حينما أنزل على النبى محمد صلى الله عليه وسلم، آيات الذكر الحكيم، جاءت كلماته هدى للناس وبيانات من الفرقان، كلمات قادرة على جذب أسماعهم وأبصارهم، وأسر قلوبهم، لها قداستها وجلالها لكنها أيضا تحمل تعبيرات جمالية وصورا بلاغية رائعة.
وفى القرآن الكريم، نجد العديد من الآيات التى حملت تصويرا بالغى، وتجسيدا فنى بليغ، ومفردات لغوية عذبة، تجعلك تستمتع بتلاوة كلمات الله التامات على نبيه، ووحيه الأخير إلى الأمة، ومن تلك الآيات الجمالية التى جاءت فى القرآن: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ. (سورة الحجر الآية: 3).
وحسبما ورد فى "ملتقى أهل الحديث" فإن البلاغة فى تلك الآية الكريمة، دلت على التقليل من أن استمرارهم على غلوائهم هو أكثر حالهم، وهو الإعراض عما يدعوهم إليه الإسلام من الكمال النفسي، فبإعراضهم عنه رضوا لأنفسهم بحياة الأنعام، وهي الاقتصار على اللذات الجسدية.
وإلهاء الأمل إياهم، هو إنساؤه إياهم ما حقهم أن يتذكروه، بأن يصرفهم تطلب ما لا ينالون عن التفكير في البعث والحياة الآخرة، والأمل هو مصدر، وهو ظن حصول أمر مرغوب في حصوله مع استبعاد حصوله، فهو واسطة بين الرجاء والطمع
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ذر يا محمد هؤلاء المشركين يأكلوا في هذه الدنيا ما هم آكلوه، ويتمتعوا من لذاتها وشهواتهم فيها إلى أجلهم الذي أجلت لهم، ويلههم الأمل عن الأخذ بحظهم من طاعة الله فيها، وتزوّدهم لمعادهم منها بما يقربهم من ربهم، فسوف يعلمون غدا إذا وردوا عليه. وقد هلكوا على كفرهم بالله وشركهم حين يُعاينون عذاب الله أنهم كانوا من تمتعهم بما كانوا يتمتعون فيها من اللذّات والشهوات كانوا في خسار وتباب.
وفى تفسير الإمام القرطبى: فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى {ذرهم يأكلوا ويتمتعوا} تهديد لهم. {ويلههم الأمل} أي يشغلهم عن الطاعة، يقال: ألهاه عن كذا أي شغله. ولهي هو عن الشيء يلهى، {فسوف يعلمون} إذا رأوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا. وهذه الآية منسوخة بالسيف.
أما الثانية: في مسند البزار عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعة من الشقاء جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا). وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه، ولم يفارقه داء ولا نجح فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء. وحقيقة الأمل: الحرص على الدنيا والانكباب عليها، والحب لها والإعراض عن الآخرة. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك أخرها بالبخل والأمل).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة