"علاقتنا بتراثنا ليست سوية"، هذه هي الجملة المحورية التي انطلق منها الناقد العراقي الدكتور صالح هويدي فى كتابه "محاورة التراث والحوار مع الآخر" الصادر حديثا عن معهد الشارقة للتراث.
والكتاب مشغول بتتبع رؤيتنا نحن العرب على تراثنا الذى تراكم عبر السنين الطويلة، والذي يحكمه قول الدكتور صالح بأنه ينبغي أن نقرأ التراث بوصفه وقائع الأمس وأحداثه ومنتجاته التى أنتجها أهلها، بمعنى قراءة التراث بمنهج العلم الذى لا يجعلنا مشاركين فيه أو مسئولين عنه، وذلك انطلاقا من أن واجبنا هو التعامل مع واقعنا الراهن وحياتنا المعيشة ولحظتنا الراهنة.
ويرى الدكتور صالح أن تناول التراث يمثل إشكالية حقيقية إذ تسيطر على محاولات تناوله النزعات الأيديولوجية، كما أن التراث يمثل لدى العرب اليوم وسيلة للاختباء وراءه، أي أنه وسيلة دفاعية تعويضية عما نحن فيه من تراجع وهامشية، ووسيلة للتخلص من أساليب هيمنة الآخر المتقدم الساعى إلى تهميش وجودنا، ونتيجة ذلك أننا أصبحنا نختلف حول التراث لدواع فكرية أيديولوجية، ما بين سلفيين تقليديين، وثوريين رديكاليين، وليبراليين انتقائيين.
ولم ننتبه أبدا إلى أن التراث ليس كتلة واحدة بل هو مستودع للخبرات والتجارب والأفكار والممارسات والمعتقدات التى أنجزها أسلافنا، ومن هنا فإن فى هذا المستودع ما يصلح لنا اليوم وما لا يصلح.
ويتابع الدكتور صالح، نعم دخل العرب عصر الحداثة لكنه دخول بالجسد وليس بالروح والعقل، ويمكن القول إن ثمة اتجاهات رئيسية ثلاثة تتقاسم خريطة الخطاب الفكرى المعاصر اليوم تضم (الخطاب الاستعادي، والخطاب التغريبي، والخطاب المعرفي).
ويأتي الكتاب في خمسة فصول هى (الإسلام عقيدة التسامح والحوار، الفلسفة الإسلامية، موقع الفن في الحضارة الإسلامية، أفق الحوار مع الآخر في فكرنا المعاصر، نصوص من التراث).
ومن الأفكار التى طرحها الكتاب أن الإسلام أحدث نقلة نوعية في حياة العرب جعلتهم يعيدون النظر في أنفسهم وفي علاقتهم بحياتهم وبالآخر والكون، ورأى الباحثون أن العرب حققوا هذه النقلة عن طريق ما يعرف بالقطيعة المعرفية مع الماضي.
وتوقف الكتاب عند عدد من الفنون والقضايا الفكرية مثل الفلسفة وفنون الصوير والنحت والعمارة والموسيقى، وفيما يتعلق بالفلسفة الإسلامية يرى الكتاب أن المسلمين امتلكوا بالفعل فلسفة خاصة، ولهم رجال أسهموا بقوة فى هذا الحق، وتأثر بهم الغرب ويكفى دور ابن رشد وابن سينا فى الفلسفة الغربية.
وفيما يتعلق بالفن وإتاحته وتحريمه يذهب الدكتور صالح من نشأة فكرة التحريم فى زمن مبكر من اعتقاد لدى أصحابها بأنها ضرب من الشرك بالله والتشبه بقدرته في إبداع ما فيه من روح من بشر وحيوان، ومع ذلك فقد ازدهر الفن فى القصور وعرف الإسلام أربع مدارس فى فن التصوير هي (المدرسة العربية، والمدرسة الإيرانية، والمدرسة الهندية المغولية، والمدرسة التركية العثمانية)، وخلافا لسائر الفنون التشكيلية شهد الخط العربي ازدهارا وتطورا لارتباطه بالمصحف الذي كان يزين.
وكان لهذه الفنون تأُير على الحضارات الأخرى مثلا تأثر الأوربيون بفن النقوش الإسلامية، وقاموا بمحاكاة هذا الفن حتى من دون أن يفهموا معناه.
وفيما يتعلق بالحوار فقد أفسح الدكتور صالح مساحة طيب لمعنى واستراتيجيات ومعوقات ومستقبل الحوار مع الآخر، وخلص إلى أنه "علينا نحن العرب أن نعترف بأننا نخشى الانفتاح على الآخر، ونعيش عقدة الخوف من التفاعل معه ومحاورته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة