خان الخليلى حاليًا بين مشهد وجامع الحسين وشارع المعز، وبين ميدان وشارع الجامع الأزهر وأبرز آثار العصور الفاطمية والمملوكية، وكان موضعه تربة القصر الشرقى الخاص بالخليفة المعز بالله الفاطمى، التى فيها قبور الخلفاء الفاطميين المعروفة بـ "تربة الزعفران". وقد قام الأمير "جهاركس الخليلي" بتدمير هذه المقابر، وبنى مكانها هذا الخان فى 1382م، الذى مازال يعرف باسمه حتى الآن.
والخان عبارة عن مبنى على شكل مربع كبير، ويحيط بفناء يشبه الوكالة، فيما تضُم الطبقة الوسطى منه المحلات، أما الطبقات العليا فتحتضِن المخازن والمساكن.
قصة بناء الخان
عندما أراد الأمير جهاركس الخليلى أن يبنى لنفسه خانًا كبيرًا، تمارس فيه شتى أنواع التجارة، وبعد بحثه عن موضع مناسب، رأى أن يشيد الخان على موضع قريب من مسجد سلطانه "الظاهر برقوق" بالقرب من ميدان "بين القصرين" بشارع المعز، ولم يكن هناك شيء ليعيق الخليلى عن قراره، سوى أن الأرض التى اختارها كانت تحوى رفات الخلفاء الفاطميين، وهو ما يستدعى نبش قبورهم للبدء فى البناء، وهو قرار لم يكن من السهل اتخاذه دون مسوغ شرعي.
وكان للخليلى، صديق يدعى الشيخ "شمس الدين محمد القليجي"، وهو شيخ حنفى يعمل بالإفتاء، وتولى نيابة القضاة بالقاهرة لفترة، فتوجه إليه جهاركس وسأله الرأى الشرعى فى نبش القبور التى تعيق إنشاء مشروعه الاقتصادى، فما كان من القليجى إلا أن أفتاه بجواز إزالتها وإلقاء ما بها من رفات لأن الفاطميين"كفارًا رفضة".
فقام الأمير جهاركس بنبش تربة الزعفران واستخراج رفاة عشرات الرجال والنساء، وقام العمال بوضعهم على ظهر الحمير، وألقى بها فى "كيمان البرقية"، مقلب قمامة ضخم موضعه الحالى هو حديقة الأزهر، فى نهاية لا تليق بمن كانوا يومًا ما حكامًا لدولة مترامية الأطراف تشمل مصر وأجزاء من الشام وشمال أفريقيا.
وقد قام السلطان الغورى فى يولية 1511م، بهدم خان الخليلى وأنشأ مكانه حواصل وحوانيت وربوعًا ووكالات للتجار يتوصل إليها من ثلاث بوابات، وقد هدمت هذه الحواصل والحوانيت وأعيد بناء الخان بعد ذلك.
ولم يتأثر خان الخليلى بعوامل الزمن، وظل ملهمًا للأدباء والفنانين، فيحرض أخيلتهم دائمًا على الإبداع، مثلما كتب "نجيب محفوظ" روايته (خان الخليلي) من وحى أجواء الحى القديم، واصفًا إياه "ستجِد فى الشارع الطويل، عِمارات مُربعة القوائم تصِل بينها ممرات جانبية تقاطع الشارع الأصلى، وتزحُم جوانب الممرات والشارع نفسه بالحوانيت (أى الدُكان)، فدُكان للساعاتى وخطاط وآخر للشاى، ورابع للسجاد وخامس للتُحف وهكذا. بينما يقع هُنا وهناك مقاهى لا يزيد حجم الواحدة منها عن حجم الحانوت (الدُكان) الصغير، وقدّ جلسَ الصنَّاع أمام الدكاكين يكبون على فنونهم فى صبر".
الأمير جهاركس الخليلى
من أمراء الدولة المملوكية فى عهد السلطان الظاهر برقوق، ومقربا إليه، ويحمل لقب "أمير أخور"، وينسب إلى مدينة الخليل بفلسطين، كان المشرف على الإسطبلات والبريد.
ويذكر "المقريزي" أن الأمير جهاركس "كان خبيرًا بأمر دنياه كثير الصدقة ووقف هذا الخان وغيره على عمل خبز يفرق بمكة على كل فقير منه فى اليوم رغيفان، فعمل ذلك مدة سنين ثم لما عظمت الأسعار بمصر وتغيرت نقودها من سنة ست وثمانمائة صار يحمل إلى مكة مال ويفرق بها على الفقراء".
نهاية الأمير جهاركس
كانت نهاية الأمير جهاركس مثيرة وتستدعى التوقف، وهى نهاية اعتبرها "المقريزي" أفضل جزاء على ما فعله من نبش لقبور الموتى والاستهانة بها.
فقد أمره السلطان برقوق، بترأس جيش ضم 500 مملوك، والتوجه بهم إلى دمشق لمواجهة بعض الأمراء الذين خرجوا على السلطان، فى “معركة الناصري” عام 1389م، إلا أن جنود السلطان هزموا بسبب خيانة بعض القواد للخليلى وفرار الباقين.
وقد قتل الأمير جهاركس فى هذه المعركة، وقد ذكر المقريزى "وقتل الخليلى فى يوم الاثنين حادى عشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وترك على الأرض عاريًا وسوءته مكشوفة، وقد انتفخ وكان طويلًا عريًضا إلى أن تمزق وبلى عقوبة من الله تعالى بما هتك من رمم الأئمة وأبنائهم".
شارع خان الخليلى
لافتة خان الخليلى