وسط مزارع تنوعت أصناف أشجارها مابين زيتون ومانجو ونخيل ومساحات من القمح والشعير، تشقها طرق واسعة، ومنازل مشيدة بطرز معمارية متنوعة ومن ورائها سلاسل قمم جبال الطور، تسير حياة ابناء "قبيلة أولاد سعيد"، إحدى قبائل جنوب سيناء، بحاضر جديد يعتمد على الاستقرار والزراعة، بعد أن كان فى الماضى ركيزته الترحال تحت سفوح الجبال.
" الحمد لله خير الله".. قال الستينى "حميد" أحد كبار القبيلة ورموزها، وهو يمسك بسنبلة قمح اقترب حصادها بمزرعته بالطور، وهى من بين مزارع تمتد على مساحات بمناطق كانت قبل سنوات قليلة صحراء واستطاعوا بجهودهم الذاتية تحويلها لمساحات خضراء .
وتابع حميد الذى عاش كل مراحل تطور القبيلة، وهو يشير لناقته وهى تداعب صغيرها على أطراف مزرعته وحولها تنتشر أشجار زيتون عتيقة وبالقرب منها مزرعة أغنامه، إنه كأحد ابناء القبيلة تحتفظ ذاكرته بتسلسل نسبه وأجداده، لافتا إلى أنه ابن إبراهيم طعيمة سويلم محمد سليمان هيكل دخل الله عيد سلامه أبوعلاج السيقى من عرب المساعيد وهو من قبيلة أولاد سعيد.
وقال إنهم أصبحوا مزارعين يجيدون بمهارة زراعة أصناف كثيرة من الأشجار، مؤكدا وهو يعود بذاكرته للماضى، إنهم قبل منتصف السبعينيات كانت حياتهم تختلف، حيث يتنقلون بين الوديان وسفوح الجبال، مساكنهم بيوت الشعر المكونة من نسيج شعر الماعز وصوف الغنم.
وأضاف غنه لاينسى الدفئ الذى كان يشعر به عندما ينام فى بيت الشعر وسط البرد الشديد وسقوط المطر، بينما صيفا يستخدمون القطع المنسوجة من بيت الشعر كعرائش تسمى "البطيحة"، وهى التى تبذل السيدات جهدا كبيرا فى نسجها بالمغزل وإعدادها، ويتنقلون فى جبال فى "وادى سلاف ووادى حمران وسهم" وغيرها، وعندما يحتاجون للتزود باحتياجاتهم يقطعون مسافات طويلة وصولا للأسواق البسيطة فى مدينة الطور، وهى المدينة التى كانت فى ذاك الوقت عبارة عن بيوت بسيطة من الطين، أو الذهاب لمدينة السويس غربا.
ويعود الخمسينى "سليمان موسى مونس"، من ابناء قبيلة أولاد سعيد بذاكرته للماضى، عندما كان طفلا يمتطى وراء ظهر والده الجمل، ويتنقل فى بطون الجبال وصولا لمدينة الطور لشراء احتياجاتهم من الدقيق والسكر والزيت والبقوليات، وتنقلهم وقت الربيع وراء العشب فى بطون الوديان.
ولاينسى "مونس" تقاليدهم خلال شهر رمضان حيث يجمعهم الديوان لتناول طعام الإفطار البسيط المكون من منتجات ألبان الماعز والتمور، بينما فى العيد يبدأون فى معايدة بعضهم البعض بالتنقل بين البيوت مقدمين التهاني.
ويشير السبعينى "نصار عيد"، إلى أنه فى الماضى كان ارتكاز المعيشة على الماعز والأغنام، فهى توفر الطعام من حليبها ومن شعرها وصوفها ينسجون البيوت التى تأويهم، وكل هذا من صفحات الماضى كما يؤكد وحاليا، تغير الحال حيث يقيمون فى بيوت اسمنتية مشيدة وتتوفر لديهم كل مقومات الحياة.
وعن مشاهد حياتهم فى الماضي، أوضح أنهم فى أفراح الزواج كانت تقام تحت سفوح الجبال بيوت الشعر والمدعوين يحضرون سيرا على الأقدام، أو ظهور الإبل من مسافات بعيدة تصل لأكثر من 100 كيلو متر، ولسان حالهم يقول "الفرح بلا ناس ماهو فرح"، وهدية كل مدعو لصاحب الفرح هى رأس من ذكور الماعز أو الغنم لمساعدته فى مراسم زواجه، والذى بدوره يرده لمن قدمها له عندما تحل عنده مناسبة سعيدة، وتقام وليمة بحضور ومشاركة الجميع من المدعوين.
ويتابع نصار عيد سرد الماضي، أن من أفراحهم التى كانت تقام فى الماضى وانقرضت هى أفراح "الطهور"، ومراسمه بجمع الأطفال وحضور الطبيب المخصص بطهورهم وبعد إتمام العملية، تنطلق الأفراح، ويخصص لها أماكن فى ظلال أشجار السيال، حيث يحرص والد كل طفل على نحر ذبيحة ودعوة الأقارب إليها، وعندما يولد مولود جديد يطلقون عليه "ضيف الله" وبعد مرور أسبوع على ولادته يقوم ولده بتسميته، وتنحر عقيقته.
ويشير "سالم أبو جميع" من ابناء قبيلة أولاد سعيد، إلى أن من مشاهد الأفراح فى الماضى إقامة سباقات تقليدية للهجن، حيث يتسابق الهجانة فى استعراض مهاراتهم أمام بيوت من الشعر يستقبل فيه المدعوين.
وتابع، الإبل كانت مرتكز أساسي فى حياتهم ولا يزالون يحتفظون بها وبعد انتهاء حياة الترحال والاستقرار لم يتخلوا عنها، وبينهم من يشترى سلالات ويخوض منافسات السباقات ويحقق أرقاما باسم القبيلة التى اصبحت لها اسمها فى عالم سباقات الهجن.
وقال فراج محمد الزيرى، إن طعام الماضى كان اللبن والسمن والقمح المجروش، لافتا إلى أنه فى الأفراح كانت الولائم تقسم لوليمة رئيسية وهى العشاء يوم الفرح وتتكون من اللحوم، بينما يسبقها الغداء وجبة السمن مخلوطا القمح المجروش.
وتابع أن من أهم ما يتم تخزينه كمصدر طعام فى كل وقت هو التمور، وتجود بها مزارع النخيل فى الوديان، موضحا انه يتم تخزين البلح الرطب فى أكياس الخيش بينما التمر المتماسك الناشف يخزن فى القربة وهى جلد الماعز ويطلقون عليه اسم " القسب "، ومن طعامهم " العفيق"، وهو اللبن المجمد الناشف الذي يتم تكسيره وطحنه.
وعن الحاضر يقول "فراج" إن الحال تغير كثيرا فقد طويت صفحة الماضي التى يعتزون بها وتراثهم، وأصبحوا فى استقرار تتوفر لديهم الخدمات، ويقومون فى أرضهم بزراعة أجود أصناف من الفاكهة،التى تروى على مياه آبار يتم حفرها .
وبدوره يحفظ "حسين ابوحسان" من ابناء قبيلة أولاد سعيد تاريخ قبيلته عن ظهر قلب، لافتا إلى أنها قبيلة من بين 7 قبائل يطلق عليها "الطوره" وهى قبائل "العليقات، الصوالحة، مزينة، الجباليه ، بنى واصل، أولاد سعيد، القرارشة".
وأشار إلى أن من مشاهد الماضى أن الحياة كانت بسيطة وفى مجمل مهن ابناء القبيلة هو الرعى وتقوم به فى العادة الفتيات من الصباح الباكر حتى غروب الشمس، ويهتم كل مجموعة من ابناء القبيلة بيوتهم متقاربة ببناء بيت ومكان يخصص كديوان لاستقبال الضيوف، ويراعى أن يكون بعيدا عن البيوت التى لها حرمة بحيث أن الضيف القادم لا يرى هذه البيوت.
ويشير "سليمان ابو حميد" وهو محامى من شباب قبيلة أولاد سعيد، إلى أن ديار قبيلتهم مدينة الطور بجنوب سيناء، وحاليا تطورت أحوال القبيلة و تغيرت عن الماضى كثيرا، وأصبح الاهتمام بالتعليم بين ابنائها الذين بينهم خريجين اطباء ومهندسين ومحامين ومعلمين.
أضاف أنهم يثمنون جهود الدولة فى توفير الخدمات لهم، وهى التى ساهمت فى النقلة التى يعيشونها وأن يقوموا بزراعة مساحات شاسعة من الأراضى وتعميرها لتجود بكل الأصناف من الفاكهة والخضروات.
اعداد القهوة
الارض تجود بمحصولها
تقاليد متوارثة
عددا من ابناء قبيلة اولاد سعيد يجنوب سيناء
فراج زاير
يتحدقون عن الماضى والحاضر
يهتمون بالابل